بلماضي... مزيجٌ بين انضباط حليلوزيتش وتكتيك غوركيف

09 يوليو 2019
بلماضي قاد الجزائر إلى ربع النهائي (Getty)
+ الخط -
لم يكُن أشد المتفائلين، وأنا على رأسهم، يتوقع أن يظهر الخضر بهذا الوجه الطيب ويبين عن هذه القوة الكبيرة في اللعب، والاستماتة في الدفاع عن حظوظه للذهاب بعيداً في كأس أمم أفريقيا، التي تجرى وقائعها بمصر، في نسخة تُعد الأولى من نوعها بـ24 منتخبا، ولأول مرة في فترة نهاية الموسم الكروي.

الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يكابر بشأنها أو ينفيها، أن الفضل في هذا المستوى الذي بلغه رفاق القائد رياض محرز، يعود لرجل واحد، هو المدرب جمال بلماضي، الذي قلب حال المنتخب رأساً على عقب، وحوله من منتخب متهالك يفشل في الوقوف أمام المنتخبات متوسطة المستوى، فيفرض عليه زيمبابوي التعادل، وتلاعبه السنغال بفريقها الثاني، وتهزمه زامبيا ذهاباً وإياباً، ويصل به الأمر إلى السقوط أمام الرأس الأخضر على ملعبه وأمام جماهيره.

بلماضي الشاب الذي كان ترشيحه لتدريب المنتخب الوطني في مرحلة ما، محلّ سخرية من البعض، واصل عمله وطور من مستواه حتى بلغ به الأمر إلى تحقيق النتائج من دون أي هزيمة، ولم يكتف بتاريخه كلاعب بل واصل دراسته وحصل على أكبر الشهادات التدريبية، ليمنحه القدر مهمة تدريب المنتخب، بعد أن كان بعيداً كلّ البعد عنها.

العمل الكبير الذي قام به بلماضي كان ذهنياً أكثر مما هو تكتيكي أو فني، فالمنتخب يعجُّ باللاعبين لكن بأجسادهم لا بعقولهم، لذلك كانت أولى مهامه أن يعيد له الرغبة في اللعب، فالبداية كان بالدفاع عن لاعبيه، ومنح الفرصة للجميع وإعادة توزيع الأوراق، هذه المهمة قام بها مع كل اللاعبين، ثم بدأ عملية التصفية. لقد كان جمال واضحاً مع لاعبيه، أن الأماكن الأساسية غالية الثمن وليست محجوزة لأي لاعب مهما كان اسمه أو اسم الفريق الذي يلعب معه، بل حتى مستواه مع ناديه جيداً كان أم سيئاً لن يشفع له بحجز المكانة، فكانت الصدمة التي نبّهت الجميع من سباتهم، فوجد محرز نفسه احتياطياً، وجلس براهيمي يشاهد اللقاء من على خط التماس، وأبعد تايدر وبن طالب، وآخرون دفعوا ثمن عقلية جمال الجديدة.

ما فعله بلماضي يمكن اختصاره في تشبيه واحد، هو أنه مدرب بانضباط البوسني حليلوزيتش وتكتيك غوركيف، فهو من البداية قال للاعبيه إنه لا يحب وشوشة الأروقة، واجتماعات الغرف، والهمز بين اللاعبين، رفض تأخر بعض اللاعبين تحت أي حجة، ووضع توقيتاً خاصاً لكلّ تربص، مَن تأخر عنه فهو مطرود، ووضع البرامج التدريبية وحتى الهندام الذي يلبس، وجلب مختصة تغذية تُحدد لكلّ لاعب ما يجب تناوله، فأغلق باب التسيب وأوقف استهتار البعض، وأعاد عقلية الانضباط التي غابت منذ رحل طيب الذكر وحيد حليلوزيتش.

ولأن النجاح ليس مجرد انضباط، فإن بلماضي جلب معه كأي مدرب الجديد في الجانب التكتيكي، فقد ركز كثيراً على الجانب التكتيكي خلال التدريبات، ووضع عملاً مخصصاً لكلّ مشكلة، فغيّر المنظومة من الهجوم المنظم ودفاع المنطقة كما زرعها غوركيف، وأعادها إلى أصلها بالدفاع ككتلة واللعب المباشر، ركّز على نقائص بعض اللاعبين، فأسقط براهيمي كثير الاحتفاظ بالكرة ومنح الفرصة لبلايلي المباشر، وأبعد تايدر وبن طالب، وعوضهما بفيغولي وبن زية ثم بناصر، عمل كثيراً مع ماندي حتى يحافظ على تركيزه خلال التسعين دقيقة وفتح الأبواب لبلعمري، فكون فريقاً متكاملاً عبر كلّ الخطوط.

حتى نعطي لكلّ ذي حق حقه، فإن بلماضي منضبط مثل حليلوزيتش، إلا أنه قريبٌ جداً من لاعبيه أكثر من البوسني، فهو يمازحهم ويلعب معهم كأنه واحدٌ منه، ولم يهاجم يوماً أي لاعب من لاعبيه، لأن الانضباط عنده منهجية عمل وليس غروراً، وهو يركز على الجانب التكتيكي لكنه ليس متعصباً لأفكاره ويعمل بمرونة فيغيّرُ أسلوب لعبه ونهجه التكتيكي حسب معطيات كلّ لقاء، بل إنه يتفوق بسرعة بديهيته، فالرجل لم يحتج إلا للقاء واحد ليفهم أن أفريقيا لا ترضخ إلا للعب المباشر ولا فائدة من امتلاك الكرة، في حين احتاج البوسني إقصاءً مراً من الدور الأول لكأس أفريقيا 2013، ورحل الفرنسي غوركيف وهو لم يفهم ذلك بعد.
المساهمون