ملكة البرتقال

02 يونيو 2015
+ الخط -
تثبت المرأة يوماً بعد يوم أنها عنصر إنقاذ للعالم. وإذا كان الرجل هو الذي يخلق المشاكل، فإن المرأة بحسّها الغريزي للمحافظة على النسل توجد الحلول، وتبتكر المخارج لمآزق الحياة التي لا تنتهي.
ولذا فإن وصول المرأة إلى مواقع قيادية في الحكم، وتواجدها في مراكز صنع القرار، بات ضرورة ملحة، وبالأخص في البلدان العربية، الغارقة حتى أذنيها في المشاكل.
لا يوفّق الرجل في الإدارة كما توفّق المرأة. ولليمن تجربة فريدة في هذا الاتجاه، إذ شهد اليمن أفضل عصور الازدهار والرخاء قبل الإسلام وبعده في عهدي الملكتين؛ بلقيس، التي ورد ذكرها في الكتب المقدّسة، والسيدة أروى بنت أحمد الصليحي، التي حكمت اليمن خمسين عاماً متصلة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.
يقول ألفريد آدلر المحلل النفسي المعروف:"لا يوجد أي سبب منطقي لمعارضة حركات تحرير المرأة، بل إن من واجبنا أن نؤيدها في كفاحها من أجل الحصول على الحرية والمساواة، ولأنها تبحث عن سعادة البشرية كلها، التي تعتمد على خلق الظروف المناسبة للمرأة لكي تعيش حياتها كاملة وفقاً لقدراتها، وحتى يتمكن الرجل من تحقيق علاقة هادئة سعيدة مع المرأة".
وأدّى اعتقاد الرجل الراسخ بدونية المرأة إلى ممارسته نوعاً قبيحاً من الاستغلال الاقتصادي، يُقارب في فداحته الاستغلال العبودي في العصور القديمة. ففي اليمن، تشير الإحصائيات الرسمية، إلى أن مساهمة المرأة في النشاط الزراعي تبلغ 80%، ذلك لأن الرجل في الريف يترك العمل في الأرض على عاتق النساء، وينصرف هو لشؤون أخرى، وأعمال ليست ذات مردود اقتصادي.

اقرأ أيضاً: برتقال مرّ

فإذا تمكّنت المرأة الريفية من نزع نير عبوديتها للرجل، وواتتها الظروف أن تحصل على ملكية أرض تخصّها، ويذهب ريعها لصالحها هي لا لصالح مستغلّها، فإنها حينئذ تحقّق نجاحاً عظيماً، يعجز عنه آلاف "التنابلة" من الرجال.
وأقرب مثال على ذلك، السيدة آمنة العمراني، الملقبة بملكة البرتقال، التي تملك أكبر مزارع للبرتقال في اليمن، وتميّزت بمهارة غير عادية في تسويق البرتقال محلياً، وتصديره خارجياً. وقامت الجامعة العربية بتكريمها، تقديراً لدورها الريادي في تسويق المنتجات الزراعية اليمنية.
يرتكب الرجل جرمين في حقّ المرأة، الأوّل؛ رفضه أن تكون مساوية له، والثاني؛ استغلاله لقوّة عملها. وأمّا الجرم الثالث، وهو الأكثر شناعة، فإقدام الرجل على خيانة شريكة عمره، التي ضحّت معه في بداية المشوار، والزواج من شابة صغيرة السن، يكافئ بها نفسه على نجاحه في الحياة، وفي الوقت نفسه يعاقب شريكته، بما يشبه الاستغناء عن خدماتها.
وهذه الإحالة على التقاعد – في المؤسسة الزوجية – تخلو من مكافأة نهاية الخدمة، ولا يعترف لها الشرع ولا العرف بأي حقّ في مال الزوج، الذي ساهمت في تكثيره وتنميته بقوّة عملها إبان شبابها وفتوتها. فهي تخرج صفر اليدين من الدنيا، ولا يبقى لها إلا ما يتفضّل به الزوج عليها. وها قد صارت عادة لدى الرجال في خريف العمر – إذا كانوا ميسورين – أن يكافئوا أنفسهم على الجدّ والاجتهاد أيام الشباب، بالزواج من صبايا مراهقات، ربما تقلّ أعمارهن عن أعمار بناتهم.

اقرأ أيضاً: تقرأ وتكتب

لا يقدّر الرجل حجم المأساة التي يتسبب فيها لشريكة العمر، بالزواج عليها من أخرى، إذ يحيل شريكته إلى كائن بائس معطوب، تغمره الكآبة، وتسيطر عليه الأحزان. وهذا الأذى الذي يرتكب بحقّ المرأة في مرحلة نضجها، يؤدي إلى شرور كثيرة، قد تظهر وقد تخفى، لكنها مؤكّدة الحدوث. وأهون هذه الشرور، خسارة المجتمع عنصراً مفيداً في أوج عطائه، واكتماله بتجارب الحياة. فأية فائدة تُرجى من امرأة أقصيت إلى الهامش؟ وكيف يكون بإمكانها أن تنقل خبراتها العملية في الحياة إلى الأبناء، وهي ذاتها محطمة مستضعفة، لم تنقذها حكمتها من جور الرجل، وتردّي وضعها كتابع مكسور الجناح! الذي يحدث غير معقول، لأن حكمة الأمهات لا يستهان بها، وينبغي أن تشكّل رافداً مهماً من روافد تشكيل شخصية الأجيال الجديدة، وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت الأم تحظى بكامل الاحترام والتقدير في العائلة، وحقوقها مصونة، ومساوية تمام المساواة للأب.
إن الطفل الذي ينشأ في عائلة يسيطر فيها الأب على كلّ شيء ويقصي الأم، يضعف لديه الشعور بالعدالة، وينغرس في نفسه الميل للاستبداد، والتعسف في الأحكام. ثم إذا كبر هذا الطفل، ودخل الحياة من أوسع أبوابها، فإنه لا محالة يحمل في نفسه تلك العيوب الأخلاقية المدمرة للعلاقات الإنسانية. وبما أن وازع العدالة لديه ضعيف، أو يتظاهر بالعدالة رياءً أمام الناس، فإنه يبيح لنفسه ظلم الآخرين، وسلبهم حقوقهم، وأخذ ما ليس يحق له أخذه، متبنياً في لا وعيه إستراتيجية الأب، فتراه يميل إلى الهيمنة، وجعل نفسه محور الكون. وهذا النوع من الرجال – الذين يتبنون إستراتيجية الأب المطلق الصلاحيات – يهدمون المجتمعات بنفسياتهم المريضة، وينشرون الخراب والظلم في محيطهم، ويدمرون أي شيء جميل ينمو بعيداً عن ذواتهم المفرطة في أنانيتها.
هذه الكارثة التربوية، نلمسها بوضوح في مجتمعاتنا العربية، التي تعاني من كساح مزمن في إنتاج العباقرة والمفكرين والعلماء والمخترعين، وفي المقابل لديها فائض ضخم في إنتاج المتطرفين والطائفيين والقتلة والمجرمين وسلسلة طويلة من المعتلين نفسياً. ولأجل أن يُعالج هذا الخلل في المجتمع، فإنه لا بدّ من معاملة الأم معاملة عادلة، لكي تستطيع أن تغرس في أبنائها وازع العدل. فإذا كانت محرومة من العدل، فأي خير ننتظره منها؟
(كاتب يمني)
المساهمون