13 يونيو 2021
"الإخوان" بين مصر والسودان
ربطت تحليلاتٌ، بصورة سريعة وربما عشوائية، بين تصريحات المتحدث الإعلامي لحزب الحرية والعدالة، التابع لجماعة الإخوان المسلمين (استقال لاحقا)، بشأن وجود عناصر متطرفة في السودان، وقرار الرئيس السوداني، عمر البشير، فرض تأشيرة دخول على المصريين الذين أعمارهم بين 18-49 مع استثناء النساء. سبب هذا الربط نفي السودان الدائم وجود عناصر إرهابية داخل أراضيه، وهي إحدى الأوراق التي يستغلها نظام عبد الفتاح السيسي في تعامله مع الخرطوم.
يبدو هذا الربط غير منطقي، لعدة أسباب، أولها أن القرار تم الإعداد له قبل فترة، كما وضح في صيغته التنفيذية الصادرة عن وزارة الداخلية السودانية، في 3 إبريل/ نيسان الجاري، أي قبل تصريحات المسؤول الإخواني بأيام، بل إنه صدر بناءً على مشروع قرار الوزارة تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل، نظرا لفرض السلطات المصرية تأشيرات، منذ فترة طويلة، على دخول الشباب السوداني، بل إن بعضهم يرى أن القرار تأخر كثيرا. وثانيا، لن يضرّ فرض تأشيرة الدخول على المصريين، القادمين من القاهرة تحديدا، "الإخوان" في شيء، لأنهم لا يعبرون إلى السودان عبر المنافذ الرسمية، وإلا سيتم القبض عليهم فورا في المطار، ناهيك عن أن السلطات المصرية تشترط الموافقة الأمنية أولا لمن يرغب في السفر إلى عدة دول، منها السودان. وبالتالي، من غير المنطقي لأي إخواني المرور عبر هذه المنافذ الرسمية "الأمنية". وثالثا، تصريحات المسؤول الإعلامي، وإن أشارت إلى وجود عناصر "متطرّفة" في السودان، وكذلك في تركيا، إلا أنها توضح أن الحوادث فردية، ولا علم للسلطات السودانية بها، كما تنفي أيضا أن الجماعة إرهابية، وهو ما تستند إليه السلطات السودانية في تبرير وجود قيادات وشباب من "الإخوان" في أراضيها. صحيح أن هذه التصريحات ربما تكون لها تداعيات في العلاقات بين "الإخوان" والسلطات السودانية، لكنها، في كل الأحوال، ليست لها علاقة بقرار رسوم التأشيرة. وبالتالي، ما دام "الإخوان المسلمون" ليسوا سببا في التصعيد السوداني، يبقى السؤال عن دوافع الخرطوم إلى ذلك قائما.
يمكن القول إن قرار رسوم التأشيرة يأتي في إطار المناكفة السياسية بين البلدين، واستغلال كل طرف مجموعة من الأوراق للمساومة مع الطرف الآخر. وليس هذا التوتر وليد اليوم، بل برز إلى السطح منذ الانقلاب في مصر صيف العام 2013، واتهام كل طرف الآخر بإيواء القوى المعارضة للطرف الآخر، ثم تصاعدت وتيرة الخلاف، بسبب ملف سد النهضة، على الرغم من توقيع اتفاقية الإطار في الخرطوم في مارس/ آذار 2015، حيث تتهم القاهرة الخرطوم بتأييد الموقف الإثيوبي على حساب الموقف المصري، ثم بلغ التصعيد ذروته مع قرار مصر في إبريل/ نيسان 2016 ضم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، حيث طالبت الخرطوم بضم منطقتي حلايب وشلاتين الخاضعتين للسيطرة المصرية إليها، وراح البشير يلعب على هذه الورقة، لتحسين صورته الداخلية، والتغطية على ملفي الديمقراطية وحرية الرأي في بلاده. وبالفعل، خاطبت الخرطوم القاهرة رسميا ثلاث مرات بشأن التفاوض حول هذا الملف، أو تحويله إلى التحكيم الدولي، لكن القاهرة رفضت، وردت باستخفاف، مؤكدة تبعية المنطقتين لمصر. وقد دفع هذا التجاهل المصري الخرطوم، منذ أوائل العام الجاري، وبحسب مصادر دبلوماسية سودانية في القاهرة، إلى تأكيد أن لديها أوراق ضغط كثيرة ستظهر لاحقا. ويبدو أن ملف سد النهضة كان أهمها، وقد قالت مصادر دبلوماسية في الخارجية المصرية إن دبلوماسيين مقرّبين من البشير اشترطوا، ضمنيا، تنازل مصر عن حلايب وشلاتين في مقابل قيام السودان بدور استراتيجي لمصلحة القاهرة في أزمة سد النهضة. وهو ما فسّرته زيارة الرئيس عمر البشير إثيوبيا أخيرا، وتأكيده على متانة العلاقات مع أديس أبابا، ودعم بلاده الأمن القومي الإثيوبي، ثم جاء قرار فرض التأشيرة على الشباب المصري الراغب بزيارة السودان ليصب في هذا الاتجاه. ويبدو أن الخرطوم تدرك جيدا أن مسألة تسليم مصر "تيران" و"صنافير" للسعودية مسألة وقت، خصوصا مع صدور قرار محكمة القضاء المستعجل في القاهرة إسقاط حكم المحكمة الإدارية العليا الخاص بتبعية الجزيرتين لمصر، وما يترتب على ذلك من تسليمهما للمملكة. ومن ثم، قد يُؤتي هذا التصعيد، من وجهة نظر الخرطوم، ثماره، لاسيما إذا كان مصاحبا أمورا أخرى، مثل التلويح بإلغاء اتفاقيات الحريات الأربع بين الجانبين (التنقل، الإقامة، الملكية، العمل)، والذي جاء قرار التأشيرة ليهدم جزأها الأول، وكذلك منع استيراد بعض السلع المصرية (الخضر والفاكهة والأسماك) بدعوى عدم ملاءمة المواصفات، أو فرض جمارك على سلع أخرى، مثل السيراميك، بالمخالفة لاتفاقيات "كوميسا" وغيرها.
إذن، لا يمكن تفسير قرار السودان فرض رسوم التأشيرة في إطار تصريحات مسؤول "الإخوان المسلمين" الذين ربما يتم استغلالهم من هذا الطرف أو ذاك، للضغط والمساومة على الطرف الآخر. وأبرز دليل على ذلك أن السودان لم يمنع دخول المصريين إليه، بل ربما جاء المنع بدايةً من القاهرة لدواع أمنية.
يبقى في النهاية السؤال عن رد فعل الطرف المصري. هل سيكتفي بالتهدئة، أو حتى إلغاء زيارة وزير الخارجية سامح شكري، وإن كان بيان "الخارجية" المصرية أرجعها إلى عواصف ترابية، وليس احتجاجا على الخرطوم، أم سيقوم نظام السيسي، عبر أذرعه الإعلامية، بالتصعيد. وهل سيمضي في تسليم الجزيرتين للسعودية، أم سيتم إرجاء الأمر لتفويت الفرصة على الخرطوم. وهل يمكن أن تتدخّل السعودية للوساطة بينهما، كما عبرت عن ذلك مصادر دبلوماسية مصرية، وما شكل هذه الوساطة؟ كل هذه التساؤلات ربما تتكشف كليا أو جزئيا قريبا.
يبدو هذا الربط غير منطقي، لعدة أسباب، أولها أن القرار تم الإعداد له قبل فترة، كما وضح في صيغته التنفيذية الصادرة عن وزارة الداخلية السودانية، في 3 إبريل/ نيسان الجاري، أي قبل تصريحات المسؤول الإخواني بأيام، بل إنه صدر بناءً على مشروع قرار الوزارة تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل، نظرا لفرض السلطات المصرية تأشيرات، منذ فترة طويلة، على دخول الشباب السوداني، بل إن بعضهم يرى أن القرار تأخر كثيرا. وثانيا، لن يضرّ فرض تأشيرة الدخول على المصريين، القادمين من القاهرة تحديدا، "الإخوان" في شيء، لأنهم لا يعبرون إلى السودان عبر المنافذ الرسمية، وإلا سيتم القبض عليهم فورا في المطار، ناهيك عن أن السلطات المصرية تشترط الموافقة الأمنية أولا لمن يرغب في السفر إلى عدة دول، منها السودان. وبالتالي، من غير المنطقي لأي إخواني المرور عبر هذه المنافذ الرسمية "الأمنية". وثالثا، تصريحات المسؤول الإعلامي، وإن أشارت إلى وجود عناصر "متطرّفة" في السودان، وكذلك في تركيا، إلا أنها توضح أن الحوادث فردية، ولا علم للسلطات السودانية بها، كما تنفي أيضا أن الجماعة إرهابية، وهو ما تستند إليه السلطات السودانية في تبرير وجود قيادات وشباب من "الإخوان" في أراضيها. صحيح أن هذه التصريحات ربما تكون لها تداعيات في العلاقات بين "الإخوان" والسلطات السودانية، لكنها، في كل الأحوال، ليست لها علاقة بقرار رسوم التأشيرة. وبالتالي، ما دام "الإخوان المسلمون" ليسوا سببا في التصعيد السوداني، يبقى السؤال عن دوافع الخرطوم إلى ذلك قائما.
يمكن القول إن قرار رسوم التأشيرة يأتي في إطار المناكفة السياسية بين البلدين، واستغلال كل طرف مجموعة من الأوراق للمساومة مع الطرف الآخر. وليس هذا التوتر وليد اليوم، بل برز إلى السطح منذ الانقلاب في مصر صيف العام 2013، واتهام كل طرف الآخر بإيواء القوى المعارضة للطرف الآخر، ثم تصاعدت وتيرة الخلاف، بسبب ملف سد النهضة، على الرغم من توقيع اتفاقية الإطار في الخرطوم في مارس/ آذار 2015، حيث تتهم القاهرة الخرطوم بتأييد الموقف الإثيوبي على حساب الموقف المصري، ثم بلغ التصعيد ذروته مع قرار مصر في إبريل/ نيسان 2016 ضم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، حيث طالبت الخرطوم بضم منطقتي حلايب وشلاتين الخاضعتين للسيطرة المصرية إليها، وراح البشير يلعب على هذه الورقة، لتحسين صورته الداخلية، والتغطية على ملفي الديمقراطية وحرية الرأي في بلاده. وبالفعل، خاطبت الخرطوم القاهرة رسميا ثلاث مرات بشأن التفاوض حول هذا الملف، أو تحويله إلى التحكيم الدولي، لكن القاهرة رفضت، وردت باستخفاف، مؤكدة تبعية المنطقتين لمصر. وقد دفع هذا التجاهل المصري الخرطوم، منذ أوائل العام الجاري، وبحسب مصادر دبلوماسية سودانية في القاهرة، إلى تأكيد أن لديها أوراق ضغط كثيرة ستظهر لاحقا. ويبدو أن ملف سد النهضة كان أهمها، وقد قالت مصادر دبلوماسية في الخارجية المصرية إن دبلوماسيين مقرّبين من البشير اشترطوا، ضمنيا، تنازل مصر عن حلايب وشلاتين في مقابل قيام السودان بدور استراتيجي لمصلحة القاهرة في أزمة سد النهضة. وهو ما فسّرته زيارة الرئيس عمر البشير إثيوبيا أخيرا، وتأكيده على متانة العلاقات مع أديس أبابا، ودعم بلاده الأمن القومي الإثيوبي، ثم جاء قرار فرض التأشيرة على الشباب المصري الراغب بزيارة السودان ليصب في هذا الاتجاه. ويبدو أن الخرطوم تدرك جيدا أن مسألة تسليم مصر "تيران" و"صنافير" للسعودية مسألة وقت، خصوصا مع صدور قرار محكمة القضاء المستعجل في القاهرة إسقاط حكم المحكمة الإدارية العليا الخاص بتبعية الجزيرتين لمصر، وما يترتب على ذلك من تسليمهما للمملكة. ومن ثم، قد يُؤتي هذا التصعيد، من وجهة نظر الخرطوم، ثماره، لاسيما إذا كان مصاحبا أمورا أخرى، مثل التلويح بإلغاء اتفاقيات الحريات الأربع بين الجانبين (التنقل، الإقامة، الملكية، العمل)، والذي جاء قرار التأشيرة ليهدم جزأها الأول، وكذلك منع استيراد بعض السلع المصرية (الخضر والفاكهة والأسماك) بدعوى عدم ملاءمة المواصفات، أو فرض جمارك على سلع أخرى، مثل السيراميك، بالمخالفة لاتفاقيات "كوميسا" وغيرها.
إذن، لا يمكن تفسير قرار السودان فرض رسوم التأشيرة في إطار تصريحات مسؤول "الإخوان المسلمين" الذين ربما يتم استغلالهم من هذا الطرف أو ذاك، للضغط والمساومة على الطرف الآخر. وأبرز دليل على ذلك أن السودان لم يمنع دخول المصريين إليه، بل ربما جاء المنع بدايةً من القاهرة لدواع أمنية.
يبقى في النهاية السؤال عن رد فعل الطرف المصري. هل سيكتفي بالتهدئة، أو حتى إلغاء زيارة وزير الخارجية سامح شكري، وإن كان بيان "الخارجية" المصرية أرجعها إلى عواصف ترابية، وليس احتجاجا على الخرطوم، أم سيقوم نظام السيسي، عبر أذرعه الإعلامية، بالتصعيد. وهل سيمضي في تسليم الجزيرتين للسعودية، أم سيتم إرجاء الأمر لتفويت الفرصة على الخرطوم. وهل يمكن أن تتدخّل السعودية للوساطة بينهما، كما عبرت عن ذلك مصادر دبلوماسية مصرية، وما شكل هذه الوساطة؟ كل هذه التساؤلات ربما تتكشف كليا أو جزئيا قريبا.