"على كيفك".. معجّنات يصنعها صُم في غزة

11 مايو 2016
من داخل مطعم "على كيفك" (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تقف الشابة أمينة وزميليها نيفين وعز الدين، أمام فرن الغاز، بانتظار نضوج المعجنات التي قاموا بصنعها منذ الصباح، كي يتمكنوا من عرضها على "الفترينة" الزجاجية التي توسطت مطعمهم الجديد، الذي افتتحوه مؤخراً غرب مدينة غزة.
الشركاء الثلاثة الصُم، لم توقفهم إعاقتهم، وأرادوا التغلب على الواقع الاقتصادي السيئ والنظرة المجتمعية، من خلال النجاح في كسر الحاجز، وإثبات قدرتهم على العمل مثل باقي أفراد المجتمع، دون أي تفرقة أو انتقاص من قدرتهم على العمل، والتميز فيه.
أصناف الكيك والمعجنات الحلوة والمالحة والمقرمشة، وتلك المطلية بالشوكولاتة، ظهرت من خلف الزجاج وكأنها قطع شهية، مصنوعة بأيد مهرة، لا يمكن تفرقتها عن باقي القطع الموجودة في أكبر متاجر قطاع غزة، غير أن ميزة أخرى، تخفيها تلك المصنوعات، أنها صُنعت بدون كلام بين الزملاء، صنعت في صمت تام.
"على كيفك"، هو الاسم الذي اختاره الثلاثة لمطعمهم الذي افتتح غرب مدينة غزة، بعد أن نجحوا في اجتياز المرحلة الأولى من مشروع مطعم "أطفالنا للصم" الذي نفذته جمعية أطفالنا للصم، والذي ضم عدداً من الشبان والفتيات الصم، حتى نجحوا واستقل بعضهم في مشاريع خاصة.
وتقول مسؤولة العلاقات العامة في جمعية أطفالنا للصم، داليا أبو عمرو، إنّ المشروع من بدايته هدف إلى إيجاد مشاريع لدر الدخل على الشبان والشابات الصم، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها قطاع غزة، وانعدام فرص العمل، إضافة الى زيادة معدلات البطالة.
وتوضح أبو عمرو لـ "العربي الجديد" أن فكرة المشروع انطلقت عام 2012 من الصم أنفسهم، عبر إنشاء مطعم خاص بهم، وتلقوا دورات في صناعة الحلويات والمأكولات وإدارة المطاعم، وبعد أن أثبتوا ذاتهم، انتقل المشروع إلى المرحلة الثانية، والتي تم فيها افتتاح مشاريع صغيرة خاصة بالصم أنفسهم، يتم رعايتهم فيها، إلى جانب تقديم النصح والإرشاد.

وتشير أبو عمرو إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة غير قادرين على ممارسة المهن في قطاع غزة نتيجة الظروف الصعبة، وأن المشروع استهدف دمجهم في قطاع العمل، وتحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن بعضهم يعيل أسر فقيرة، إلى جانب الدراسة الجامعية.
مترجم لغة الإشارة إيهاب المدهون المعتمد في جمعية أطفالنا للصم رافق صحيفة "العربي الجديد" لترجمة الحوارات مع أصحاب مشروع "على كيفك"، حيث يقول الشاب الوحيد في المطعم عز الدين الدهشان أن الفريق يعمل بشكل جماعي، ويوزع الأدوار، وأنه يختص في بيع المنتجات والتعامل مع الزبائن.
وتوضّح أمينة العمراني (26 عاماً) من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أنها الفتاة الصماء الوحيدة في أسرتها، لافتة إلى أنها كانت تتميز بصنع المعجنات المالحة، حتى تعلمت المعجنات الحلوة والكيك والسناكس وصنع الساندويتشات وطهو الدجاج، وكل وجبات المطاعم.
وتقول أمينة لـ "العربي الجديد" بلغة الإشارة إنها أنهت دراستها في جمعية أطفالنا للصم، وبدأت العمل في 2010 بعد حصولها على دورة فن الطهو، وذلك من أجل إيجاد مصدر دخل يساعدها على إعالة نفسها، إلى جانب مساعدة عائلتها، والتخفيف من أعبائها.
أما فيما يتعلق بإقبال الناس على المطعم الذي لا يحتوي على أي شخص ناطق، فتوضح أن إقبال الناس كبير، وأنها وزملاءها لا يواجهون أي مشكلة في تجاوب الناس، والتعامل معهم. وتقول: "نحن نعتمد على أنفسنا ولدينا خبرة، ونقدم شيئاً مميزا".
نيفين القوقا (38 عاماً) كانت تبتسم وهي تتابع الحديث مع زميلتها، حتى جاء دورها لتقول إنها بدأت في العمل كي تساعد أسرتها، إلى أن استقلت بشكل تام، وأصبحت توفر جميع احتياجاتها ومستلزماتها، بل وتساعد والدها في التخفيف من عناء البيت والمصروف.
وتوضح نيفين لـ "العربي الجديد" أن بداية العمل كان ممزوجاً بشيء من الحرج في التعامل مع الناس، حتى أيقنت مدى سهولته، بعد أن أصبحت تستخدم لغة الإشارة البسيطة من أجل إيصال أفكارها للأشخاص الناطقين، علاوة على تعليمهم بعض الحركات التي تدلل على السعر وأسماء الأصناف.
وتقول القوقا إنها تمتلك إرادة قوية في إثبات عدم وجود فرق بين الصم والأشخاص العاديين، عبر الابتسامة والتعامل البسيط الذي يكسر الحواجز، داعية الأشخاص الصم في المجتمع الفلسطيني إلى الخروج من سجنهم والاندماج في المجتمع وتعلم مختلف المهن، والمشاركة بمشاريع تساعدهم في توفير احتياجاتهم، وتحقيق ذاتهم.

المساهمون