لم تعد مشاهدة شاحنات متوقفة على الطريق الدولي غربي الأنبار، عند بلدة القائم، دلالة على عطل قد طاول شاحنة ما، أو بسبب تناول السائقين طعامهم أو للصلاة كما كان يحدث سابقاً، إذ إن هكذا مشهد قد يكون لتبادل البضائع المهربة من سورية إلى العراق أو العكس.
شبكات تهريب واسعة نشأت أخيراً بين البلدين، بعد تحرير الأراضي العراقية من قبضة تنظيم "داعش"، وتلاشي وجود الأخير في الجانب السوري المقابل من الحدود.
هنا، تتزاحم شاحنات تهريب الخضر والسجائر والأدوية والأغنام والأجهزة الكهربائية، تضاف إليها "بضائع" من نوع آخر، مثل محولات وأسلاك الكهرباء التي باتت تسرق من العراق وتنقل إلى سورية أو مثلاً الأغطية الحديدية للمجاري أو محركات السيارات... عدا عن صهاريج البنزين وزيت الغاز، الذي يتم تهريبه من خلال الحدود ضمن محافظة الأنبار والتي تقابلها منطقة البو كمال من الجانب السوري.
اقــرأ أيضاً
هذه النقطة تحديداً أصبحت الأكثر نشاطاً لعمل المهربين، في مقارنة مع الشطر الثاني من الحدود المشتركة وتحديداً بين نينوى من جهة والحسكة ودير الزور من جهة أخرى، حيث تشترك فصائل كردية سورية مع مسلحي حزب العمال الكردستاني ومليشيات أخرى في نينوى بـ"حفلة التهريب" كما وصفها مسؤول عراقي رفيع في بغداد، وأردف أن "الحكومة تعاني من هذا الملف وغير قادرة على السيطرة عليه".
إيرادات ضخمة
وفق المسؤول ذاته فإنه "خلال شهر تموز/ يوليو، تم تهريب مواد بقيمة لا تقل عن 5 ملايين دولار عبر الحدود، كثير منها من العراق إلى سورية وليس العكس. والأخطر أن الكثير من المواد مسروقة، مثل مادة البنزين وزيت الغاز وقناني غاز طبخ، ومحولات الكهرباء وأسلاكها وأغطية شبكات صرف صحي، وصولاً إلى أدوية المفترض أنها تمنح مجاناً او بسعر رمزي مدعوم من الدولة عبر المراكز الصحية والمستشفيات.
المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، أكد لـ "العربي الجديد" على أن عمليات التهريب تتم من خلال مليشيات مسلحة معروفة بارتباطها الوثيق مع إيران وأبرزها كتائب حزب الله العراقية، ومليشيا لواء الطفوف، ومليشيا سيد الشهداء، ومليشيا النجباء. وتجري عمليات التهريب عبر ما يعرف بـ "الكسّارات"، وهي المكان الذي يتم فيه عبور الشاحنات عبر إحداث فتحة بالأسلاك الشائكة الفاصلة بين البلدين وسواتر ترابية وضعت بدل القديمة التي جرفها داعش عام 2014.
مسؤولون محليون وضابط في الشرطة في مدينة القائم (350 كم غربي العراق)، الحدودية مع سورية، تحدثوا بدورهم عن نوعين من التهريب يتم مع سورية: الأول مباشر وهو الذي يتم عبر مسلحي المليشيات أنفسهم وبالعادة يركّز على مشتقات نفطية مهربة من العراق إلى سورية أو أدوية ومواد كهربائية.
اقــرأ أيضاً
ونوع آخر من التهريب يتم عبر شبكات تقوم بدفع مبالغ تتراوح بين 500 و3500 دولار عن الشاحنة، ويحدد ذلك بحسب حمولتها. ولا تكمل الشاحنة او السيارة طريقها في أي من أراضي البلدين، حيث تجد بعد عبور الحدود بالشطر العراقي او السوري شاحنات مماثلة يتم عبرها تبادل البضائع مقابل تسلم الأموال، والتي تكون بالدولار وليس بأي من العملتين المحليتين في العراق أو سورية.
تغطية المليشيات
النقيب م. السلماني، وهو أحد ضباط شرطة مدينة القائم وينتمي لإحدى قبائل المدينة ذات النفوذ الواسع، طلب عدم ذكر اسمه الصريح، وقال لـ "العربي الجديد"، إن المواد المهربة من العراق أكثر من تلك المهربة من سورية، ولا يوجد شيء كاسد فكل شيء قابل للتهريب حتى الملابس.
وأضاف أن "إيرادات التهريب تقدّر بملايين الدولارات شهرياً، ولا يوجد أي ضابط أو قائد أمني قادر على إيقاف هذه العمليات، خاصة أن من ينفذها مليشيات قوية ومرتبطة بإيران "وقصة قائد عمليات الأنبار اللواء محمود الفلاحي الذي حاول وقف التهريب، لا زالت حاضرة في الأذهان، وقادة الجيش يتجنبون منذ ذلك الحين الاصطدام بالمليشيات".
وكانت مليشيا كتائب حزب الله العراقية اتهمت قائد الجيش في الأنبار اللواء محمود الفلاحي بالتخابر مع المخابرات الأميركية وتزويدها بإحداثيات مواقعها، ما دفع بوزارة الدفاع إلى استدعاء الضابط وما زال منذ نحو شهر متواريا عن الأنظار بعد قرار نقله إلى مكان آخر، رغم تبرئته من الاتهام من قبل لجنة تحقيق عسكرية.
بضائع مختلفة
إلا أن أبو حسن، وهو سائق شاحنة في القائم، أكد حصول هذه العمليات، مبينا أن كثيرا من سائقي الشاحنات يعتبرون التهريب وظيفة. وشرح السائق أن هناك من يعبر الحدود حيث تكون أجرته أعلى، في حين أن البعض ينقلون البضائع للتبادل فقط مع شاحنات أخرى، من دون عبور الحدود، وهؤلاء أجرهم أقل بالتأكيد.
اقــرأ أيضاً
ولفت أبو حسن إلى أن البضائع المهربة منوعة ومختلفة، وأضاف ساخراً: "حين يضع السائقون أرقام هواتفهم على شاحناتهم في أماكن بارزة، لا يكون هدفهم التشبيك مع الفتيات، بل ليتصل بهم المهربون، وبالتالي لتوسيع دائرة زبائنهم. وأكد السائق أن عمليات التهريب تتم من مناطق خاضعة لسيطرة فصائل مسلحة تقابلها قوات تابعة للنظام السوري كما في منطقة التنف الحدودية.
عضو البرلمان العراقي، طلال الزوبعي أقر في حديث لـ “العربي الجديد"، بوجود عمليات تهريب بين العراق وسورية عبر الحدود بالقول: إن "عمليات تهريب كبرى تجري بين البلدين". وتابع: "هذه ظاهرة خطيرة يجب على الحكومة أن تتداركها بشكل عاجل. هذه العمليات ربما تسمح بتمويل داعش أو أطراف أخرى خارجة عن القانون أو جهات مسلحة، وبالتالي على الحكومة التدخل لوقفها بشكل عاجل وفوري".
وبيّن أن "هناك الكثير من المواد التي تهرب بين البلدين، ويوجد جهات متنفذة على الحدود تمول نفسها من هذه العمليات غير المشروعة".
في المقابل، طالب النائب حسين العقابي، رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أن "يتحمل كامل مسؤولياته الدستورية والقانونية فيما يتعلق بالحفاظ على أموال العراق وفرض سيادة الدولة والقانون على الحدود".
اقــرأ أيضاً
وبيّن أنه "للأسف بعض عمليات التهريب ذات جانب سياسي وبعضها ذا جانب إقليمي ودولي لمصالح إقليمية ودولية"، مضيفاً: "كذا بعض العمليات يقوم بها عناصر فاسدة موجودة في داخل العراق ولديها استعداد أن تحرق البلد من أجل مصالحها الشخصية". ورد ذلك إلى "الاستهتار في تطبيق القانون وعدم الالتزام به".
واعتبر العقابي أنه "مع الأسف الشديد نرى كسلاً وخمولاً لدى الحكومة في تطبيق القانون، والقضاء على الفساد وملاحقة الفاسدين ورميهم في السجون".
هذه النقطة تحديداً أصبحت الأكثر نشاطاً لعمل المهربين، في مقارنة مع الشطر الثاني من الحدود المشتركة وتحديداً بين نينوى من جهة والحسكة ودير الزور من جهة أخرى، حيث تشترك فصائل كردية سورية مع مسلحي حزب العمال الكردستاني ومليشيات أخرى في نينوى بـ"حفلة التهريب" كما وصفها مسؤول عراقي رفيع في بغداد، وأردف أن "الحكومة تعاني من هذا الملف وغير قادرة على السيطرة عليه".
إيرادات ضخمة
وفق المسؤول ذاته فإنه "خلال شهر تموز/ يوليو، تم تهريب مواد بقيمة لا تقل عن 5 ملايين دولار عبر الحدود، كثير منها من العراق إلى سورية وليس العكس. والأخطر أن الكثير من المواد مسروقة، مثل مادة البنزين وزيت الغاز وقناني غاز طبخ، ومحولات الكهرباء وأسلاكها وأغطية شبكات صرف صحي، وصولاً إلى أدوية المفترض أنها تمنح مجاناً او بسعر رمزي مدعوم من الدولة عبر المراكز الصحية والمستشفيات.
المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، أكد لـ "العربي الجديد" على أن عمليات التهريب تتم من خلال مليشيات مسلحة معروفة بارتباطها الوثيق مع إيران وأبرزها كتائب حزب الله العراقية، ومليشيا لواء الطفوف، ومليشيا سيد الشهداء، ومليشيا النجباء. وتجري عمليات التهريب عبر ما يعرف بـ "الكسّارات"، وهي المكان الذي يتم فيه عبور الشاحنات عبر إحداث فتحة بالأسلاك الشائكة الفاصلة بين البلدين وسواتر ترابية وضعت بدل القديمة التي جرفها داعش عام 2014.
مسؤولون محليون وضابط في الشرطة في مدينة القائم (350 كم غربي العراق)، الحدودية مع سورية، تحدثوا بدورهم عن نوعين من التهريب يتم مع سورية: الأول مباشر وهو الذي يتم عبر مسلحي المليشيات أنفسهم وبالعادة يركّز على مشتقات نفطية مهربة من العراق إلى سورية أو أدوية ومواد كهربائية.
ونوع آخر من التهريب يتم عبر شبكات تقوم بدفع مبالغ تتراوح بين 500 و3500 دولار عن الشاحنة، ويحدد ذلك بحسب حمولتها. ولا تكمل الشاحنة او السيارة طريقها في أي من أراضي البلدين، حيث تجد بعد عبور الحدود بالشطر العراقي او السوري شاحنات مماثلة يتم عبرها تبادل البضائع مقابل تسلم الأموال، والتي تكون بالدولار وليس بأي من العملتين المحليتين في العراق أو سورية.
تغطية المليشيات
النقيب م. السلماني، وهو أحد ضباط شرطة مدينة القائم وينتمي لإحدى قبائل المدينة ذات النفوذ الواسع، طلب عدم ذكر اسمه الصريح، وقال لـ "العربي الجديد"، إن المواد المهربة من العراق أكثر من تلك المهربة من سورية، ولا يوجد شيء كاسد فكل شيء قابل للتهريب حتى الملابس.
وأضاف أن "إيرادات التهريب تقدّر بملايين الدولارات شهرياً، ولا يوجد أي ضابط أو قائد أمني قادر على إيقاف هذه العمليات، خاصة أن من ينفذها مليشيات قوية ومرتبطة بإيران "وقصة قائد عمليات الأنبار اللواء محمود الفلاحي الذي حاول وقف التهريب، لا زالت حاضرة في الأذهان، وقادة الجيش يتجنبون منذ ذلك الحين الاصطدام بالمليشيات".
وكانت مليشيا كتائب حزب الله العراقية اتهمت قائد الجيش في الأنبار اللواء محمود الفلاحي بالتخابر مع المخابرات الأميركية وتزويدها بإحداثيات مواقعها، ما دفع بوزارة الدفاع إلى استدعاء الضابط وما زال منذ نحو شهر متواريا عن الأنظار بعد قرار نقله إلى مكان آخر، رغم تبرئته من الاتهام من قبل لجنة تحقيق عسكرية.
بضائع مختلفة
إلا أن أبو حسن، وهو سائق شاحنة في القائم، أكد حصول هذه العمليات، مبينا أن كثيرا من سائقي الشاحنات يعتبرون التهريب وظيفة. وشرح السائق أن هناك من يعبر الحدود حيث تكون أجرته أعلى، في حين أن البعض ينقلون البضائع للتبادل فقط مع شاحنات أخرى، من دون عبور الحدود، وهؤلاء أجرهم أقل بالتأكيد.
ولفت أبو حسن إلى أن البضائع المهربة منوعة ومختلفة، وأضاف ساخراً: "حين يضع السائقون أرقام هواتفهم على شاحناتهم في أماكن بارزة، لا يكون هدفهم التشبيك مع الفتيات، بل ليتصل بهم المهربون، وبالتالي لتوسيع دائرة زبائنهم. وأكد السائق أن عمليات التهريب تتم من مناطق خاضعة لسيطرة فصائل مسلحة تقابلها قوات تابعة للنظام السوري كما في منطقة التنف الحدودية.
عضو البرلمان العراقي، طلال الزوبعي أقر في حديث لـ “العربي الجديد"، بوجود عمليات تهريب بين العراق وسورية عبر الحدود بالقول: إن "عمليات تهريب كبرى تجري بين البلدين". وتابع: "هذه ظاهرة خطيرة يجب على الحكومة أن تتداركها بشكل عاجل. هذه العمليات ربما تسمح بتمويل داعش أو أطراف أخرى خارجة عن القانون أو جهات مسلحة، وبالتالي على الحكومة التدخل لوقفها بشكل عاجل وفوري".
وبيّن أن "هناك الكثير من المواد التي تهرب بين البلدين، ويوجد جهات متنفذة على الحدود تمول نفسها من هذه العمليات غير المشروعة".
في المقابل، طالب النائب حسين العقابي، رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أن "يتحمل كامل مسؤولياته الدستورية والقانونية فيما يتعلق بالحفاظ على أموال العراق وفرض سيادة الدولة والقانون على الحدود".
وبيّن أنه "للأسف بعض عمليات التهريب ذات جانب سياسي وبعضها ذا جانب إقليمي ودولي لمصالح إقليمية ودولية"، مضيفاً: "كذا بعض العمليات يقوم بها عناصر فاسدة موجودة في داخل العراق ولديها استعداد أن تحرق البلد من أجل مصالحها الشخصية". ورد ذلك إلى "الاستهتار في تطبيق القانون وعدم الالتزام به".
واعتبر العقابي أنه "مع الأسف الشديد نرى كسلاً وخمولاً لدى الحكومة في تطبيق القانون، والقضاء على الفساد وملاحقة الفاسدين ورميهم في السجون".