أركان السيسي يبحثون تحصينه دستورياً...وخلافات أجنحة النظام إلى تفاقُم

25 ديسمبر 2015
السيسي أثناء اقتراعه برلمانياً (الأناضول)
+ الخط -
منذ تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن "حسن نية" من كتبوا الدستور المصري في يناير/كانون الثاني 2014، لم يصمت في القاهرة هدير الأصوات الموالية للنظام، التي تروّج لوجوب إدخال تعديل دستوري، يضمن لرئيس الجمهورية مزيداً من الصلاحيات، ويزيل من أمامه عقبات، تتعلق في حقيقتها بحسن ممارسة مجلس النواب المنتخب لسلطاته واختصاصاته الرقابية، وبوقوفه نداً للسلطة التنفيذية، بل محاسباً لها على سياساتها وأدائها.

تجسدت هذه المطالبات في التصريحات المتكررة للنائب سامح سيف اليزل، الزعيم الحالي للأكثرية النيابية المفترضة، المنضوية في ائتلاف "دعم مصر"، عن ضرورة تعديل المادة 140 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية لأربع سنوات فقط، غير قابلة للتجديد إلاّ لمدة واحدة فقط.

ويروّج سيف اليزل ومساعدوه وأذرع النظام الإعلامية، أن هذه المدة لا تكفي السيسي، فهو يريد المزيد من الوقت لإنجاز مشروعاته وتعهداته، لكن الحقيقة أن السيسي انتخب رئيساً للجمهورية من دون أي برنامج أو وعود يرتبط تنفيذها بمدى زمني معين. لذلك فإن الترويج المبكر لاستمراره لأكثر من 4 سنوات، هو استباق لما قد يحدث بعد انتهاء هذه المدة من أزمات سياسية، نتيجة فشل السيسي فيما وعد به المصريين من تحسّن في الأوضاع السياسية والاقتصادية، وعدم الارتداد إلى ما قبل ثورة يناير 2011.

ويبدو أن الدوائر الأمنية تريد العودة إلى عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك، بكامل ملامحه، بما في ذلك استمراء بقاء الرئيس في منصبه حتى مماته. مع العلم أن هذا الأمر كان أحد الأسباب المباشرة لاندلاع الثورة في وجه مبارك، ولكنه قبل ذلك كان سبباً أساسياً لاكتساب الدوائر الأمنية قوتها وترسيخ سطوة نفوذها.

لا يبدو أن تداول السلطة في صالح هذه الدوائر، في ظلّ وضعها مرة أخرى أمام سؤال: من يخلف السيسي؟ الذي قد يؤدي لصراعات بين دوائر النفوذ داخل الجيش أو الشرطة أو الاستخبارات. بالتالي، يكرّر ما حدث في كواليس السلطة خلال أيام الثورة ضد مبارك، من تقاطع شديد في مواقف دوائرها، بفعل وجود فريق راغب في إزاحة مبارك، وفريق آخر راغب في تصعيد نائبه عمر سليمان، وفريق ثالث راغب في القضاء على المتظاهرين والمضي قدماً في خطة توريث الرئاسة لجمال مبارك. وفي النهاية انتصرت رغبة الجيش في التخلص من مبارك وسليمان وجمال، والدخول في فترة انتقالية يديرها الجيش بنفسه.

اقرأ أيضاً: فتنة "ائتلاف الدولة" تضرب الأحزاب المصرية

السيسي، الذي كان في هذه الأثناء مديراً للاستخبارات الحربية، ربما يعرف أكثر من أي شخص آخر الطبيعة الوحشية لدوائر النفوذ في السلطة المصرية، إذا ارتبط الأمر برغبة إحداها في تصعيد شخص معين للرئاسة، بدلاً منه، أو بعد انقضاء فترتي رئاسته المقدرة بثماني سنوات كحد أقصى. ويعكس طرح المقرّبين منه مسألة تعديل الدستور مدى انشغاله إلى حد كبير بهذه المعضلة.

ويشير هذا الانشغال إلى نقطة أخرى، هي التخوّف من المحاسبة، فالمستقبل الذي يطرح صراعاً بين دوائر النفوذ، أو ربما ثورة جديدة ضد النظام المرتد إلى عهد مبارك، يفتح الباب أمام محاكمة محتملة للسيسي داخل أو خارج مصر، عن مسؤوليته عن الدماء التي أريقت في عهده رئيساً أو وزيراً للدفاع. وربما يكمن هذا السبب أيضاً وراء عدم تحمس النظام لأي مشروع لتنظيم العدالة الانتقالية في الوقت الحالي.

وإذا كانت دائرة السيسي تسعى بجد لبقائه في منصبه فترة أطول، بغرض "حمايته"، فإنه ليس أمامها إلا التحجّج بـ"رغبته في استكمال مشروعاته"، وليس أمامها أيضاً إلا محاولة تعديل فترة الرئاسة. ذلك لأن المادة 226 من الدستور سنّت حكماً يحظر تكرار انتخاب الرئيس لأكثر من مرة واحدة، وبالتالي أصبح من المستحيل دستورياً تكرار ما فعله الرئيس الراحل أنور السادات، عندما أدخل تعديلاً دستورياً في استفتاء صوري يسمح بانتخابه ولايات أخرى، بدلاً من "مدة ثانية لمرة واحدة" كانت ستنتهي عام 1982. لكن اغتيال الرئيس المصري، منعه من الاستفادة من هذا النص، عكس خَلَفَه مبارك الذي استفاد منه لحوالي 30 عاماً.

ووفقاً لمصادر سياسية عليمة، فإن مدة فترة الرئاسة تشغل بال دائرة السيسي أكثر منه شخصياً، أما هو فمهتم بمواد أخرى في الدستور، يؤدي التلاعب فيها إلى تغيير شكل النظام السياسي الذي رسمته لجنة الخمسين، التي كانت تضم عدداً كبيراً من أفراد ما كان يسمى "الجناح الديمقراطي"، عقب عزل الرئيس محمد مرسي، وهم أكاديميون وسياسيون يساريون وناصريون.

وقد اعتاد السيسي على التحرّر من أي رقابة خلال 18 شهراً بالرئاسة، فأصدر قوانين عدة، سواء بزيادة الضرائب أو تغيير نظام التوظيف بالحكومة. وأبرم عقوداً بالأمر المباشر، لم يعرف المواطنون عنها شيئاً. كما أصدر نظامه قراراً بحظر النشر عن المفاعل النووي بالضبعة، ورفع مستوى التواجد العسكري بمرافق الدولة ونسبة العسكريين في الوزارات الخدمية.

وإذا قرّر مجلس النواب، المشكّل في معظمه من نواب لم يسبق لهم ممارسة السياسة، ممارسة سلطاته الدستورية، فسيتصادمون مراراً وتكراراً مع السيسي، إلى الحدّ الذي قد يؤدي إلى حل البرلمان، أو تكرار استقالة الحكومة، لا سيما إذا فشلت الدوائر الأمنية في الاعتصام بالأكثرية النيابية (غير المتجانسة) المشكلة من بعض أحزاب النظام والمستقلين، في مواجهة الحزب صاحب العدد الأكبر من النواب داخل البرلمان، وهو "المصريين الأحرار"، الذي يتحيّن أي خلاف لتصبح له الكلمة الأولى.

ويعرف السيسي جيداً أن بعض الأحزاب المملوكة لرجال الأعمال، وعلى رأسها "المصريين الأحرار" بقيادة نجيب ساويرس، لا يتفق معه في الرؤى الاقتصادية تحديداً، فهناك بعض المناطق التي تتعاون فيها الحكومة مع ساويرس وأشقائه (مجموعة أوراسكوم القابضة)، لكن ساويرس لا يكترث لانتقاد السياسات الاقتصادية للسيسي، ويملك برنامجه الرأسمالي الخاص الذي يتناقض مع مشروعات الجباية التي يطبقها السيسي على رجال الأعمال، وينادي دائماً بالشفافية المالية التي يبغضها السيسي بطبيعته العسكرية.

ومن المتوقع أن يؤدي حزب ساويرس دور المعارض الشرس لمشروعات القوانين الاقتصادية، لكن الواقع ينبئ بمشهد مختلف، فهذه المعارضة لن تبلغ حد استطاعة تغيير الواقع، لأن الأكثرية (غير المتجانسة) مؤيدة للسيسي بصورة مطلقة، بل إنها لا تتوحد إلا على دعم السيسي. بالتالي سيبحث ساويرس من خلال نوابه عن طرق أخرى لفرض رؤيته الاقتصادية، كاقتراح مشروعات مغايرة أو التفاوض لإدخال تعديلات على القوانين التي صدرت قبل انعقاد البرلمان، وهذا كله يدخل في إطار الحد الأدنى لسلطات البرلمان المنتخب.

غير أنه على صعيد التعامل مع الحكومة، تؤرق السيسي ووزراءه مادتان دستوريتان، قد تجد فيهما المعارضة البرلمانية سبيلاً لتعطيل النظام أو الدخول معه في عمليات مقايضة سياسية، لتحقيق مكاسب أو فرض رؤى، وهذا ما يمقته السيسي.

اقرأ أيضاً: القضاء المصري بعد الجيش... عصا النظام لـ"تأديب" معارضيه 

المادة الأولى هي المادة 131، التي تتيح للبرلمان سحب الثقة من رئيس الوزراء أو أحد الوزراء، باقتراح من 10 نواب فقط، وبموافقة أغلبية النصف زائد واحد للمجلس. أما المادة الثانية الأخطر، فهي 147، التي تشترط موافقة المجلس لتنفيذ قرار الرئيس بإعفاء الحكومة، وكذلك اشتراط موافقة مجلس النواب على الحكومة الجديدة بأغلبية الثلثين لعدد الحاضرين في جلسة العرض.

وتُمثّل هاتان المادتان عقبة ملحوظة في سبيل إعادة الجمهورية الرئاسية التي سيطرت أيام مبارك، ويحلم بها السيسي، فالكلمة العليا في بقاء أو رحيل الحكومة هي للبرلمان. وهنا يكمن سر الاستعدادات المبكرة جداً، لتشكيل الأكثرية النيابية منذ ما قبل انتهاء الانتخابات رسمياً، خشية الإطاحة بحكومة شريف إسماعيل، التي لا يتعدّى عمرها الـ4 أشهر، أو الإطاحة بأحد الوزراء المقرّبين من السيسي.

ومن الخلافات غير المنظورة بين دوائر السلطة، أن نائباً يعبّر عن بعض هذه الدوائر، كالإعلامي توفيق عكاشة، قد بدأ حملة لسحب الثقة من وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، المتحدر من جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، بحجة "تغييراته الكارثية في تشكيل الجهاز"، على خلفية قراره بإقالة رئيس الجهاز واثنين من نوابه، وتصعيد أحد النواب، ليُصبح رئيس الجهاز ومساعده لقطاع الأمن الوطني.

وعكاشة، قطعاً، ليس النائب الوحيد الذي يريد سحب الثقة من وزير الداخلية لأسباب شتى، تتنوع بحسب خلفيات النواب، فقد يراه البعض غير حاسم وعهده اتّسم بتعدد الأعمال الإرهابية والاغتيالات، وقد يرى البعض الآخر أنه مفرط في القوة وشهد عهده عودة حالات التعذيب إلى الأقسام والسجون.

وتكون محصلة مشهد كهذا في ظل تفعيل مواد الدستور؛ الإطاحة بوزير اختاره السيسي لأنه مقرّب من مستشاره الشخصي للشؤون الأمنية أحمد جمال الدين، حتى إنه ينفّذ سياسات جمال الدين في الوزارة حرفياً، مما يعتبره النظام غير مرغوب فيه.

كما يتضمّن الدستور المادة 152، التي تشترط موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب لتنفيذ قرار رئيس الجمهورية، بإرسال القوات المسلحة إلى الخارج. وهو ما كان يحدث خلال الفترة الماضية، بمجرد موافقة مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، أما الآن فقد أصبح لزاماً على السيسي إعلان وجهة القوات التي تخرج لأداء عمليات في ليبيا أو اليمن، أو حتى للمشاركة في قوات تحالف لحفظ السلام، وهي معلومات لم يكن النظام يفرج عنها أبداً. وستضطر المواد السابقة السيسي إلى اللجوء للبرلمان مرات عدة، وهي المواد التي ستعرقله عملياً، ويركّز عليها مساعدوه، متحدثين عن ضرورة تعديل الدستور.

وعلى الرغم من أن الدستور يتيح لرئيس الجمهورية التقدّم بطلب لتعديل الدستور هو أو خُمس أعضاء البرلمان، إلاّ أن المصادر السياسية نفسها تؤكد أن "السيسي لن يقحم نفسه علناً في هذه المنطقة إطلاقاً، فهو يعلم أن تعديل الدستور أمر غير محبب للعامة، وسيفُضّ عنه فئة من المثقفين والسياسيين الذين ما زالوا متعلقين به ويراهنون عليه".

وتضيف المصادر أن "حرص الدوائر الأمنية على علاج المشاكل البينية، وإعادة اللحمة كما حدث في الساعات الأخيرة بعودة حزب مستقبل وطن إلى ائتلاف دعم مصر، هو دليل قاطع على رغبة السيسي في التعامل مع أكثرية واضحة، حتى وإن كانت غير متجانسة، حتى يسهل إدخال أي تعديل دستوري، وتمرير مشروعات القوانين، ووأد أي مشروع لعرقلته، أو سحب الثقة من الحكومة أو الوزراء بغير رغبته".

وفي السياق، علمت "العربي الجديد"، أن "عدداً من نواب ائتلاف دعم مصر يحضّرون قائمة بالمواد الدستورية التي يرغبون في تعديلها، وهي لا تقتصر على المواد المذكورة سلفاً، بل تشمل أيضاً نص الفقرة الأخيرة من المادة 140، الذي يحظر على الرئيس شغل أي منصب حزبي خلال فترة رئاسته".

ويريد هؤلاء النواب التقدم بمشروع لتحويل الائتلاف إلى حزب واقعي خارج البرلمان، ناتج عن توحيد عدد من الأحزاب الصغرى، ويؤدي دور الظهير السياسي للسيسي. كما يدعونه للتواجد على رأسه أو بين قياداته. وهو مشروع مشابه لما كان يسعى إليه رئيس لجنة الخمسين عمرو موسى، غير أن الصراعات بين دوائر النفوذ والأمن أدت إلى انهياره خلال فترة الإعداد الأولى للانتخابات نهاية العام الماضي.

في الجهة المقابلة، تبدو وثيقة تفعيل الدستور التي سيدشنها عدد من الأكاديميين والنواب السابقين وأعضاء لجنة الخمسين، لإعلان رفض أي مساس بالدستور، والمطالبة بتطبيق أحكامه، مجرد ظاهرة صوتية في وسائل الإعلام لن تستطيع التصدي لمحاولات تعديل الدستور، حيث انضم إلى المبادرة عدد محدود من أعضاء ما كان يسمى "الجناح الديمقراطي لـ30 يونيو"، الذين انتهى دورهم السياسي كجورج إسحق وعمرو الشوبكي وأحمد البرعي ووحيد عبدالمجيد، ولم ينضم أي من النواب الحاليين.

اقرأ أيضاً: مصر: صباحي يواجه السيسي بمشروع جبهة معارضة "للإنقاذ"