ويفرض "داعش"، الذي يسيطر على الموصل منذ صيف 2014، شروطاً قاسية على سكان المدينة الواقعة على بعد 450 كيلومتراً شمال العاصمة بغداد. وبالإضافة إلى عقوبات السجن والغرامات المالية والجلد، تنفّذ الإعدامات على مواطنين في قضايا تعتبر بسيطة، بحسب قولهم. يأتي ذلك، في الوقت الذي تحشد فيه الحكومة العراقية قواتها بالتعاون مع عناصر "البشمركة" الكردية، وبدعم من قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، لإعلان بدء معركة استعادة الموصل.
وتمكّنت "العربي الجديد" من الحصول على معلومات عبر الاتصال بأحد سكان الموصل، والذي أكّد أنّ أهالي المدينة ينتظرون انطلاق "معركة الموصل للثأر من عناصر داعش". ويقول المصدر ذاته إنّ "هناك حراكاً تثقيفياً بدأ منذ أكثر من ستة أشهر، تبنّاه عدد من الشباب، يهدف إلى زرع روح الانتقام بين أبناء المدينة من قادة داعش وعناصره"، لافتاً إلى أن العمل على ذلك "كان سرياً للغاية خوفاً من بطش عناصر التنظيم". ويبيّن المصدر ذاته أنّ "شباب مدينة القدس المحتلة يلهموننا بالكثير من أفكار المقاومة"، في إشارة إلى عمليات الطعن التي ينفذها الشباب ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من سرية الأمر، بحسب هذا المصدر، وصلت معلومات إلى قيادة التنظيم حول الحراك، وقام بناءً على ذلك بإعدام بعض الشباب الذين جاهروا بموقفهم من التنظيم، مشيراً إلى أنّ الأخير، وفي إطار تخويف السكان ومنعهم من أية حركة مناهضة له، "أصدر تهديدات وتوعّد من يخالف أوامره بمصير مثل هؤلاء الشباب الذين أُعدموا".
على صعيد متصل، يؤكد مواطنون على اتصال بذويهم في الموصل، أنّ حال السكان هناك "بات يرعب قادة التنظيم". ويوضح الشاب، يوسف الناصر، لـ"العربي الجديد"، أنّ أبناء أقربائه "كوّنوا خلية سرية ستباشر عملها الميداني حال انطلاق عمليات تحرير المدينة". ويقول الناصر إنّ "الكثير من أبناء المدينة الموجودين داخلها هم من الضباط وأصحاب خبرات في القتال، وقد وضعوا خططاً لتنفيذ هجمات تعيق مقاتلي داعش وتسهّل تحرير الموصل".
اقرأ أيضاً: فضائح إقفال قضية "سقوط الموصل": تهريب المتّهَمين وقتل الشاهد
بدوره، يقول منذر عبدالرحيم الذي نجح في الهرب من الموصل قبل نحو عام، إنّ مدينته تعيش كارثة إنسانية، وهو ما زاد من سعيهم إلى التخلص من التنظيم. ويشير عبدالرحيم، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه يعمل بشكل متواصل للحصول على معلومات عن المدينة من بعض أقاربه وأصدقائه، كلما سنحت الفرصة لهم بالاتصال، "وهم يؤكدون أن الوضع المعيشي والصحي يزداد سوءاً يوماً بعد آخر. وبعضهم يتحدث عن قرب تنفيذ عمليات مشابهة لما يحدث في القدس من طعن ينفذها الشباب ضد المحتلين الصهاينة"، على حدّ قوله.
من جهة أخرى، تشهد الموصل نقصاً في المعدات الطبية والأدوية وانعدام بعضها بسبب الضربات الجوية، التي ينفذها طيران التحالف الدولي. يضاف إلى ذلك، الحصار الذي تفرضه القوات العراقية و"البشمركة" الكردية على المدينة وقطع طرق التهريب، وتلك الواصلة بين الموصل والمدن الأخرى، والتي كانت منفذاً لتبادل البضائع، مما منع وصول المواد الطبية للمدينة. كما انقطعت وسائل الاتصال مع المحيط الخارجي للمدينة بعد توقف جميع الشبكات، لكن بعضهم ينجح في الحصول على شبكات اتصال وإنترنت في أماكن معيّنة عند أطراف المدينة، ليتواصلوا مع من هم خارج أسوار الموصل.
ويؤكد عبدالرحيم أنّ "العائلات لم تعد تحتمل رؤية أطفالها يعانون من المرض، إذ إنّ الأمراض البسيطة لم يعد بالإمكان السيطرة عليها بسهولة، خصوصاً في الشتاء، بسبب برودة الطقس وعدم توفّر المال لدى الأهالي لشراء وقود للمدافئ بسبب ارتفاع سعره، مما يجعل تلك الأمراض تتطور وتصبح رئوية". أسباب كثيرة، بحسب عبدالرحيم، تدعو أهالي الموصل إلى "الوقوف بوجه داعش وانتظار الخلاص لتحرير مدينتهم". و"يعاني الجميع شظف العيش. معظم الأعمال توقفت، وداعش لا يمكنه توفير فرص عمل، وهذا ما لا يستطيع الناس تحمله وقتاً أطول".
وتستعد القوات العراقية، و"البشمركة" الكردية، وعشائر الموصل لمعركة استعادة مدينة الموصل. وبحسب المتحدث باسم القوات المشتركة، اللواء يحيى رسول، فإن لدى القوات خططاً لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة "داعش". يأتي ذلك، بعد وصول تعزيزات عسكرية من الجيش العراقي إلى قاعدة مخمور، حيث تتمركز القوات الكردية. وتقضي خطة استعادة المدينة مشاركة كبيرة من حيث العدد لقوات الجيش العراقي وانطلاق الهجوم من محاور عدّة، لكن بغداد لم تعلن حتى الآن موعداً لانطلاق المعركة.
اقرأ أيضاً: الخطة الأميركية لتحرير الموصل: 3 مراحل جوية وبرية