الأحزاب المصرية والاستفتاء البريطاني

29 يونيو 2016
+ الخط -
لا زالت أصداء استفتاء بريطانيا الذي صوت فيه الإنجليز بالخروج من الاتحاد الأوروبى تتوالى، والحديث عن التبعات والإجراءات سيستمر شهوراً. وهناك ثلاثة أمور مهمة جرت بعد الاستفتاء:
أولا: من رفض الخروج احترم خيارات المصوتين للخروج، على الرغم من أن الفارق بينهما أقل من 1.5% فقط، ولم يتم تسفيههم أو اتهامهم بالجهل .
ثانيا: إعلان ديفيد كاميرون، رئيس وزراء انجلترا الاستقالة، داعيا إلى انتخاب رئيس وزراء جديد يخلفه، ففي الديمقراطيات المستقرة ليس مسموحاً لحاكم بالبقاء في منصبه، طالما فشل فى الإيفاء بتعهداته أو أخلّ بالتزماته، وقصّر فى تأدية المطلوب منه. ولم يجد كاميرون المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي مفراً من إعلان رحيله خلال ثلاثة أشهر، معلنا أن مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، لابد وأن تتم مع رئيس وزراء جديد.
ثالثاً: المطالبة باستقالة رئيس حزب العمال البريطانى (المعارض) الذي تتهمه قياداتٌ في الحزب نفسه، بأنه لم يقدّم المطلوب لإقناع أنصار الحزب بالتصويت للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، فنحن أمام مطالبةٍ صريحةٍ باستقالة الرجل، تبعها ضغط باستقالة بعض وزراء حكومة الظل العمالية (حكومة الحزب المعارض، وهو تقليد بريطانى تحسباً لسحب الثقة من الحزب الحاكم)، لأن مسؤول أي حزب يستقيل إذا خسر في انتخابات، أو أخفق فى قيادة الحزب.
أما ما نعيشه في الحياة السياسية المصرية فما هو إلا تسفيه واستخفاف بالمصوتين في أي انتخابات أو استفتاءات، واتهام لهم بعدم الفهم ووصفهم بالأتباع المساقين، وهو أمر لا تستقيم معه تقاليد حياة سياسية سليمة، طالما ظل المناخ العام هو التشويه والاتهام. وعلى الرغم من ذلك لا يستطيع مُصدرو تلك الأحكام والاتهامات الإجابة على تساؤل: لماذا لم يستطيعوا الحصول على أغلبية تصويت الناخبين أو الانحياز لرؤيتهم؟
استقالة المسؤول بعد خطئه أو فشله أمر مستبعد تماماً فى الحالة المصرية، ولن نذهب بعيدا ونقلّب في الماضي، فواقع الحال يجسد هذا، فكل يوم هناك تسريب لامتحانات الثانوية العامة، فهل استقال وزير التعليم؟ ولماذا يستقيل؟ ورئيسه نفسه فشل في تحقيق ما وعد به سابقا، من إحلال الرخاء، عندما طالب الناس بالصبر عليه سنتين فقط، وبعد سنتين، لم يجد الناس غير انهيار اقتصادي، وتراجع في قيمة الجنيه وارتفاع جنوني في الأسعار، وتناقص الدعم وضعف في الخدمات، بل تجاوز هذا بالفشل في ملف مياه النيل، وواصل التنازل عن الغاز المصري في البحر المتوسط، وتابع بالتنازل عن الأرض المصرية (جزيرتى تيران وصنافير). ويتم هذا كله ضد رغبة الشعب الذي ضج منه، ويرغب في رحيله، لكنه لا يبالي بالشعب، ولا يشعر بأي غضاضةٍ بإرجاعه لمصر للخلف عشرات السنين بسبب انقلابه العسكري المشؤوم، وإجهاضه لتجربة ديمقراطية وليدة .
مثلما يتشبث المسؤول التنفيذي بموقعه، على الرغم من فشله يحذو رؤساء الأحزاب المصرية (القديمة والجديدة) المسلك نفسه. استمرار في قيادات الأحزاب يؤدي إلى جمود الحزب نفسه، فهناك الحزب الذي ظل رئيسه على قمته منذ عودة المنابر في نهاية السبعينيات حتى ثورة يناير، وهناك أعرق الأحزاب المصرية الذي يعيش أكثر من عقد، صراع على رئاسته، ما أدى إلى انقسامه لجبهات، فتراجع دور الحزب نفسه، ومن الأحزاب من نشأ مغلقا، ولم يقدم شيئا، وانتهى عمليا بعد الانقلاب العسكري، ومنها من قاده رئيسه للخوض في مستنقع 30/6، ورغم ذلك يظل رئيسا له إلى الآن، ولا يشفع له المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة لإصلاح خطئه.
حتى أحزاب 30/6 التي ملأت الدنيا ضجيجا، لم نشعر بوجود قوى لهم على الساحة السياسية، فما بين حزب صاحب تأسيسه، تفاؤل بإثراء الحياة الساسية، فلم يصمد بعد رحيل مؤسسه خارج مصر، وتفكّك إلى كتل ومجاميع، وأخر وُصف بعد الانقلاب بأنه الحزب الحاكم، لكن لا دور فعلي له بعد أن طُردت حكومته من السلطة بعد أشهر قليلة من تشكيله أول حكومة بعد الانقلاب. وهناك أحزاب ارتضت بالعمل وفق هامش مساحة صغير، حدّده لها صناع القرار الذين حدّدوا من يدخل البرلمان ومن يُستبعد منه .
الأحزاب المصرية الحالية واجهات لكيانات غير سياسية، دينية ورأسمالية أو تجمع مصالح يعزز القبلية، وهي بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقى للحزب السياسي ودوره، وتفتقد أي ديمقراطية داخلية، تمكّنها من تجديد نفسها بنفسها بدون انقسامات أو انشقاقات، وتعتمد على الشللية وترضخ للممولين، ولا تعترف بخطئها ولا تسعى إلى تصحيحه، ولا تشعر بمسؤوليةٍ تجاه الناخبين .
إذا أردنا أحزاباً حقيقة، فلننظر إلى الأحزاب الإنجليزية، وإذا أردنا بيئة سياسية سليمة، فلننظر إلى الحالة البريطانية، وإذا أردنا حياة سياسية حقيقية، لا بد أن نحترم خيارات بعضنا وفق عقد اجتماعي جديد ومنصف.
54358ACB-149C-420E-84CD-5806495F0468
54358ACB-149C-420E-84CD-5806495F0468
عبد الكريم محمد (مصر)
عبد الكريم محمد (مصر)