شمال أوروبا... تحفيز المواهب

31 ديسمبر 2015
اكتشاف المواهب وتنميتها في الشمال الأوروبي أمر الزامي(العربي الجديد)
+ الخط -
في دول الشمال، وخصوصا في ألمانيا والدول الإسكندنافية، يوجد عدد شاسع من المحفزات المشجعة للأهل والأطفال مع وجود بنى تحتية أساسية لصقل المواهب وجعلها غير مقيدة في مجال محدد. فالأسلوب التربوي الإسكندنافي لا يعتمد على مقولة "حين يسمح الطقس". فألوان متعددة من النشاطات الداخلية تمنحها البلديات، وهي ملزمة بتأمين القاعات والبنى التحتية للأحياء والتجمعات السكنية ليمارس فيها الأطفال واليافعون هواياتهم الرياضية والموسيقية والفنية بشتى أصنافها.

أهداف وطموحات
ما تهدف إليه تلك النشاطات المتاحة أن يكون متوفرا لجميع الأطفال والشبان، بغض النظر عن الانتماء الطبقي وبدون فرق بين غني وفقير أو مقتدر وغير مقتدر، ممارسة هواياتهم ورغباتهم التي قد تتبدل مع تقدم السن عند هؤلاء. وفي جانب من الجوانب يمكن اعتبار التسلية والمرح اللذين يجدهما صغار السن مقدمة للتربويين والأهل لاكتشاف ما لديهم/ لديهن من مواهب وإمكانات.

في دولة مثل الدنمارك فإن الزامية معقودة بين الدعم الحكومي لموازنات البلديات وتلبية وعرض تلك المشاريع على العامة بشكل شبه مجاني، قد يكلف لاحقا مبلغا رمزيا تصاعديا وصولا إلى الاحتراف وتشكيل مجموعات يقدر لها أن تكون رياضية أو فنية/ موسيقية ومسرحية وغيرها مما يمكن أن تحتويه البنى التحتية والإشراف عليها من قبل مختصين.

لا يختلف الأمر كثيرا بين دولة السويد والدنمارك على سبيل المثال، سوى في وجود تاريخي في كوبنهاغن لما يسمى TEAM DANMARK أو فريق الدنمارك، وهو يشمل كل البلاد بريفها ومدنها ويختص باكتشاف المواهب وتطويرها على المستوى الرياضي بكل أنواع الرياضة بدون استثناء، مع إدخال كل ما هو جديد وبات معترفا به كرياضة.

تحت مظلة هذا الفريق تخلق عملية تعاون كبيرة مع الأندية المحلية، ففي كل تجمع سكني يجب أن يكون هناك ناد يدار من السكان واحترافيين منتخبين من قبلهم في اختصاصات متنوعة، وإن لم تكن موجودة يُطلب مختص للإشراف على اختصاص معين.

الأندية المحلية
الأندية الرياضية المحلية هي أندية مسجلة رسميا في البلديات، وبشكل محدد تحت قسم "الثقافة"، وتتلقى دعما ماليا نسبيا وارتباطا بعدد الأعضاء وساعات النشاطات التي يقوم بها النادي مع الأطفال والشبيبة.

وهذا ينسحب أيضا على كل الجمعيات والروابط المؤسسة والمسجلة رسميا وليست بالضرورة فقط الرياضية، ففرقة موسيقية في قرية أو مدينة أو مجمع سكني يقطنه سكان أسسوا فرقة رقص فولكلوري أو فنية وغنائية، بغض النظر عن الخلفية الأثنية أو الدينية، يلزم المجلس البلدي وجمعيات سكنية بدعم تلك النشاطات ومن خلالها أيضا يتم اكتشاف المزيد من المواهب التي تكون تحت أعين مختصين يحضرون خصيصا إلى تلك النشاطات لأجل تلك الغاية.

في منطقة معروفة في الدنمارك، حيث يتجمع فيها سكان من أصول فلسطينية اختار هؤلاء منذ 20 سنة تأسيس ناد رياضي اسموه "آي سي إف سي"، تم من خلاله خلال المباريات التي كان يقيمها مع فرق دنماركية أخرى تتبع أندية الدرجة الأولى اكتشاف مواهب أصبحت لاحقا جزءا من فرق كرة قدم في الدرجة الأولى والثانية.

الاهتمام بالجانب الرياضي لا يقتصر على لعب كرة القدم، بل حتى في مجال التحكيم هناك من يهتم بتنمية مواهب شبان صغار يحكمون في مناطقهم فيتم اختيارهم لدراسة التحكيم على حساب الأندية التي تختارهم.

من الملفت أيضاً أن رياضات متنوعة يكتشف الاختصاصيون مواهبها حتى قبل حصول أصحابها على إقامات رسمية، مثل طالبي اللجوء، وهذا يؤشر إلى أن المواهب كطريق للاحترافية لا تعرف معيقا لا عنصريا ولا حتى لغويا. فليس غريبا أن نجد شابا صوماليا في مقتبل العمر يمارس رياضة الجري فيكتشفه "فريق الدنمارك" ليمثل البلاد في الجري محليا وأمام مشاركين آخرين ويفوز بميداليات للبلد الذي اكتشف وطور من موهبته عبر ذلك النظام القائم.

اقرأ أيضا:الأسباب التي جعلت النظام التعليمي في اليابان متميزاً

الدراسة والمواهب
لا تكاد توجد مدرسة لا تحتوي قاعة رياضية مغلقة، وملعب كرة قدم خارجها، وبالقرب منها دور أوقات الفراغ التي تعتبر نبعا لاكتشاف المواهب. تلك القاعات قد يكون فيها فريق كرة سلة وغيره، الانتباه الذي يبديه مدرس الرياضة لشاب أو شابة يملك موهبة وتفوقا ما يؤدي إلى الاتصال بـ"فريق الدنمارك" لتقييم تلك المواهب.

الانتباه إلى المواهب، بأنواعها المختلفة، يتطلب تدريبا مرتبطا بالسن حيث يجري اختيار الأطفال واليافعين وفقا لأعمارهم في مجموعات يشرف عليها لرفع سوية هؤلاء، وللصغار جدا تكون بوابة المرح والاستمتاع مدخلا لاجتياز بعض التحديات والصعاب. الطريقة الأخيرة تختلف اختلافا كليا عن نظام تطوير القدرات والمواهب في شرق أوروبا، وهي شبيهة ببقية إسكندنافيا وألمانيا وعموم دول الشمال حيث لا يجري الضغط لا البدني ولا النفسي في مسيرة تطوير المواهب.

بالطبع لا يعني ممارسة موهبة، وتطويرها نحو احترافية، ألا يكون التلميذ مواظبا على دراسته. فالوصول إلى القمة عند بعض هؤلاء، وخصوصا ممن يبدي ميولا غير دراسية ويهتم أكثر بالرياضة على سبيل المثال يتم نقله/ نقلها إلى مدرسة خاصة تمزج بين التعليم والرياضة وتلك المدارس تسمى "أكاديمية النخبة الرياضية". وفي تلك الأكاديميات يجري التوفيق بين التحصيل العلمي وتطوير المواهب ومنها كرة السلة أو القدم وباقي الرياضات المعروفة التي تكون مثار انتباه الفرق المختلفة من الدرجات المتعددة وخصوصا الدرجة الأولى. كثير ما ينتهي الحال بهؤلاء باللعب لدى فرق معروفة.

أكاديميات النخبة
المثير في مسألة "أكاديميات النخبة" أنها أيضا لديها صفوف في مدارس عادية حيث يجري تجميع الطلبة/الطالبات في صفوف من أصحاب الاهتمامات والمواهب في مدارس إعدادية وثانوية عادية في المدن والقرى التي لا يوجد فيها تلك الأكاديميات المسماة اختصارا ESSA.

تشمل تلك الاهتمامات بالمواهب، إلى جانب الإبقاء على التحصيل العلمي 15 فرعا من أنواع الرياضات، ويتم الأمر بالتعاون الوثيق بين الأندية المحلية، المدارس ومؤسسات التعليم و"فريق الدنمارك" و"جمعية الدنمارك للرياضة" ليس لأجل اكتشاف المواهب فقط بل الحفاظ عليها وتطويرها بالتعاون مع الأهل عبر برامج يجري التوافق عليها لتنمية القدرات بتشجيع ومشاركة الأهل في كل ما يشارك به الأبناء من رياضات وحتى حضور بعض حصص التدريب والمباريات التي تقام محليا في القاعات المدرسية أو خارجها لتشجيع هؤلاء ودعمهم نفسيا.

تقدم الدولة مقابل مبلغ رمزي يدفعه الطلبة (حوالي 600 يورو سنوياً) كل ما يحتاجه الطلبة من مواد تدريب وملابس وعلاج فيزيائي رياضي وإرشادات حول أفضل أنواع الطعام للرياضيين وغيرها من الخدمات. لكن في المقابل يحصل الطالب، في سن الثامنة عشرة، على منحة شهرية من الدولة تصل إلى ذات المبلغ تقريباً وهي تسمى "منحة الدولة للتحصيل العلمي" ومن ذلك المبلغ يمكن للطالب أن يدفع أجرة سكن طلابي ومواصلاته وطعامه وغيرها من المصاريف في إطار تشجيع الجميع على التعلم وتطوير المواهب.

اقرأ أيضا:المواهب في مصر... كنوز تنتظر "علي بابا"
المساهمون