"طقس" 25 يناير

23 يناير 2016
+ الخط -

لا تعدم السلطات المصرية جهداً لمحاولة إحباط أي تحركات شعبية ممكنة في الذكرى الخامسة للثورة في 25 يناير/كانون الثاني الحالي. عديدة هي الوسائل التي لجأت إليها، منها الحديث عن العفو الرئاسي المرتقب عن نشطاء مسجونين، والذي لا يزال السجال دائراً حوله، وما إذا كان ناجعاً في احتواء الامتعاض الشعبي من أداء نظام عبد الفتاح السيسي، وهو امتعاض بدأ يخرج إلى العلن بأشكال متعددة، ومن عامة المصريين الذين اصطفوا بقوة خلف قائد الجيش في انقلابه على محمد مرسي.
أحدث ما توصلت إليه عبقرية هذا النظام من وسائل لضبط أي تدفق محتمل للشبان المصريين إلى الميادين هو اللجوء إلى الأحوال الجوية. إذ أصدرت مصلحة الأرصاد الجوية تحذيراً للمواطنين من طقس ماطر وعاصف في 25 يناير، ناصحة السكان بعدم الخروج من المنازل في هذا التاريخ. هو شيء واضح من الكوميديا السوداء التي بتنا معتادين عليها من نظام عبد الفتاح السيسي ورموزه، في مناسبات متعددة، ولعل آخرها حديث محافظ السويس العجيب عن "الرياح الشمالية الغربية" التي من شأنها أن تتحول إلى حائط صد للدفاع عن مصر في وجه الاعتداءات، وأعطى مثالاً على ذلك أن إسرائيل "لو ضربت" أي شيء باتجاه مصر، الرياح الشمالية الغربية ستعيده إليها.
كلام محافظ السويس، والذي أثار سخريةً كثيرة في ذلك الحين، عاد إلى التداول بين النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي، ليتم ربطه بتحذير الأرصاد الجوية، بحيث تأتي الرياح الشمالية الغربية لتعيد كل من يريد النزول إلى الساحات للاحتجاج إلى منزله. وعلى الرغم من أن السخرية في هذا المجال سيدة الموقف، إلا أن النظام يرى فعلياً في مثل هذه التصريحات والتسريبات وسائل فاعلة للحد من الاحتجاجات المرتقبة، وهو ما يكشف عن أي نظام نتحدث وأي مستوى من السياسة والإدارة يحكم مصر اليوم.
لكن، بغض النظر عن السخرية وكلام الأرصاد ورياحها، لماذا يخاف هذا النظام من ذكرى ثورة يناير، والتي هي أجمل ما حصل في مصر منذ أكثر من خمسين عاماً، وجاءت بمثابة الأمل بأن الحياة لا تزال تدب في أوصال الشعب المصري خصوصاً، والعربي عموماً؟ وهل هناك بالفعل بوادر ثورة جديدة أو تحركات احتجاجية واسعة؟ وهل مثل هذا الخوف يعني أن نظام السيسي مدرك أنه فقد الحاضنة الشعبية التي أوصلته إلى الرئاسة بعد الانقلاب العسكري، وبالتالي، في طريقه إلى إعلان الفشل الصريح، وربما هو ما دفعه إلى الكلام العلني عن التنحي في حال طلب الشعب منه ذلك؟
أسئلة كثيرة تصب جميعها في خانة أن هذا النظام قلق على مصيره ومستقبله، وهو أساساً غير واثق بكل الإجراءات التي قام بها لمنع تكرار 25 يناير. هو بات واثقاً أن كل الاعتقالات والملاحقات في حق الناشطين المعارضين، أو كل من له رأي مخالف بالحد الأدنى للنظام لن تجدي نفعاً. وعلى قناعة أن الحملات الإعلامية المكثفة الهادفة إلى تشويه تاريخ "25 يناير" باعتباره أساس الخراب في مصر، لم تجد آذاناً صاغية لدى الناشطين الذين لا يزالون ينظرون إلى هذا التاريخ علامة فارقة في حياتهم، وعلى هذا الأساس، كانت الحملة المضادة التي أطلقت على وسائل التواصل تحت عنوان "أنا شاركت في 25 يناير".
تعطي هذه المؤشرات القليل من الأمل، حتى لو مر 25 يناير هذا العام من دون أي تحركات أو احتجاجات، إذ من الواضح أن الفكرة لا تزال حية في النفوس، وتبث الرعب في قلب النظام القلق على مصيره. مؤشر يدل أيضاً على أن كل رياح الانقلاب، الشمالية الغربية أو الجنوبية الشرقية، لم تفلح في زحزحة نواة توق إلى حرية، على الرغم من كل الأحوال الجوية.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".