استمع إلى الملخص
- **أهداف الحكومة وردود الفعل:** رئيس الحكومة نيكول باشينيان ووزيرة التعليم جانا أندرياسيان يهدفان لتحليل الأحداث التاريخية من منظور الدولة الحالية، مما أثار غضب قسم من المجتمع الأرميني.
- **التداعيات التاريخية والجغرافية:** الجدال احتدم منذ سبتمبر 2023، مع تسلم المدارس كتب تاريخ جديدة تضمنت خرائط أظهرت كاراباخ جزءاً من أذربيجان، مما يعكس التوترات التاريخية والجغرافية بين البلدين.
أثار اتخاذ الحكومة الأرمينية قرار تغيير تسمية مادة التاريخ في المدارس من "تاريخ الشعب الأرميني" إلى "تاريخ أرمينيا"، أي تاريخ الأراضي الخاضعة لسيطرة يريفان حالياً، جدلاً حول إذا كان الإصلاح سيُغيّر الهوية الوطنية للأرمن في الداخل التي كانت تتمحوّر حول قضية اعتراف تركيا بالإبادة الجماعية التي تعرّض لها الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية عام 1915، وقضية إعادة إقليم ناغورنو كاراباخ إلى أرمينيا، بعدما أحكمت أذربيجان السيطرة عليه العام الماضي.
وخلال مناقشة التغييرات في مادة التاريخ في وقت سابق من يوليو/ تموز الجاري، أكد رئيس الحكومة نيكول باشينيان أن "الأرمن يجب أن يصعدوا إلى برج مصالح الدولة، ما يحتم توجيه التعليم بالدرجة الأولى إلى تحليل الأحداث التاريخية وعرضها من الموقع الحالي للجمهورية".
وأوضحت وزيرة التعليم الأرمينية، جانا أندرياسيان، أنه "سيجري التركيز على تاريخ أرمينيا المعاصر، وأن المسؤولين سيعيدون قريباً النظر في المواد الدراسية كي لا يكون تغيير التسمية مجرد إجراء".
ويرى الخبير الروسي في شؤون جنوب القوقاز، أندريه أريشيف، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن السلطات الأرمينية تهدف عبر إصلاح تدريس مادة التاريخ إلى تغيير الهوية الوطنية للسكان بما يتناسب مع التحالفات الجديدة التي يجريها باشينيان، ودمج البلاد ضمن العالم التركي عبر التخلي عن كاراباخ". ويشير إلى أن "أرمينيا مرّت بمرحلة مماثلة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، لكن اندلاع الحرب في كاراباخ اضطرها إلى تأجيل الأمر، وتعزيز التحالف مع موسكو".
وفي شأن ردة فعل المجتمع الأرميني على الإصلاحات، يقول أريشيف: "تُغضب الإصلاحات قسماً من المجتمع الأرميني، لكن السلطات ستنجح في تحقيق أهدافها، في ظل حال اللامبالاة السائدة بين غالبية الجماهير التي يمكن التلاعب بها".
لكنه لا يستبعد أيضاً تفاقم الانقسام المجتمعي، وتراجع علاقات الداخل مع الجالية الأرمنية في الخارج المقدّرة بالملايين، والتي يشكل الناجون من الإبادة نواة صلبة لها، وكذلك تفكير قسم من الأرمن بالهجرة، لا سيما أولئك القادمين من كاراباخ.
في غضون ذلك، تتصدى أوساط اجتماعية للإصلاح، إذ صوّت نحو 12 ألف شخص في موقع وزارة العدل الأرمينية ضد التسمية الجديدة لمادة التاريخ. وعلّق أول رئيس وزراء في أرمينيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، فازغين مانوكيان، بأن "دراسة تاريخ الشعب كله حيوية للأرمن، في حين أنها ليست مسألة جوهرية في فرنسا مثلاً، حيث يكاد تاريخا الدولة والأمة أن يتطابقا. ظللنا على مدى مئات السنين شعباً بلا دولة، لكننا لعبنا دوراً مهماً في تنمية الحضارة العالمية".
من جهته، اتهم المعارض الأرميني أفيتيك تشالابيان الفريق الحاكم بـ"انتهاج سياسات الاستسلام أمام أذربيجان وتركيا"، علماً أن الجدال احتدم حول تدريس التاريخ في أرمينيا منذ سبتمبر/ أيلول 2023، حين تسلمت مدارس أرمينية نسخاً جديدة من كتب التاريخ، وتضمن الكتاب المخصص للصف السابع تحديداً خرائط أظهرت كاراباخ جزءاً من أذربيجان، وغابت المعلومات عن الآثار الأرمنية في أراضي تركيا المعاصرة، واستخدمت تسميات خاصة بالجغرافيا الأذرية.
واعتبر الأرمن دائماً ناغورنو كاراباخ بمثابة مهد لشعبهم، ومنطقة مهمة أيديولوجياً وتاريخياً وثقافياً، وأصبحت أراضيها جزءاً من الإمبراطورية الروسية في القرن الـ19، ثم ظلت تبعيتها موضع خلاف بين أرمينيا وأذربيجان طوال عقود حتى حسمت القيادة السوفييتية، بعد ثورة البلاشفة عام 1917، المسألة لصالح أذربيجان، بحجة "ضرورة حصول سلام قومي بين المسلمين والأرمن".
ومع اقتراب نهاية الدولة السوفييتية، أعلن الإقليم في فبراير/ شباط 1988 خروجه من جمهورية أذربيجان السوفييتية، وهو ما رفضته موسكو. وفي سبتمبر/ أيلول من العام ذاته، انطلقت المواجهات بين الأرمن والأذربيجانيين، وتحوّلت تدريجياً إلى نزاع طويل وحرب مفتوحة استمرت حتى تجميدها عام 1994.
وفي نهاية عام 2020، تجدد القتال في ناغورنو كاراباخ، وانتهى بتوقيع قادة روسيا وأذربيجان وأرمينيا اتفاقاً لوقف القتال، بعدما قدمت أرمينيا تنازلات إلى باكو. وفي سبتمبر 2023، أجرت أذربيجان عملية عسكرية خاطفة في كاراباخ أسفرت عن دمج الإقليم ضمن البلاد، ونزع السلاح فيه نهائياً.