ماذا إن فعلها البسطاء؟

20 أكتوبر 2016
+ الخط -
البسطاء"... كلمة بسيطة في تركيبتها العميقة المعنى، فلا أحد يمكنه التعبير عن البسطاء بصدق، فمهما قلنا وكتبنا، لن يفي هذا بوصف أوجاعهم وآلامهم، مثلما يعبّروا هم عن أنفسهم بعفوية، فما ينقل عنهم مكتوبًا أو متلفزًا يشهد بوجعهم وتلقائيتهم الشديدة، ومن دون ترتيب مسبق وبتعبيرات بسيطة كما هم أيضاً.
يقولون إنّ حوالي 50% فقط من تعداد أي شعب هم من يشكلون الطبقة السياسية (يشتغل ويهتم بالسياسة) مثل الأحزاب وجماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء وغيرهم، أما البقية فلا تدري من لعبة السياسة شيئاً، بل وتبتعد عنها من الأساس، وفقط يهمها حياتها اليومية والمعيشية، ولا تعبأ بالبقية.
عندما ننظر إلى الطبقتين السابقتين، نجدهما غير مترابطتين، ولا توجد حلقات وصل بينهم، وهذه معضلة كبيرة، فمن ناحية لا تسعى الطبقة السياسية لصياغة مطالب الناس واحتياجاتهم في صورة مطالب سياسية واقتصادية، ولا الطبقة السياسية قادرة على الاستفادة من حراك الطبقة البسيطة من ناحية أخرى، وهذه معادلة صعبة، لم يقترب منها أحد بقوة حتى الآن.
وللدلالة على هذا الكلام، العامل الرئيس في ترجيح كفّة استمرار ثورة 25 يناير في مصر هي الجموع الغفيرة غير المسيّسة التي انضمت إلى الحراك في جمعة الغضب 28 يناير، آملين في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهذا كان دافعها أيضاً في المشاركة في الحراك والعملية السياسية والانتخابية التي تلت الثورة إلى ما قبل الانقلاب، ثم ارتدّت جماهير البسطاء إلى منوالها الأوّل، بعدم الاكتراث بالسياسة، بعد أن فشل الجميع في استيعاب مطالبهم، والسعي الجاد إلى تحقيقها، ثم جاء الانقلاب، لينسف أحلام البسطاء (وهم لا يدرون) في الحصول على الحد الأدنى للحياة.
وللحق، لم يشارك البسطاء المعدمون في عودة الحكم العسكري، وأنّ الطبقتين العليا والوسطى هم من أيّدوا الانقلاب، بعد أن رتّبوا له بمساعدة الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وأعادوا الحكم العسكري إلى الصدارة مجدّدًا، بعد أن توارى قليلاً بعد الثورة، وطرفا الصراع هم من ساهم في عودة الحكم العسكري، سواء المعارضة التي دعت وساندت الانقلاب (الكنيسة، السلفيون، القوى الديمقراطية والليبرالية والقومية وكثير من اليساريين، أو إجمالا من يطلقون على أنفسهم زوراً القوى المدنية) بالإيجاب من جانب، أو من كانوا يحكمون (الإخوان) بفشلهم وبأخطائهم وطريقة إدارتهم الصراع، بالسلب، على جانب آخر، أمّا البسطاء المعدمون فكانوا خارج دائرة الفعل، هم لم يأتوا بالانقلاب ولم يساندوه أيضاً، حتى وإن لم يكن لهم دور في الوقوف ضده، بل انتظروا تحسين حياتهم فساءت أكثر.
يصرخ البسطاء الآن تحت وطأة الفقر وضغوط الحياة الاقتصادية، لكنهم لا يجدوا من يثقوا فيه ليتبنّى مطالبهم وفق برنامج وطني، يحقّق لهم ذلك. لذلك، هم لا يؤيدون أحداً ولا يقفون ضد أحد أيضاً، وهذه إحدى إشكاليات البسطاء، فلا الإسلاميون سعوا بجد إلى تحقيق مراد البسطاء، ولا القوى المدنية تسعى إلى تحقيق مرادهم، وليس على أجندتهم بند البسطاء أصلاً، وبرلمانهم المزعوم يصرخ بهذه الحقيقة.
ولأنّ البسطاء غير مسيّسين، يصعب أن يخرج من بينهم من يقودهم لتحقيق مطالبهم، (لكن ليس بالمستحيل)، لذا لم يكن للبسطاء رموز إلا بعض الاحتفاء بكلماتهم وأفعالهم، ثم ينتهى الأمر سريعاً، وليس المقصود من هذا الكلام تثبيط البسطاء، بل على العكس دعوة ليقودوا أنفسهم بأنفسهم.
البسطاء وقود أيّ حراك، وآخر من يحصل على مغنم، والسؤال الملح هنا للنخب: إذا استطاع البسطاء إحداث حراك كبير وخلخلة للأمور، فماذا أنتم فاعلون؟
من يريد أن ينجح في أيّ حراكٍ لا بد وأن يسعى إلى إدخال العامة والبسطاء في معادلات الثورة والوطن مجدداً، بطريقة تضمن لهم تحقيق مطالبهم.
54358ACB-149C-420E-84CD-5806495F0468
54358ACB-149C-420E-84CD-5806495F0468
عبد الكريم محمد (مصر)
عبد الكريم محمد (مصر)