تعرّضت مدينة إسطنبول التركية خلال الشهرين الأخيرين إلى أمطار صيفية تُعدّ من الأكثر غزارة، الأمر الذي أدّى إلى سيول وفيضانات وخسائر مادية في المدينة من دون وقوع أيّ إصابات أو وفيات. وخلفت المتساقطات الكثيفة نقاشات بين من يعدّها جزءاً من التغيّر المناخي العالمي وبين من يضعها في إطار الأحوال المناخية الطبيعية في المدينة.
وخلال تسعة أيام، ضربت المدينة عاصفتان متتاليتان تميّزتا بأمطار غزيرة جداً خلال وقت قصير للغاية، وقد جاءتا مصحوبتَين برياح شديدة ومتساقطات من البَرَد، وذلك في إطار موجات الأمطار الصيفية التي تؤثّر عادة على منطقة بحر مرمرة. وقد أدّى ذلك إلى اقتلاع 288 شجرة من بينها شجرة يتجاوز عمرها 180 عاماً، بالإضافة إلى غرق منازل ومحلات في بعض أرجاء المدينة. وقد أغلقت كذلك محطات المترو في حين تحوّلت محطات ترام عدّة إلى بحيرات مائية، وفي حين أغلقت الأنفاق أمام السيارات تأثرت الحركة الملاحية البحرية عبر مضيق البوسفور وكذلك تلك الجوية في مطارات إسطنبول. إلى كلّ ذلك، تكسّر زجاج السيارات بحبّات البرد الكبيرة المتساقطة، في حين اقتلع 88 سقف منزل، ليقدّر بعض الخبراء الخسائر المادية للمواطينن الأتراك بنحو 500 مليون ليرة تركية (نحو 142 مليون دولار).
في السياق، سقطت رافعة في ميناء حيدر باشا في الجانب الآسيوي من إسطنبول على إحدى الحاويات المليئة بالمواد الكيميائية القابلة للاشتعال، الأمر الذي أدّى إلى وقوع انفجار وحريق في المكان.
وبينما وصلت المتساقطات المطرية في العاصفة الأولى إلى 65 كيلوغراماً من الأمطار للمتر المربع الواحد في بعض الأماكن متصاحَبة برياح وصلت سرعتها إلى ثمانين كيلومتراً في الساعة، وصلت المتساقطات المطرية خلال 20 - 25 دقيقة في العاصفة الأخيرة إلى 39 كيلوغراماً من الأمطار للمتر المربع الواحد في منطقة جاووش باشا في مدينة إسطنبول.
قد يربط البعض الأحوال الجوية في إسطنبول أخيراً بالتغيّرات المناخية العالمية، في حين يرى بعض آخر أنّ الأمر مرتبط بالتوسّع المعماري الكبير الذي شهدته المدينة على حساب المساحات الخضراء. لكنّ خبراء آخرين يقولون باستحالة ربط هذه العواصف بأيّ من الأمرَين بصورة حاسمة.
في السياق، يحذّر رئيس غرفة مهندسي الأرصاد الجوية التابعة لاتحاد غرف المعماريين والمهندسين الأتراك، أحمد كوسة، من "احتمال تزايد العواصف الأخيرة"، رابطاً الأمر بقطرات المطر الكبيرة جداً الناتجة عن الارتفاع الكبير في درجات الحرارة بسبب الأبنية الإسمنتية والتوسّع في بناء طرقات الأسفلت. ويقول إنّ "موجة أمطار الأسبوع الماضي مختلفة عن سابقاتها قبل 10 أيام التي كانت أمطاراً حرارية. والموجة الأخيرة كانت أمطاراً ذات قطرات كبيرة تتشكّل عادة على ارتفاع يتراوح ما بين ثمانية وعشرة كيلومترات في الجوّ. وفي الأيام الأخيرة، سُجّل ضباب في منطقة مرمرة مع انخفاض الحرارة في المساء بصورة مفاجئة إلى نحو 14 درجة مئوية، ليؤدي ذلك إلى تعزيز العاصفة".
ويتابع كوسة: "على الرغم من أنّنا لا نعاني من أبرز تعبيرات التغيّر المناخي ممثلة في قلة هطول الأمطار، فإنّ زيادة المتساقطات قد تُعَدّ كذلك من أعراض التغيّر المناخي. والتغيّرات الأخيرة ترتبط بالتوسّع العمراني في المدينة، إذ وصلت الحرارة في الظل إلى 33 درجة مئوية، أمّا على الأسفلت والإسمنت فتصل إلى 60 درجة مئوية، وهو ما يؤدي إلى ظهور الأمطار ذات القطرات الكبيرة جداً".
من جهته، يقول مدير حملات "غرين بيس" في منطقة البحر الأبيض المتوسط، أووغور غوربوز، إنّه "من الصعب القول إنّ ثمّة تغيّرات مناخية بناءً على هطول مطريّ واحد. ما يجب التركيز عليه اليوم هو وضع خطط لمواجهة هذه الأنواع من العواصف"، لافتاً إلى أنّه "على الرغم من أنّ شهر يوليو/ تموز من المفترض أن يكون واحداً من الأشهر الجافة، إلا أنّه في السنوات الأخيرة بدا وكأنّه شهر السيول والعواصف". يضيف أنّه "بعد التعامل مع هذه النقطة، يجب علينا العمل على وضع استراتيجية لوقف التغيّرات المناخية، من قبيل تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والتوجّه نحو مصادر الطاقة المتجددة بصورة أكبر. وعلينا التوجّه إلى إعادة النظر في كل خطط التوسّع المعماري في المدن والبنية التحيتة لمواجهة هذه الأخطار في المستقبل. ويمكننا الحديث عن الخطط الهولندية كنموذج، والبدء في العمل على إنشاء سدود لمواجهة ارتفاع منسوب مياه البحر".
إلى ذلك، يؤكد مدير مديرية الأرصاد الجوية في مدينة إسطنبول، أحمد أوجار، أنّ "الأمطار التي هطلت يوم الأربعاء الماضي كانت أمراً متوقعاً. وقمنا بتوجيه تحذيرات في صباح الأربعاء بعد الأجواء الغائمة التي شهدناها في المدينة، إلى مؤسسات الدولة والمواطنين. وقد توقّعنا أن تأتي المتساقطات المطرية بهذه القوة والكمية، خصوصاً بعد الارتفاع الكبير في درجات الحرارة خلال الأيام السابقة، لتأتي الرياح وتزيد الطينة بلة". يضيف: "في طبيعة الحال، لا يمكن لأحد أن ينكر التغيّرات المناخية العالمية. لكن ربط الأمطار بهذه التغيّرات وحدها أمر غير صائب، إذ لطالما سُجّلت هذه المتساقطات خلال مواسم مختلفة منذ مئات السنوات".