13 يونيو 2021
إثيوبيا وسياسة صفر مشكلات
يبدو أن رئيس الوزراء الإثيوبي الإصلاحي، أبيي أحمد، يقتبس حاليا نظرية سياسة صفر مشكلات من وزير الخارجية التركي السابق، أحمد داود أوغلو، الذي ابتدعها في العام 2009، ومفادها ضرورة تهدئة الأوضاع مع الخارج، خصوصا دول الجوار، حتى لا ينعكس التوتر الخارجي على الأوضاع الداخلية، لا سيما مع وجود قوى مناوئة (الدولة العميقة) تتربص دائما بالحكومة، أو في ظل رغبة الحكومة في تحقيق رؤيةٍ اقتصاديةٍ، لا يمكن تحقيقها، في ظل بيئةٍ خارجيةٍ متوترة، لها انعكاساتها الداخلية، فضلا عن عدم جاذبيتها للاستثمارات الخارجية.
الحديث هنا عن الفكرة ومحاولة "أفرقتها" إن جاز التعبير، من خلال نموذج الشاب أبيي أحمد الذي ورث تركةً خارجية مثقلة، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع بعض دول الجوار، وفي مقدمتها إريتريا، إذ أدى عدم التسوية الفعلية للحرب بينهما منذ 18 عاما إلى تحول إثيوبيا إلى دولة حبيسة، بعدما كانت إريتريا وميناءاها، مصوع وعصب، بوابتها للعالم الخارجي استيرادا وتصديرا، ناهيك بعلاقة متوترة دائمة مع الصومال، لا سيما منذ بروز المحاكم الإسلامية 2006، وسعي أديس أبابا إلى إضعاف الحكومات الفيدرالية هناك، حتى لا تطالب بإقليم الصومال الغربي (أوغادين) الذي ضمته إليها بعد حرب 1977، ولم تقم الحكومات الإثيوبية المتعاقبة بتحسين أوضاع أبناء الإقليم الذي تطالب بعض فصائله بالعودة إلى الصومال الوطن الأم. لذا سعى أبيي أحمد إلى اتخاذ خطوات ربما غير مسبوقة في بعض الملفات الخارجية مع دول الجوار الست (السودان، جنوب السودان، كينيا، جيبوتي، إريتريا، الصومال).
أبرز هذ الملفات ما يتعلق بالخلاف الحدودي مع إريتريا، والذي قضت فيه محكمة التحكيم
الدولية الخاصة عام 2002 بتبعية منطقة بادمي المتنازع عليها لإريتريا، الأمر الذي رفضه رئيس الوزراء في حينه، ميلس زيناوي، بحكم انتمائه إلى أقلية التيغراي التي تقطن هذه المنطقة، ثم عاد الرجل، ووافق، من حيث المبدأ، على الفكرة، من دون الدخول في تفاصيل، على الرغم من قرار المحكمة، وفق اتفاقية الجزائر عام 2000 التي تنص على أن يكون قرار المحكمة بشأن ترسيم الحدود ملزما. وهو ما أصرت عليه أسمرة، وبالتالي تم تجميد العلاقات، بل وتبادل الاتهامات، لا سيما المتعلقة بإيواء أسمرة جبهة الأورومو المصنفة إرهابيا في أديس أبابا، وغيرها كثير. لذا هدف أحمد، من خطوته أخيرا، بموافقته التامة على تنفيذ الاتفاق، إلى عدة أمور، منها وقف نزيف الإنفاق على التسليح، وعملية التجنيد والحشود على الحدود، في وقت تتعاظم فيه المظاهرات منذ ثلاثة أعوام، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية ونهب النخبة الاقتصادية التي ينتمي معظمها إلى أقلية التيغراي البلاد. وأراد الرجل أيضا تهدئة الأوضاع الداخلية، بوقف دعم أسمرة الأورومو وغيرهم. وثالثا، عودة عمليات التصدير والاستيراد عبر الموانئ الإريترية، حتى تستوعب حركة التجارة المتوقعة زيادتها في إطار سعيه إلى تحويل بلاده دولة اقتصادية كبيرة في المنطقة. وربما يفسر هذا أيضا زيارته الصومال، أخيرا، وتأكيده ضرورة طي صفحة الماضي، وتوقيع عقود استثمار مشترك في أربعة موانئ صومالية، وهو ما يبدّد خطوة بلاده قبل مجيئه إلى الحكم بفترة وجيزة، بالاشتراك مع الإمارات، في توقيع عقود توسيع لميناء بربرة (في جمهورية أرض الصومال)، من دون موافقة الحكومة المركزية الصومالية التي اعترضت بشدة على الخطوة.
لم تتوقف سياسة أبيي عند تحسين العلاقات المتدهورة مع الجيران رغم أهميتها، وإنما شملت أيضا توطيد علاقات قائمة لا سيما مع كل من السودان وجيبوتي، حيث وقع اتفاقا يسمح لبلاده بالحصول على حصة في ميناء بور سودان الهام على البحر الأحمر، وكذلك الحصول على حصة في ميناء جيبوتي يتم استخدامها في تصدير النفط والغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه في منطقة الأوجادين، وتم البدء في إنتاجه قبل أيام.
إذاً، يهدف أبيي من هذه الخطوات وغيرها إلى إيجاد بيئة خارجية مستقرة، تساعده على المضي في خطواته الإصلاحية الداخلية، وفي حربه ضد الدولة العميقة المتمثلة في التيغراي، أصحاب النفوذ في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. ويعتقد الرجل أن المواجهة لن تكون سهلة، بل ربما يستقوي هؤلاء بالخارج من أجل إطاحته. ومن هنا، هو يعمل ليس فقط لتحييد الخارج، وإنما للحصول على دعمه وجذب استثماراته، لا سيما في ظل إدراكه أن المشكلات السابقة في البلاد ترجع، في أحد جوانبها، إلى مشكلة التوزيع العادل للعوائد الاقتصادية التي كانت تذهب غالبيتها للتيغراي، في مقابل حرمان الغالبية الساحقة منها، وفي مقدمتها الأورومو التي يتحدر منها.
هل سينجح الرجل في هذه المواجهة التي يبدو أن خصومه ضاقوا بها، وحاولوا التخلص منه في أول ظهور جماهيري له وسط مؤيديه، أم أنهم سيعاودون الكرة، ولن يستريحوا حتى يطيحوه قبل 2020 حيث الاستحقاق الانتخابي المقبل؟
الحديث هنا عن الفكرة ومحاولة "أفرقتها" إن جاز التعبير، من خلال نموذج الشاب أبيي أحمد الذي ورث تركةً خارجية مثقلة، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع بعض دول الجوار، وفي مقدمتها إريتريا، إذ أدى عدم التسوية الفعلية للحرب بينهما منذ 18 عاما إلى تحول إثيوبيا إلى دولة حبيسة، بعدما كانت إريتريا وميناءاها، مصوع وعصب، بوابتها للعالم الخارجي استيرادا وتصديرا، ناهيك بعلاقة متوترة دائمة مع الصومال، لا سيما منذ بروز المحاكم الإسلامية 2006، وسعي أديس أبابا إلى إضعاف الحكومات الفيدرالية هناك، حتى لا تطالب بإقليم الصومال الغربي (أوغادين) الذي ضمته إليها بعد حرب 1977، ولم تقم الحكومات الإثيوبية المتعاقبة بتحسين أوضاع أبناء الإقليم الذي تطالب بعض فصائله بالعودة إلى الصومال الوطن الأم. لذا سعى أبيي أحمد إلى اتخاذ خطوات ربما غير مسبوقة في بعض الملفات الخارجية مع دول الجوار الست (السودان، جنوب السودان، كينيا، جيبوتي، إريتريا، الصومال).
أبرز هذ الملفات ما يتعلق بالخلاف الحدودي مع إريتريا، والذي قضت فيه محكمة التحكيم
لم تتوقف سياسة أبيي عند تحسين العلاقات المتدهورة مع الجيران رغم أهميتها، وإنما شملت أيضا توطيد علاقات قائمة لا سيما مع كل من السودان وجيبوتي، حيث وقع اتفاقا يسمح لبلاده بالحصول على حصة في ميناء بور سودان الهام على البحر الأحمر، وكذلك الحصول على حصة في ميناء جيبوتي يتم استخدامها في تصدير النفط والغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه في منطقة الأوجادين، وتم البدء في إنتاجه قبل أيام.
إذاً، يهدف أبيي من هذه الخطوات وغيرها إلى إيجاد بيئة خارجية مستقرة، تساعده على المضي في خطواته الإصلاحية الداخلية، وفي حربه ضد الدولة العميقة المتمثلة في التيغراي، أصحاب النفوذ في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. ويعتقد الرجل أن المواجهة لن تكون سهلة، بل ربما يستقوي هؤلاء بالخارج من أجل إطاحته. ومن هنا، هو يعمل ليس فقط لتحييد الخارج، وإنما للحصول على دعمه وجذب استثماراته، لا سيما في ظل إدراكه أن المشكلات السابقة في البلاد ترجع، في أحد جوانبها، إلى مشكلة التوزيع العادل للعوائد الاقتصادية التي كانت تذهب غالبيتها للتيغراي، في مقابل حرمان الغالبية الساحقة منها، وفي مقدمتها الأورومو التي يتحدر منها.
هل سينجح الرجل في هذه المواجهة التي يبدو أن خصومه ضاقوا بها، وحاولوا التخلص منه في أول ظهور جماهيري له وسط مؤيديه، أم أنهم سيعاودون الكرة، ولن يستريحوا حتى يطيحوه قبل 2020 حيث الاستحقاق الانتخابي المقبل؟