المؤشرات الاجتماعية في نتائج الثانوية العامة في سورية

07 يوليو 2024
من امتحانات الثانوية العامة في سورية، يونيو 2022 (فيسبوك)
+ الخط -

أصدرت وزارة التربية لدى النظام السوري، اليوم الأحد، نتائج الدورة الأولى لامتحانات شهادة الثانوية العامة في سورية بفرعَيها الأدبي والعلمي، بالإضافة إلى الثانوية الشرعية، وكذلك الثانوية المهنية بفروعها النسوية والصناعية والتجارية لعام 2024. وقال وزير التربية لدى النظام محمد عامر المارديني، في حديث إلى قناة تلفزة محلية، إنّ نسب النجاح في الامتحانات بلغت في الفرع العلمي 57.09%، وفي الفرع الأدبي 44.93%، وفي الثانوية الشرعية 49.11%، في حين بلغت في الثانوية المهنية النسوية 43.92% وفي الصناعية 49.06% وفي التجارية 45.14%. وبيّن المارديني أنّ 12 تلميذاً حصلوا على العلامة التامة (2900) في الفرع العلمي، من بينهم أربعة من محافظة طرطوس وثلاثة من محافظة اللاذقية واثنان من محافظة ريف دمشق واثنان من محافظة حلب وواحد من محافظة حمص.

وأوضح المارديني أنّ ترتيب التلاميذ الخمسة الأوائل على سورية في امتحانات شهادة الثانوية العامة للفرع الأدبي أتى بالشكل الآتي: المرتبتان الأولى والثالثة من محافظة السويداء، والمرتبة الثانية من محافظة درعا، والرابعة من محافظة حلب، والخامسة من محافظة طرطوس. كذلك بيّن أنّ 56 ألفاً و290 تلميذاً وتلميذة تقدّموا لامتحانات شهادة الثانوية العامة في الفرع الأدبي، نجح منهم 25 ألفاً و292 تلميذاً وتلميذة. أمّا في الفرع العلمي فقد تقدّم 144 ألفاً و983 تلميذاً وتلميذة، نجح منهم 83 ألفاً و950 تلميذاً وتلميذة.

وما يلفت الانتباه استحواذ التلميذات على المراتب الأولى في مجمل الشهادات الثانوية، باستثناء الفرع العلمي الذي حصلت فيه خمس تلميذات فقط على العلامة التامة من أصل 12 تلميذاً. وفي الفرع الأدبي، حلّت أربع تلميذات في المراتب الخمس الأولى، في حين حصلت ثلاث تلميذات على المرتبة الأولى من أصل أربعة تلاميذ في بقيّة الثانويات المهنية بفروعها الشرعية والتجارية والنسوية. 

شبهات بشأن الثانوية العامة في سورية

لكنّ الملاحظة التي تتكرّر، في نهاية كلّ عام دراسي، هي استحواذ محافظتَي اللاذقية وطرطوس (عند الساحل السوري) على الدرجات الأولى في الفرع العلمي، الأمر الذي يثير شكوكاً بشأن تسريب الأسئلة لتلاميذ هاتَين المحافظتَين اللتَين تمثّلان الثقل الأساسي لحاضنة النظام. وفي هذا العام، كان سبعة من تلاميذ المحافظتَين من بين التلاميذ الـ12 الأوائل الذين حصلوا على العلامة التامة في الفرع العلمي، علماً أنّ سكان المحافظتَين لا يتجاوز مليونَي نسمة من أصل 16 مليوناً في سورية اليوم. ومن بين مجموع عدد سكان سورية 11 مليون نسمة تحت سيطرة النظام السوري، وأربعة ملايين في مناطق شمالي سورية وغربيها تحت سيطرة فصائل المعارضة، وثلاثة ملايين في شرق البلاد تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تهيمن عليها الوحدات الكردية.

ويبدو الأمر أكثر وضوحاً في نتائج امتحانات الثانوية العامة في سورية للعام الدراسي الماضي، إذ حصل 12 تلميذاً من مدرسة واحدة في محافظة اللاذقية على العلامة التامة في الثانوية العامة، أي أكثر من محافظات دمشق وحلب وحماة وإدلب ودرعا والرقة ودير الزور والحسكة والسويداء مجتمعة. كذلك، تصدّرت محافظة طرطوس، في العام الماضي، نتائج الشهادة الإعدادية لجهة عدد التلاميذ الحاصلين على العلامة التامة، بمجموع بلغ 48 تلميذاً وتلميذة من أصل 162 على مستوى البلاد، علماً أنّ كثيرين ممّن يقيمون في مناطق "قسد" وحتى مناطق المعارضة اختاروا تقديم امتحاناتهم في مناطق سيطرة النظام السوري.

وتعليقاً على نتائج امتحانات الثانوية العامة في سورية للعام الدراسي الأخير، يقول التربوي أحمد الحسين لـ"العربي الجديد" إنّ "وزارة التربية لدى النظام أخذت في عين الاعتبار هذا العام، بحسب ما يبدو، الانتقادات الموجّهة إليها بعد إعلان نتائج الثانوية العامة العام الماضي، فعمدت إلى تخفيض عدد الحاصلين على العلامة التامة من نحو 32 تلميذاً في العام الماضي إلى 12 تلميذاً هذا العام، وهو رقم يساوي عدد الطلاب الذين حصلوا في العام الماضي على العلامة التامة في مدرسة واحدة هي الكميت بليدي للمتفوقين في اللاذقية". يضيف الحسين أنّ "من غير المنطقي، وفقاً للظروف التي تسود سورية لجهة انقطاع الكهرباء وتراجع التعليم والضغوط الحياتية، أن تكون لدينا أعداد كبيرة من المتفوقين الذين يحصلون على العلامة التامة، إلا إذا فسّرنا الأمر بالغشّ وتسريب الأسئلة، خصوصاً في المناطق حيث يقيم أبناء المسؤولين والمتنفذين في النظام".

وكان وزير التربية في حكومة النظام السوري قد اتّخذ قراراً، في نهاية مايو/ أيار الماضي، يقضي بإعفاء مدير تربية دمشق سليمان اليونس من منصبه، بعد ضبط شبكة واسعة بشبهة التزوير في الامتحانات في دمشق وريفها وبقيّة المحافظات، المتورّطون فيها من داخل وزارة التربية وخارجها.

من جهته، يرى مدرّس مادة اللغة العربية السابق في مدارس النظام لؤي المحمود أنّ العملية التعليمية في سورية "في انحدار متواتر، ولم تكن بأفضل حالاتها حتى قبل الانتفاضة الشعبية ضدّ حكم بشار الأسد في عام 2011، لجهة التدخّلات غير المهنية في مسارها". ويضيف المحمود، الذي أمضى نحو 30 عاماً في قطاع التربية بصفته مدرّساً وموجّهاً تربوياً، لـ"العربي الجديد"، أنّ هذا الانحدار بدأ "مذ مُنح تلاميذ المظليين في ثمانينيات القرن الماضي الأفضلية لدخول الكليات العلمية، مروراً بفلترة عمليات ابتعاث الطلاب إلى الخارج على أساس طائفي أو من ضمن علاقات الوساطة والمحسوبيات"، مشيراً إلى أنّ "معطيات عدّة تدلّ على أنّ المبتعثين بمعظمهم من أبناء محافظتَي طرطوس واللاذقية".

ويوضح المحمود، الذي هو في ستينياته اليوم ويعيش في أوروبا، أنّه "بعد عام 2011، تعرّض قطاع التعليم مثل غيره من القطاعات لأضرار فادحة نتيجة الحرب"، ويتحدّث عن "تدمير عدد كبير من المدارس كلياً أو جزئياً، أو تحوّلها الى مقرّات عسكرية أو مراكز لإيواء النازحين، فيما قُتل أو اعتُقل آلاف المدرّسين في كلّ مراحل التعليم، وهاجر عشرات الآلاف الى خارج البلاد".

في الإطار نفسه، تقول المدرّسة ليلى العواد لـ"العربي الجديد" إنّ "التعليم تعرّض لأضرار أخرى لا تقلّ فداحة عمّا سبق، وذلك على مستويَين"، وتشرح أنّ "الأوّل ناجم عن تراجع مكانة التعليم عموماً، في ظلّ احتدام الصراع الداخلي وعسكرة المجتمع، إذ تكون القيمة الاجتماعية وكذلك العائد المادي في هذه الظروف من نصيب حملة السلاح وليس حملة الشهادات. أمّا المستوى الثاني، فهو "تطييف التعليم، كما هي الحال بالنسبة إلى قطاعات عديدة أخرى". وتتابع العواد أنّ "النظرة السائدة اليوم في البيئة الموالية للنظام هي أنّ من حقّ أبنائها أن ينالوا المراتب الأولى لأنّ أهلهم ضحّوا بأنفسهم ودافعوا عن البلد (النظام)، ومن غير المنطقي تالياً، وفقاً لوجهة نظرهم، أن ينال أبناء المناطق التي شهدت احتجاجات ضدّ النظام علامات تجعلهم متفوقين فيما يبقى أبناؤها (البيئة الموالية) في المراتب التالية".

وتلفت العواد إلى أنّ "إزاء هذه الأجواء التي تجعل التعليم الحكومي والوظائف العامة عموماً من نصيب الموالين للنظام، يُضطرّ بقيّة الأهالي إلى البحث عن بدائل عبر التعليم الخاص، والذي تحوّل في الأعوام الماضية عبئاً ثقيلاً ومرهقاً مالياً، وتحوّلت معه مهنة التعليم إلى نوع من التجارة، الأمر الذي انعكس على واقع التعليم وجعله خياراً غير مفضّل بالنسبة إلى كثيرين من الأهالي". وتكمل العواد إلى أنّ "معطيات عدد من المنظمات الدولية تفيد بأنّ نحو 2.5 مليون طفل تتراوح أعمارهم ما بين خمسة أعوام و17 عاماً، ما يعادل ثلث مَن هم في سنّ التعليم، باتوا اليوم خارج المدرسة".

المساهمون