سمح التطور في مجال الإنترنت، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، في تنويع المتحرشين بالأطفال في الدنمارك وسائل الابتزاز لديهم، إذ يزداد عدد المبتزين، ويزداد معهم عدد الضحايا إلى مستويات مقلقة
في الدنمارك تقارير متزايدة حول الانتهاكات الجنسية بحق الأطفال بما فيها من استغلال وابتزاز وتحرش، خصوصاً مع الانتشار الواسع لشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي ينشط من خلالها المتحرشون والمبتزون. وبحسب ما تشير منظمة "أوضاع الأطفال" وهي مؤسسة وطنية تعنى بشؤون الأطفال في الدنمارك من مختلف النواحي، ولديها خطوط ساخنة تعمل على مدار الساعة لتلقي مكالمات هذه الفئة العمرية (ما دون 18 عاماً)، فقد سجل العام 2018 تواصل 174 طفلاً وقاصراً مع المنظمة للشكوى من تعرضهم لابتزاز جنسي، إلى جانب تلقي فرع منظمة "أنقذوا الأطفال" العالمية في الدنمارك (رد بارنت) نحو 70 شكوى في الاتجاه نفسه. تشير المنظمتان إلى أنّ هذه الزيادة في الابتزاز الجنسي غير مسبوقة خلال الأعوام السابقة على الأقل.
تهديد خطير للمجتمع الدنماركي (Getty) |
بحسب التقارير التي ركزت عليها وسائل الإعلام الدنماركية، فإنّ الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 2019، شهدت تلقي منظمة "أوضاع الأطفال" 145 شكوى ابتزاز كبار لصغار (من الجنسين) "لإجبارهم على ممارسات تعتبر مرعبة للقصّر، أو دفع المال مقابل ذلك". وشرحت المنظمة ما يجري مع فئة الصغار من ابتزاز جنسي بأنّه "يقوم على تهديد الكبار للصغار بنشر مواد خاصة بالأخيرين لإجبارهم على إرسال المزيد من المواد بمطالب محددة أو الدفع المالي لقاء وعود بعدم نشر ما وصل إليهم". وتفيد هذه المنظمة التي تحاول مساعدة الأطفال الأكثر عرضة للخطر اجتماعياً، بأنّ من يمارس هذا الابتزاز والضغط على الصغار هم الذين يعرفون بفئة "المتحرشين بالأطفال (البيدوفيل) الذين يجبرون الصغار على التعري وأداء حركات عديدة أثناء البث المباشر على كاميراتهم، وأحياناً يأخذ الابتزاز المالي دوره في سبيل طلب المزيد".
من سنّ السابعة
ذكرت صحيفة "بيرلينغسكا" بعد استعراضها شهادات بعض هؤلاء الصغار، أنّ "الابتزاز الجنسي يزداد، ولا شك أنّه يجب على المجتمع إيلاء فئة الصغار الكثير من الاهتمام". وبحسب ما تذكر منظمة "أوضاع الأطفال" لـ"العربي الجديد" فإنّ "الابتزاز الجنسي في المجتمع الدنماركي أمر يقلقنا لخطورته". تضيف المستشارة في قضايا الأطفال في المنظمة، سانا ليند، أنّ "مصدر القلق هذا يزداد باضطراد مع زيادة أعداد من يشتكي الابتزاز لدى فئة الصغار".
وتظهر شهادات بعض القصّر أنّ متحرشين راشدين يرتكبون الابتزاز الجنسي أحياناً، فيما يرتكبه مراهقون من الفئة العمرية نفسها في أحيان أخرى، والأخير أكثر انتشاراً، بحسب ما تؤكد أيضاً منظمة "أوضاع الأطفال". ويذهب الخبير في مجال العنف والاعتداءات الجنسية في المنظمة، كونو سورنسن، إلى اعتبار أنّ زيادة حالات الابتزاز "تمثل مشكلة اجتماعية جدية. فكلما بقي الأطفال أوقاتاً أطول على الإنترنت، اتسعت هذه الانتهاكات وزادت مخاطر الابتزاز الجنسي".
وبحسب ما تشير "أوضاع الأطفال" و"أنقذوا الأطفال" فإنّ الابتزاز قد يرتكبه أجانب، أي أشخاص يسكنون خارج الدنمارك، وذلك عن طريق المراسلات الإلكترونية العشوائية التي تهدد الضحايا بنشر مقاطع حميمية لهم، من دون أن يكون لها وجود في الأصل، ويبدأ الابتزاز للمراهقين والكبار عندها. ومعظم المتواصلين مع المنظمتين من فئة الأطفال والمراهقين يتعرضون لابتزاز حقيقي، يكون فيه بالفعل ثمة مواد معينة بحوزة المبتز خصوصاً إذا كان من داخل البلاد.
الشرطة الدنماركية، وفقاً لصحيفة "بيرلنغسكا" تتعامل "مع هذه الجرائم التي تحتوي ابتزازاً جنسياً بمنتهى الجدية، وتمثل القضية أولوية لها" بحسب ما تنقل عن مدير قسم الجرائم الجنسية السيبرانية (عبر الفضاء الإلكتروني)، فليمنغ كييرسيده، من "المركز الوطني للجرائم السيبرانية في الشرطة". ويؤكد كييرسيده أنّ هذه الجرائم يتأثر بها كثير من الصغار خصوصاً لجهة عمليات التهديد والابتزاز "وفي الوقت عينه يجب العمل على منع خضوع القصّر للبالغين بسبب رغبات منحرفة لدى الأخيرين".
تقارير يوروبول (منظمة الشرطة الأوروبية) حذرت في عام 2017 من تنامي الابتزاز الجنسي في مختلف أنحاء القارة، معتبرة أنّ "حالة انفجار نشهدها في توجه منحرفين ومتحرشين كبار إلى استغلال وابتزاز أطفال صغار قد تصل أعمارهم إلى السابعة". من جهته، يؤكد فرع منظمة "أنقذوا الأطفال" في كوبنهاغن أنّه تلقى عملياً اتصالات للإبلاغ عن مثل هذه الجرائم، من أطفال بعمر سبع سنوات "لكن تبقى أغلبية ضحايا الابتزاز من فئة المراهقين" بحسب فرع المنظمة.
عواقب خطيرة
وكانت "أنقذوا الأطفال" قد أجرت دراسة استقصائية في عام 2018 شملت 915 قاصراً تتراوح أعمارهم بين 13 عاماً و17، بعنوان "خبرة الناشئة مع الانتهاك الجنسي الرقمي"، وأشارت النتيجة إلى أنّ 5 في المائة من المستطلعين أجابوا بالايجاب عن تعرضهم لمثل ذلك الانتهاك خلال الـ12 شهراً السابقة للاستطلاع. وكانت صيغ الانتهاك على شكل ابتزاز وتهديد باستخدام صور إباحية لهم للضغط عليهم من أجل المزيد. تلك النسبة شكلت مفاجأة لدى المختص بعلم الجريمة في جامعة "كوبنهاغن" بيتر كرويز، الذي اعتبرها نتيجة عنيفة: "إذ هي تعبر عن أنّ 1 في كلّ صف مدرسة تعرض للابتزاز الجنسي".
ويتفق خبراء رفاهية وأوضاع الأطفال الاجتماعية والنفسية، على أنّ معضلة الابتزاز تزداد في الدنمارك "بالرغم من أنّ المتحرشين بالأطفال كانوا دائماً موجودين، فالابتزاز يحدث بشكل أكبر في بلدنا لعدة أسباب منها التقنيات الحديثة التي تجعل المتحرش قادراً على التخفي، ما يسهل تواصل شخص بيدوفيلي بشكل مجهول مع الضحايا" بحسب سانا ليند.
ويتفق مع هذا التوصيف المختص في قضايا العنف والاعتداءات الجنسية في الفرع الدنماركي لمنظمة "أنقذوا الأطفال" كونو سورنسن. يقول لـ"العربي الجديد": "سابقاً كان المتحرشون يستخدمون المصاصات (السوسيت) التي يولع بها الصغار لنصب شبكة لاصطيادهم للتحرش بهم. اليوم، بات الأمر أسهل من خلف الشاشات".
أما في ما يتعلق بالابتزاز الجنسي بين القاصرين أنفسهم، وليس من الكبار للصغار، فتردّه ليند إلى سهولة التكنولوجيا، فخلال ثوانٍ بات في الإمكان التقاط صورة عارية او شبه إباحية وإرسالها عبر الشبكة، فتطور وسائل التواصل الاجتماعي يمثل معضلة في هذا الاتجاه، ويحاول بعض القاصرين اختبار حدود غيرهم وردود أفعالهم من خلف الشاشات مستغلاً ذلك التطور".
لا يقتصر الضرر لدى ضحايا الابتزاز الجنسي على التكاليف المادية، فالمستشارة في طب النفس في "المركز التربوي الرقمي" ستينا هيلدنغ سورنسن، تعتبر أنّ "العواقب الاجتماعية ليست سهلة على هؤلاء الصغار، خشية معرفة المحيط بما يجري معهم، أو رؤية الصور التي عادة ما يلتقطها المراهق نفسه، وهو ما يؤدي إلى عواقب نفسية خطيرة ترتبط باعتداء المتحرش والمبتز، وهي تختلف بحسب عمر الضحية". تعتبر سورنسن أنّ "التجربة يمكن أن تكون غير سارة لطفل أو طفلة في العاشرة، ومن الأفضل أن يتجه هؤلاء إلى الأهل مباشرة للحديث إليهم بكلّ صراحة عما يجري لهم من ابتزاز، وهكذا يجري إشراك الشرطة في القضية. وبطبيعة الحال، سيكون شعوراً رائعاً لدى الطفل أنّ قصته أُخذت على محمل الجد وجرى الاهتمام بحالته، بالرغم من أنّها تجربة فظيعة".
من جهتها، تشير ليند إلى أنّ اثارة ما يتعرض له الأطفال على الإنترنت "مهمة مجتمع كامل للوقوف بوجه المبتزين، وتنفيذ خطوات فعالة لمواجهة الانتهاكات، بدلاً من ترك الأطفال لتجاربهم ما قد يخلق لديهم أزمة تغيب معها ثقتهم بالناس وبالمجتمع، فيشعرون باليأس ويتجهون إلى عواقب نفسية خطيرة مستقبلاً". ويتفق كونو سورنسن مع التقييم بالقول إنّه "لا ينبغي أبداً تحميل الأطفال مسؤولية الخداع الذي تعرضوا له عن طريق الابتزاز عبر الإنترنت، فهؤلاء يكفيهم من تجربتهم شعورهم المرير بالخجل وتحميل الذات مسؤولية ما حصل. ومن المهم لهم وللمجتمعات أن يجري نقاش صريح معهم وإشعارهم أنّ محيطهم العائلي والاجتماعي يدعمهم في مواجهة التصرفات الشاذة التي ارتكبها أشخاص غير أسوياء، بالإضافة إلى زيادة التوعية حول إمكانية التعرض لابتزاز جنسي".