أبو علي الصفدي يتذكّر فلسطينه

26 فبراير 2015
لا يريد أن يدفن غريباً كما عاش (العربي الجديد)
+ الخط -

أبو علي الصفدي، هكذا يلقب هذا الثمانيني الذي خرج مرغماً من فلسطين قبل نحو ثمانية عقود، مخلفاً وراءه أرضه ووطنه. لتسعة أعوام فقط، عاش أبو علي في مسقط رأسه صفد (شمال القدس) قبل أن يهجّره الاحتلال الصهيوني ويجعله لاجئاً في مخيّم الرشيديّة للاجئين الفلسطينيّين في جنوب لبنان، على مقربة من أرضه.

يتذكّر أبو علي تلك الحقبة قائلاً: "لن أتحدث عما قامت به جماعات الهاغانا وغيرها، لكنني سأتكلم عن اللحظات التي أجبرنا فيها على الرحيل وترك أرضنا، لنُهان في خارجها. ففي فلسطين كنا أصحاب عزّ ومال وأراض وبيوت". ويروي: "تركنا بلدتنا وقد وضعنا ما استطعنا حمله من أمتعة على ظهر حمار. حملنا بعض الملابس وحاجيات ضروريّة وأخرى غير ضروريّة. المهمّ كان أن نحمل ما نستطيع. وتوجهنا إلى منطقة بنت جبيل (جنوب لبنان). من ثم، صاروا ينقلوننا من مكان إلى آخر. ووصلنا إلى البرج الشمالي في منطقة صور، حيث قصدنا أقارب لنا هناك".

لكن ترحال أبو علي وأهله لم يتوقّف هنا. فبعد البرج الشمالي، "توجهنا إلى منطقة عنجر في شمال لبنان، قبل أن نلجأ إلى نهر البارد في الشمال أيضاً. مكثنا فيه فترة من الزمن، قبل أن نستقرّ في مخيّم الرشيديّة". يضيف: "كانت فترة عصيبة. فمذ انتقلنا من صفد إلى لبنان، ونحن نشكي من الجوع والألم.. ومن قلة الموت".
ويتابع: "عندما تركنا فلسطين على أثر الويلات التي خبرناها والقتل والذبح على يد العدو الصهيوني، لم نكن وحدنا. الكل كان يترك البلاد هرباً من الموت. فمسلحو العدو كانوا يطلقون النار كيفما اتفق، ليخيفوا أهل البلاد ويهجروهم وليقتلوا منهم أكبر عدد ممكن أيضاً. ويُحكى عن أمهات تركن أولادهن في فلسطين رغماً عنهنّ، وحتى اليوم لا يعرفن عنهم أي شيء".
وبغصّة يقول الثمانيني: "عشنا أسوأ أيام حياتنا وما زلنا. في خارج أرضنا، شعرنا بالإذلال. وفي داخل مخيمات اللجوء أيضاً نلنا ما نلناه من الإذلال. حوربنا في رزقنا وفي لقمة عيشنا، هذا إن استطعنا الاستحصال عليها". يضيف: "كذلك لم يتركنا العدو الصهيوني. فهو بقي يستهدف أماكن وجودنا، بحجة المقاومة الفلسطينيّة".

بعد مرور كل تلك السنين العصيبة عليه وعلى عائلته، لم يعد أبو علي يقوى على التكلم بشكل واضح. فهو أصيب بأمراض عدّة، ولعل آخرها فقدانه القدرة على الكلام. وهو اليوم لا يستطيع التحدث إلا همساً. وما يزيد من حزنه وخوفه هو "أن أموت في أرضٍ غير أرض فلسطين، وأدفن غريباً مثلما عشت طوال عمري غريباً لاجئاً".
المساهمون