"مكرَهة أنا على الكتابة بالفرنسية. إنها تحدٍ. تحد تخوضه امرأة أميّة"، بهذه الكلمات تختم الكاتبة المجرية أغوتا كريستوف (1935 ـ 2011) كتابها "الأمّية" الذي صدر حديثاً عن "منشورات الجمل" بترجمة محمد آيت حنّا، وهو عبارة عن نصوص تسرد الكاتبة فيها سيرة حياتها وعلاقتها مع الكتابة واللغة.
ولدت كريستوف في قرية مجرية صغيرة لم يكن فيها سوى معلّم واحد هو والدها، الذي كان يضطر إلى جمع تلاميذ الفصول المختلفة في قاعة واحدة. ولمعاقبتها، كانت والدتها ترسلها إلى أبيها، الذي كان يعطيها كتاباً مصوراً لمطالعته في زاوية القاعة. هكذا تعلمت أغوتا القراءة وأدمنتها.
لكن الحرب العالمية الثانية ستجتاح بلدها وتدمره، قبل أن يقع لسنوات تحت وطأة الاحتلال السوفييتي والأيديولوجيا الشمولية التي، عوضاً عن تحقيق العدالة الاجتماعية، حوّلت الجميع إلى فقراء، "لا بل إن بعضهم كان أفقر من الفقر"، بحسب تعبير الكاتبة، باستثناء بعض ذوي الحظوة.
ومع رمي والدها في السجن تتشتت عائلتها، فتلتحق وهي في الرابعة عشرة من عمرها بإحدى المدارس الداخلية. وفي تلك الفترة الصعبة تأتيها الرغبة في الكتابة كوسيلة وحيدة لتحمّل ألم الفراق من والديها.
في أحد نصوص كتابها، تصف صاحبة رواية "أمس" كيف فُرض على تلاميذ المدرسة الحزن يوم وفاة ستالين عام 1953؛ إذ كان عليهم أن يظهروا حزنهم كتابةً في نص إنشائي يعبّرون فيه عن صدمتهم بموت "أب الشعوب"، كما كان عليهم أن يقفوا دقيقة صمت عند سماعهم جرس المدرسة في الحادية عشرة؛ وهذا ما فعلوه عندما سمعوا صوت الجرس قبل الموعد المحدد، قبل أن يتبيّن لهم أنه جرس جمع القمامة، فينفجرون بالضحك.
في سن الواحدة والعشرين، تعبر كريستوف برفقة زوجها وطفلتها الحدودَ بين المجر والنمسا، هرباً من القمع الشيوعي، ومن النمسا إلى سويسرا حيث تستقر العائلة في مدينة نيوشاتل وتجد الكاتبة وظيفة في معمل ساعات. وهناك، تختبر حياةً رتيبة لا تلطّفها سوى كتابتها لبعض القصائد في المعمل.
ولأنها لم تكن تجيد القراءة والكتابة بالفرنسية، تضطر صاحبة ثلاثية "الدفتر الكبير" و"البرهان" و"الكذبة الثالثة" إلى متابعة دروس في هذه اللغة. وبعد سنوات طويلة من التعامل مع المعاجم والناس، تتمكّن من الفرنسية وتبدأ بكتابة مسرحيات تعرضها فِرَق الهواة في المقاهي يومَي الجمعة والسبت، قبل أن تدخل هذه الأعمال إلى الإذاعات وتُمثَّل بشكل محترف.
لكن يجب انتظار منتصف الثمانينيات كي تعرف أغوتا كريستوف شهرة عالمية، إثر موافقة "دار سُوي" الباريسية على نشر روايتها "الدفتر الكبير"؛ رواية ستُترجم إلى ما يقارب أربعين لغة.