المشروع القاتل وحواضنه الغربية

27 ابريل 2024
هاني زعرب، انعكاس ذاتي أمام سلسلة "وقت الزفت"
+ الخط -
اظهر الملخص
- حرب الإبادة على غزة تدخل شهرها الثامن، مخلفة دمارًا ومعاناة بينما الغرب يستمر في دعم الاحتلال الإسرائيلي، متجاهلًا أسباب المقاومة ومصورًا "إسرائيل" كضحية.
- الغرب يعتمد على تحريفات واتهامات بمعاداة السامية لتجاهل جرائم "إسرائيل" ضد الفلسطينيين، ما يشير إلى استهداف ممنهج للضمير والأخلاق العالمية.
- الدعم الغربي لـ"إسرائيل" يتجاهل الأخلاق والقيم الإنسانية، مع غياب الأمل في بيقظة ضمير الأمم الغربية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني.

تدخل حرب الإبادة على غزّة شهرها الثامن، ويستفحل الموت والدمار والجوع والعطش وكلّ أنواع الشقاء والضنك. يحدث كلُّ هذا بينما يُمعن الغرب في مؤازرة الاحتلال الإسرائيلي ومدّه بكافّة أشكال العنف والعدوانية.

كيف يقرأ الغرب التاريخ هو موضوع محيّر ومحبط؛ ففي حالة الاحتلال الإسرائيلي، لا يقرأ الغرب التاريخ مِن حيث مَن بدأ العدوان، والأسباب التي أدّت إلى مقاومته، بل من هاجمَ "إسرائيل" بغضّ النظر عن منطقها التدميري والقاتل لمجتمعات "الشرق الأوسط"، حيث تتربّع عليها وكأنّ لها القول الفصل عليها جميعاً وإلى الأبد.

يرى الغرب "إسرائيل" دائماً على أنّها الضحيّة، ويُسخّر إمكانات هائلة لحمايتها والوقوف معها، ولو كان ذلك على حساب شعوبه ومجتمعاته التي لا تقبل أجزاءٌ كبيرة منها أن تكون حاضنة لهذا المشروع القاتل.

يُشكّل الإجرام الصهيوني تحدّياً لأدنى مستويات الأخلاق الإنسانية

اعتبار "إسرائيل" جزءاً من العائلة الغربية يتطلّب تحريفات وماكينات كذب وتضليل كبيرة في الغرب؛ فحينما يشير صحافي مثل نك روبينسون في الإذاعة البريطانية الرسمية، في جملة عابرة، إلى أنّ "إسرائيل" تقتل الفلسطينيّين في قطاع غزة، تهبُ وسائل الدولة العميقة في بريطانيا مطالبةً إياه بالاعتذار، على اعتبار أنّ ما قاله يدخل تحت قائمة "معاداة السامية"، فيعتذر الرجل الذي قال الحقيقة بشكل عفوي، ويقول إنّه "لم يختر كلماته بعناية".

وتمتدّ المأساة لتصل إلى كثير من المواطنين الغربيّين العاديّين الذين يعرف كثيرٌ منهم، في قرارة أنفسهم، طبيعة الاحتلال الصهيوني الإجرامية، لكنّهم يتجنّبون الحديث في الموضوع، أو يلتفّون حول الكلام أو يلجأون إلى إشارات مبهمة من قَبيل "كلا الطرفين"، وكأنّ الفلسطينيّين والإسرائيليين سواسية... حالة تدلُّ على استهداف ممنهَج للضمير والأخلاق من قِبَل حكومات ووسائل إعلام ومنظومات ثقافية عالمية.

لا شكّ أنّ "إسرائيل"، بمشروعها الصهيوني العنصري والإجرامي، تُشكّل تحدّياً حتى لأدنى مستويات الأخلاق، والشواهد على ذلك كثيرة؛ من قتل وإذلال، وتعامُل مهين ومنحطّ مع الأسرى الفلسطينيّين، وسرقة للأرض في وضح النهار، وهجومات همجية لقطعان المستوطنين في الضفّة الغربية، وهدم للبيوت، وحقارة في التعامل حتى مع جثامين الشهداء الفلسطينيّين، وتدمير لأيّة منظومة صحّية قد تُعالِج المصابين والمرضى، وملاحقة للناس الذين ينطقون بالحق ضدَّ هذا الإجرام.

كلّ هذه جرائم شنيعة لا لبس فيها. ومع ذلك نرى أنّ كثيراً من بلدان الغرب، بكلّ أدواتها الدبلوماسية والإعلامية والثقافية، تناور من أجل تهميش الحقيقة وتصوير الاحتلال كضحية، وليس مصدراً للعدوان والهمجية.

أكادُ أجزم مما نراه في غزّة أنّ جرائم "إسرائيل" تفوق جرائم أعتى المجرمين على مدار التاريخ، وكما كتبتُ في سياق قصيدة أنّنا كفلسطينيّين نواجه قوماً أكثر وحشية من أسوأ المغول.

الأخلاق هي فعلاً عماد الأمّم وهي أجمل الفضائل التي يمكن أن يتحلّى بها الأفراد. أمّا في حالة "إسرائيل"، فالأخلاق معدومة تماماً، ونقيضُها من القتل والتدمير هو المهيمن عليها وعلى المنظومة الدولية الغربية وغيرها من الأدوات الإقليمية التي ترعاها، منظومة لا تحسب حساب الأطر الأخلاقية أو القانونية في كلّ ما يتعلّق بهذه الكيان المارق، مع أنّه أبشع مثال على الهمجية والغطرسة في العصر الحديث.

هذا كيان أُطلق ككلب مسعور على الفلسطينيين والمنطقة العربية ليدمّرهم بأحدث وسائل الفتك والقتل الأميركية والغربية، ولا أمل من هذه الأمّم بيقظة ضمير على المستوى السياسي لتدرك الحدّ الأدنى من الأخلاق الإنسانية في ما يتعلّق بالشعب الفلسطيني وحقوقه.


* كاتبٌ وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن

موقف
التحديثات الحية
المساهمون