الجدة سامية لم تتذكر أحفادها

21 سبتمبر 2017
ستّة ملايين مصري ومصرية مصابون بالألزهايمر (العربي الجديد)
+ الخط -

"كانت تتعامل مع أولادها على أنّهم ما زالوا في العاشرة من عمرهم، أمّا أحفادها فلم تكن تذكرهم. كذلك، كانت تلحّ عليها ذكرياتها القديمة وتستدعي كثيرين رحلوا". هذه هي الجدّة سامية التي يتحدث أحمد عبد النبي عن إصابتها بمرض ألزهايمر في آخر سنوات حياتها. ويخبر عبد النبي كيف كانت الجدة "تستحضر كل تلك التفاصيل الصغيرة عن مواقف علقت في ذاكرتها للأبد منذ صغرها"، مشيراً إلى أنّه "رحنا نكتشفها من جديد من خلال حكاياتها وما تسرده من مواقف أثّرت فيها ومن أمور قامت بها للمرّة الأولى في حياتها أثناء طفولتها وشبابها".

الأعراض الأولى لذلك المرض بحسب تعريف جمعية دعم مرضى الألزهايمر وخرف الشيخوخة في مصر، هي "تأثّر الذاكرة قصيرة المدى وعدم قدرة المريض على تكوين ذكريات حديثة"، في حين أنّه مع تفاقم الحالة "يظهر تغيّر في تصرفات المريض وحالته المزاجية، وفي قدرته على التخطيط والعمليات الحسابية واللغة، وقدرته على تمييز المكان والوقت". فيقول عبد النبي في السياق، إنّ تلك كانت حالة جدّته بالفعل، "والمؤلم في الأمر أنّها حينما كانت تدرك أنّها مريضة بالألزهايمر، كانت تخجل كثيراً من وجودها بين أشخاص لا تعرفهم ولا تتذكّرهم. وبعدما كانت تسأل الأشخاص عن هويّتهم، صارت تلزم الصمت وتجلس مع الغرباء من وجهة نظرها بحزن من دون أن تسألهم: من أنتم؟".

وتتعدّد علامات الألم لدى المريض بحسب جمعية دعم مرضى الألزهايمر، فهو في أحيان كثيرة يعجز عن التعبير عن الألم بسبب تدهور اللغة وعدم قدرته على التواصل مع المحيطين به. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال "الهمهمة أو التأوّه باستمرار، والبكاء، والنداء بشكل متواصل على الآخرين، وتعبيرات الوجه الغاضبة أو الحزينة، والتململ والحركة بشكل مستمر، ورفض الطعام والشراب، والتنفس بشكل سريع". وتؤكّد الجمعية على أنّ "معرفة الأعراض التي يمرّ بها مريض الألزهايمر تقلل من حالة الصدمة والتوتّر التي يمرّ بها أهل المريض نتيجة التغيّرات السريعة التي يمر هو بها".

كلّما استطاع عبد النبي فعله، وكذلك أسرته، هو "مجاراة جدّتي في الحديث ومحاولة التفاعل مع قصص الماضي وإبلاغها بلطف أنّ الذين تطلب رؤيتهم وتشكو من عدم سؤالهم عنها قد رحلوا". ويشير إلى أنّهم لم يعرضوها على طبيب "حتى لا تتورط في تناول مزيد من الأدوية، إلى جانب ما تستهلكه في إطار علاج أمراض الكلى والرئة، وفي النهاية السرطان الذي كان سبب وفاتها".




في السياق، تقول الأستاذة المساعدة في كلية التمريض التابعة للجامعة البريطانية والباحثة في كلية الملكة مارغريت في بريطانيا، أميرة البقري، إنّ "الألزهايمر يؤثّر في قدرة المريض على التعبير والكلام فيتلعثم في أحيان كثيرة ويكون كلامه غير مفهوم للآخرين. وهو الأمر الذي يؤدّي إلى تشبّث المريض بالعلاقات التي لا تحتاج إلى لغة، مثل العلاقة بطفل رضيع أو العلاقة بحيوان أليف من قبيل كلب أو قطة". وتنصح البقري المحيطين بالمريض بـ"التفكير جيداً قبل طرد الحيوان الأليف الخاص به، إذ إنّ ارتباطه به قد يكون من آخر ما يربطه بالحياة". إلى ذلك، تؤكّد البقري أنّ "مريض الألزهايمر يكون في حاجة مستمرة إلى رعاية من قبل الآخرين والاعتماد عليهم، الأمر الذي يجعله مسلوب الإرادة في أحيان كثيرة".

تفيد الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن جمعية دعم مرضى الألزهايمر وخرف الشيخوخة، بأنّ ثمّة إصابة جديدة تحدث كل ثلاث ثوانٍ، كذلك فإنّ عدد المصابين يتضاعف كلّ 20 عاماً، في حين أن تكلفة المرض كبيرة وثمّة حاجة إلى توعية واسعة النطاق حول العالم.

وكان أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس المصرية، طارق عكاشة، قد كشف في إبريل/ نيسان الماضي، خلال مؤتمر طبي عُقِد في القاهرة، أنّ ثمّة 47 مليون مريض مصاب بالخرف حول العالم بحسب الإحصاءات العالمية، وأنّ في مصر 300 ألف مصري مصاب بالألزهايمر. وأشار إلى أنّه من المتوقّع أن يرتفع العدد إلى 75 مليون مريض حول العالم بحلول عام 2030، ليصل بحلول عام 2050 إلى 132 مليوناً. إلى ذلك، بيّنت الإحصاءات أنّ 70 في المائة من مرضى الخرف سوف يكونون من البلدان النامية، وذلك على خلفيّة ارتفاع تعداد السكان وكذلك تحسّن الخدمات المقدّمة الذي من شأنه أن يؤدّي إلى ارتفاع في مأمول حياة الإنسان. كذلك أوضح عكاشة أنّ "60 في المائة من مرضى الخرف في مصر هم مرضى ألزهايمر، وأنّ من بين كلّ ثلاثة يعانون من الألزهايمر ثمّة امرأتَين اثنتَين".

تجدر الإشارة إلى أنّ الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر كان قد أوضح في آخر إحصاءات رسمية له نشرها في عام 2014، أنّ نسبة مرضى الألزهايمر في مصر هي 6.5 في المائة من السكان فوق سنّ الستين، وهو ما يوازي تقريباً ستّة ملايين نسمة. وتوقّع الجهاز أن يزيد هذا الرقم في عام 2030 بنسبة 12 في المائة ليصير العدد 11 مليون نسمة.

دلالات