غزّة هي الدنيا الآن. هي معنى أن نكون بشراً، أو أشباه ذلك. هي علم الإنسان، وعلم الطبيعة، وعلم المستقبل. هي أكبر قيامة في قلوبنا، ميزان ضمائرنا ولغتنا.
لا بدّ من الانتقال من اللّاوعي الموروث والجامد إلى آخر قائم على تجربة الفرد مع الأشياء والنصوص، بعيداً عن ضغط العادات والتقاليد.
في كلّ حارة وبيت وشارع، يُغنّي أهل غزّة لقلبِ الواقع رأساً على عقب، فلعلَّ كآبة القهر والظُّلم تتراجع على أثر استئناس الرُّوح بأسمى دواء.
أتذكّر وجه الشهيد إيهاب بركات وخيوط الدم على وجهه النضر، وهُم يزفّونه بالقرب من بيوتنا، وأتذكّر جنازة أستاذنا الشهيد يوسف الغريب، وقد انتهى للتوّ من تدريسنا.
ملعونٌ الكوكب الأرضي ما لم تتحرّك أفئدةُ أُناسه ضدّ من يفرضون الموتَ عليكِ. أنتِ صغيرة في الجغرافيا، لكنّك تجلٍّ كثيف لمعاني الإنسانية.
لعلّ الشمعة التي يُضيؤها الطلّاب اليوم تؤول إلى ما آلت إليه سابقاتُها التي ساهمت في تحرير فيتنام، ونهاية الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
ما نشهده في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة يدلّ على استهداف ممنهج للضمير والأخلاق، من قِبل حكومات ووسائل إعلام ومنظومات ثقافية عالمية.
إنّه لتحدٍّ كبير للعقل البشري أن يكون شاهداً على واقع كهذا، ويُطلب منه أن يستكين للصمت وتجاهل المجزرة.
أتألّم وأقلق على فلسطين كلّ يوم، وأخاف على أحبابي فيها، وأفكّر في اللاجئين القدامى والجدد الذين يقبعون على حافة حياة رَثَّة، وأكتبُ كفلسطيني.
قد يُساعدنا التاريخ على فهم حرب الإبادة المستمرّة في غزّة، على الرغم من أنّنا لا نملك مثالاً يشبه الواقع الذي نحن أمامه في العصر الحديث.