الأهل طوق النجاة للطفل المتعثر دراسيًا

13 يوليو 2016
ازرع بطفلك فكرة أنه مميز ومتفوق (Getty)
+ الخط -
"فاشل، لا يستوعب شيئاً، لن أُتعب نفسي في تدريسه أو تحسين مستواه، فلا فائدة تُرجى منه"، عبارات محشوة بالإحباط كانت كالسِّهام القاتلة تتجه صوب عقل ومستقبل الطفل جهاد (11 عاماً)، فتقتل أي قدرة أو أمل لديه ليكون أفضل في دراسته.
"جهاد" أصبح في الصف السادس الابتدائي وهو لا يعرف القراءة أو الكتابة كباقي أقرانه، والكلمة الوحيدة التي يمكن أن ترددها والدته "لا فائدة، عقله ليس بالدراسة".

نموذج لطفل هو أصغر أخوته الذين أكملوا تعليمهم بنجاح ودون صعوبات كما عانى منها صغير العائلة "جهاد".
تقول والدته لـ"العربي الجديد": "منذ بداية دخوله المدرسة كان يكره الدراسة، ويرفض أن يجلس لحل واجباته إلا رغماً عنه، جهاد متعلق باللعب بشكل كبير ولا يقوى على الجلوس نصف ساعة متواصلة ليدرس".

في بيت آخر، كان الطفل أحمد في الصف الرابع الابتدائي، يعاني من صعوبات تعلم، وتعثر في دراسته، إلا أنه أُحيط بعائلة أدركت مشكلته، وعملت على تخطيها بنجاح.
تقول والدة أحمد لـ"العربي الجديد": "أحمد ضعيف دراسياً، كنت أستخدم عدة وسائل لمساعدته في الدراسة، منها الصحيح ومنها الخاطئ، لكن عندما توجهت لأخصائية تربوية، وعرضت مشكلة أحمد أمامها، تمكنا معاً من تحسين مستواه قدر الإمكان".

وتابعت: "لا أنكر أني كنت أستخدم العنف أو الصراخ أحياناً في تدريسه، وكنت مقصرة في التواصل مع مدرسته، لكن باستشارة الأخصائيين، والتواصل مع مدرسيه، والمرشد التربوي بمدرسته، وصلنا لنتيجة مرضية وبعمل متكامل".


الأهل ثلاثة..!
"أهل يدركون أن طفلهم لديه مشكلة ويعاني من صعوبات التعلم، بسبب نقص عدد من المهارات أو قدرات عقلية معينة، مما يساعد على حلها، وأهل ينكرون المشكلة، أما النوع الثالث فلا يوجد لديه خبرة ولا يعرف أن ابنه يواجه صعوبة بسبب الجهل"، أصناف الأهل الثلاثة تلك ذكرتها أستاذة التربية في جامعة النجاح في نابلس رشا الشخشير، مشيرة إلى أن درجة التعلم لدى الأهل لا تؤثر في حل المشكلة بشكل كبير.

وتضيف الشخشير في حديثها لـ"العربي الجديد" قائلة: "ثقافة الأهل وتعلمهم لا تلعب دورا بحل المشكلة، بقدر حبهم وتقبلهم لحالة ابنهم، فهناك من حملة الشهادات العليا لا يتقبلون الصعوبة التي يواجهها طفلهم، انطلاقاً من ثقافة العيب".



الإهمال والبيئة المحيطة
إهمال الأهل للطفل في البدايات الأولى بالدراسة، وعدم متابعته بالمرحلة التأسيسية، أول أسباب الضعف الدراسي التي تحدثت بها الأخصائية الاجتماعية في مركز تنمية موارد المجتمع بنابلس عروب جملة.

وتضع جملة يدها على بعض مسببات التعثر الدراسي الذي يعاني منه جهاد وغيره من الأطفال، وتقول: "في المراحلة العمرية المبكرة يمكن ملاحظة قدرة الطفل على الاستيعاب، أما عند بداية الدراسة فتبدأ قدرته في تعلم القراءة والكتابة أو التعبير تظهر بشكل صحيح".

وتضيف الأخصائية في حديثها لـ"العربي الجديد": تعرض الطفل للعنف من المعلم أو زملائهينعكس سلباً على مستواه، وتأخره بالدراسة التي تصبح آخر همومه، فبعض الأطفال قد يكون لديهم ضعف في بعض المواد وليس جميعها، وهنا يجب ملاحظة طبيعة علاقته بمعلم المادة، التي قد تكون دافعاً له في هذه المادة أو سبباً بتراجعه فيها".

بعض العائلات لا تكترث بالمستوى التحصيلي لأطفالهم، من منطلق أن الدراسة ليست كل شيء، وأنه يمكن أن يتعلم هذا الطفل مهنة ما بعيداً عن التعليم، تلك البيئة والثقافة التي تنتقص من قيمة الشهادات المدرسية، ستنعكس حتماً بشكل سلبي على مستوى الطفل، بحسب الأخصائية، إضافة إلى غياب الطالب بشكل متكرر، إما لمرض أو أسباب خاصة.


وفي حين تعزو الكثير من الأمهات سبب تراجع مستوى أطفالهن في المدرسة، لصعوبة المنهج الدراسي وأنه يفوق مستوى ذكاء الطفل، خاصة وأنها مناهج تقليدية، إلا أن الأخصائية عروب جملة أكدت على أهمية استخدام الوسائل التعليمية والترفيهية التي يمكنها تمرير المنهج لعقل الطالب.

وقالت:"هناك أمهات يبدعن في تدريس أطفالهن ولا يستسلمن لواقع التعليم التقليدي والتلقينيالمتبع بالمدارس، وتحوِّل وقت الدراسة لوقت لعب ومرح وغناء، وهذه من أنجح الطرق التي تجذب الطفل للدراسة وحفظ المعلومة بطريقة ممتعة".

ولأن الطفل جزء من منظومة المجتمع العربي الغارق في مشاكله السياسية والاقتصادية، فلا بد
أن تنعكس تلك الجوانب على الطفل في حال تعطل الدراسة لفترات بسبب الإضرابات أوالأوضاع السياسية التي قد تعيق العملية التعليمية، والتي قد تؤثر بدورها على الجانب الاقتصادي، مما يدفع الطفل للعمل بعد المدرسة لمساعدة عائلته في توفير المال، وهذا كله ينعكس سلبا على التحصيل الدراسي للطفل، بحسب جملة.

ولتخطي المشكلة قبل أن تتطور، ترى الأخصائية أن تدارك وتخطي هذه المشكلة يكون بالاهتمام، خاصة بعد ملاحظة مستوى الاستيعاب لدى الطفل. وتستدرك جملة: "إذا كان الطفل يعاني من مشكلة جذرية بالاستيعاب، فيمكن حلها مع أخصائيين وبحلقة متصلة، دون إهمال أي طرف".


اكتشاف المشكلة
بعض الصعوبات لا تكون ظاهرة لدى الطفل، إلا عندما يبدأ بتعلم القراءة والكتابة، ويمكن أن تكون ظاهرة بشكل بسيط لكن الأم لا تدركها، كعدم معرفة طفلها للاتجاهات، قد تكون مؤشراً على أن الطفل يعاني من صعوبة قراءة، بحسب أستاذة التربية رشا الشخشير.
وتضيف: "على الروضة أو المدرسة إعلام الأهل أن طفلهم يعاني من مشكلة ما وتوجيههم لجهة مختصة تقدم خدمات تثقيفية، كما يمكن مساعدة الأهل من خلال الندوات والدورات، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع أخصائيين".
وتتابع:"الطفل ليس المشكلة، وإنما البيئة أو المعلم أو البيئة الصفية والمحيطة، من حق الطفل أن يتعلم بغض النظر عن قدرته".

توجه الشخشير نصيحة للأهل بأن يزرعوا بالطفل أنه مميز بطريقة إيجابية حتى تكون ثقته عالية بنفسه، وبالتالي يمكن أن ينجز مهارات معينة، وتقول: "الأسرة المحبة والداعمة ستخرج طفلاً مميزاً، والتركيز على الجوانب الإيجابية ستكون نقاط القوة، وبالتالي تصنع شخصاً متميزاً لديه قدرة مختلفة ويحظى بمناصب عالية جدا".
وتشير: هناك علماء عانوا من صعوبات التعلم في الصغر لكنهم تغلبوا عليها، أكبر مثال على ذلك أديسون الذي قالت له معلمته إنه شخص غير قابل للتعلم، وفيما بعد أصبح عالماً.




المساهمون