(كتاب ساكي 14).. الطريق نحو نهائي المونديال

05 يناير 2017
ساكي ونهاية حزينة لمونديال 1994 (Getty/العربي الجديد)
+ الخط -

ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، في ما يلي الحلقة الرابعة عشرة:

كانت نيجيريا تنتظرنا في ثمن النهائي. لم أتخيل أبداً أن هذه المباراة التي لعبت في الخامس من يوليو ستصبح واحدة من أكثر المواجهات الخالدة التي لا تصدق لمنتخبنا. لم تقف الصحافة بجانبنا قبل المباراة. هذه مجموعة من العناوين التي كتبت في (لاجازيتا ديلو سبورت) قبل اللقاء:

"إيطاليا الصغيرة. نيجيريا الكبيرة".

"إيطاليا تمتلك خوفاً باللون الأسود".

"إيطاليا في مواجهات طرزان الأسمر".

كانت نيجيريا توجت قبل المونديال بكأس الأمم الأفريقية. كنت قد قلت لمقربين لي قبلها، إن أكثر الفرق المخيفة بالنسبة لنا هي نيجيريا. أخبرتهم تحديداً "أتمنى ألا يقعوا في طريقنا". كانوا يتميزون بطول القامة والقوة البدنية والسرعة.

واجهنا نيجيريا في الواحدة على ملعب فوسكبورو. كان الأمر جحيماً حقيقياً، ولكن قبل المباراة حدث شيء غريب: كان هناك خلاف بين رئيس لجنة الحكام بالبطولة ورئيس (فيفا) جواو هافيلانج. كان الحكم الذي عين لهذه المباراة هو المكسيكي كثير الأخطاء أرتورو بريزيو كارتر. كان هافيلانج قد فاز بمنصبه بفضل أصوات الأفارقة، لهذا كنا نخشى من حدوث شيء ما خلف الكواليس.

هذا الإحساس تحول إلى واقع فمنذ بداية المباراة كان كارتر يطلق صافرته أمام أقل لعبة مثيرة للشك لصالح لاعبي نيجيريا، فيما حاولنا نحن اللعب بطريقتنا عبر الاستحواذ على الكرة مع بدء الهجمة من الخلف في وجود ألبرتيني ودونادوني بالوسط ومنطقة ضغط هجومية خانقة تضم روبرتو بادجيو وماسارو وسينيوري.

سيطرنا على الشوط الأول وأهدرنا فرصاً عديدة، ولكن عقب ركنية في الدقيقة 26 بعد خطأ فادح من مالديني سجلت نيجيريا الهدف الأول عبر أمونيكي. وجدنا أنفسنا مرة أخرى متأخرين في النتيجة، فيما أن الحكم لم يطلق صافرته لاحتساب ركلة جزاء واضحة لبادجيو.

مع بداية الشوط الثاني، كان دينو بادجيو قريباً من التسجيل. كان النيجيريون يلعبون بقسوة، لهذا أدخلت زولا بدلاً من سينيوري. كان الالتزام قوياً من اللاعبين ثم حدث شيء لا يمكن تصديقه؛ تعرض زولا للطرد عقب دخوله بوقت قليل، فيما أن الحكم لم يحتسب أكثر من مرة عدة تسللات واضحة على نيجيريا. لم يعد أمامنا حل سوى قبول أننا نلعب أيضاً ضد الحكم.

تكرر ما حدث أمام النرويج؛ نفس المأساة. اضطر موسي للعب كظهير بسبب مشكلة في ساقه فيما أن بادجيو هو الآخر كان يعاني من مشكلة في الركبة، ولكن أثناء كل هذه العقبات ساعدتنا نيجيريا دون قصد حيث أظهروا كل عيوب الكرة الأفريقية وأهمها: الفردية وعدم الاعتماد على اللعب كفريق.

نحن لعبنا كفريق بشكل أكبر على الرغم من النقص العددي والإصابات وتمكنا من افتكاك الكرة منهم وبعد سلسلة من التمريرات وضعنا بادجيو أمام المرمى. يحمل العنصر النفسي أهمية كبيرة في كرة القدم، لهذا في ظل الوضع الذي كان يعاني منه بادجيو منذ بداية البطولة، كنت قد طلبت من المدافعين في المران الذي سبق مباراة نيجيريا أن يتركوه ليراوغ لأنه لم يكن قبلها يتمكن من المرور من أحد.

كان يشعر بثقل المونديال والكرة الذهبية. حينما سجل هذا الهدف. تغيرت طريقة لعبه وأصبح يلعب بثقة أكبر. شعر أنه أكثر قوة بل ملكاً في الملعب، لكن السطحيون فقط من هم يتذكرون الأهداف ومن سجلها وليس الخمس أو ست تمريرات التي سبقتها في مرحلة البناء التي يشارك فيها الفريق بأكمله.

ذهبنا للوقت الإضافي. كان التوتر والإرهاق يسودان الأجواء. كانت هناك فرص من جانبا فقط على الرغم من أننا كنا نلعب بعشرة، ثم ظهر روبرتو بادجيو مجدداً وأرسل كرة علوية لبيناريفو في المنطقة الذي تعرض للعرقلة و.. أخيراً ركلة جزاء قبل عدة دقائق من النهاية. تقدم دي بادجيو وسجل. انتهت المعاناة!

أتذكر ما قلته جيداً في المؤتمر الصحافي عقب المباراة "الأمر لا يتعلق أبداً بالحظ، بل بالعمل واللعب والتنظيم. هذه هي الأمور التي سمحت لنا بتحقيق الفوز". هذه هي الحقيقة لأننا حافظنا على كل هذه الأمور بجانب إيماننا حتى النهاية.

إسبانيا وبلغاريا

كان يجب علينا مواجهة إسبانيا في ربع النهائي التي كانت تمكنت من إقصاء سويسرا عقب الفوز عليها بثلاثية نظيفة. لحسن الحظ لم يكن الجو مشمساً للغاية، ولكن الرطوبة كانت مرتفعة للغاية لدرجة أنك كنت تتعرق حتى ولو لم تبذل مجهوداً.

لعب الفريق جيداً وقدم كرة قدم هجومية. كنا نشعر بالإرهاق الشديد، ولكن العزيمة هي من جعلتنا نلعب بهذه القوة في ظل هذا المناخ المستحيل. تقدمنا بفضل هدف جميل من دينو بادجيو، ولكن إسبانيا تعادلت عبر كامينيرو.

كانت المباراة صعبة وندية وقبل دقيقتين من النهاية وصلت الكرة لبريتي الذي مررها لسينيوري الذي أرسلها بدوره لروبرتو بادجيو الذي انفرد بزوبيزاريتا وراوغه قبل أن يضع الهدف الثاني الذي صعد بنا لنصف النهائي.

كان الأمر مرضياً بصورة كبيرة. لحظة سعادة استثنائية. خرجت الجماهير للميادين في إيطاليا. كان الشعب يعيش ليالي إسبانيا 1972 الساحرة. كنا في قمة الحماس على الصعيد النفسي ولكن جسدياً كنا في قمة الإنهاك.

كنا نظن أننا في نصف النهائي سنقابل ألمانيا، ولكن بلغاريا كانت هي من عبرت. مرة أخرى وفي ملعب جاينتس ستيديوم، لم يكن هناك نسمة هواء. كانت درجة الحرارة قادمة من الجحيم. المباراة كانت لها أبعاد أخرى أيضاً في مواجهة بين روبرتو بادجيو وستويشكوف.

كان الشوط الأول رائعاً، حيث سجل روبرتو بادجيو هدفين في الدقيقتين 21 و25. خلال الاستراحة وضع بعض اللاعبين الثلج داخل أحذيتهم للحصول على بعض الانتعاش، بل إن أخصائي التدليك كان يمرر الجليد على ظهور آخرين، واصلنا الشوط الثاني بنفس الأداء وانتهت المباراة بهدفين لواحد وفجأة وجدنا أنفسنا في النهائي.

البرازيل

بعد الفوز على بلغاريا سمحنا لأنفسنا بارتكاب خطأ كبير. حتى تلك اللحظة كان الجميع قد أدى عملاً جيداً للغاية: الأطباء واللاعبون ومتخصصو التدليك والمعدون البدنيون، ولكن الرحلة نحو المدينة التي ستلعب فيها النهائي تستغرق من ثماني إلى تسع ساعات، وبدلاً من الرحيل مباشرة بعد المباراة توقفنا من أجل الاحتفال. بهذه الطريقة فقدنا يوماً للاستعداد ولم نتمكن من التدريب بشكل ملائم.

أتذكر شيئاً غريباً وهو أن أخصائيي التدليك بعد شهر من العمل الاستثنائي في درجة الحرارة والرطوبة المرتفعة قالوا لي بكل بساطة قبل تلك المباراة "نحن لم نعد قادرين على إيجاد عضلات اللاعبين!". خضنا يوم السبت مراناً خفيفاً قبل النهائي يوم الأحد.

لحسن الحظ استعدنا باريزي والذي كان أجرى قبلها بعشرين يوماً جراحة في الرباط الهلالي. كانت معجزة. كابيلو الذي كان يدرب الميلان حينها كان يرغب في عودته لإيطاليا، ولكن قلت للاعب " فرانكو..إذا ما تمكنت من التعافي ووصلنا للنهائي فمكانك موجود". في النهاية لم يرحل. كان سعيداً للغاية: وصلنا للنهائي وتعافى وسيشارك في المباراة. كانت له شخصية كبيرة. لم يستسلم أبداً.

كان بادجيو تعرض لإصابة في نهاية مباراة بلغاريا لذا لم أقرر، حتى يوم الأحد، إذا ما كنت سأدفع به في التشكيل الأساسي أم لا، ولكن بعد الاستشارة مع باقي أعضاء الجهاز الفني واللاعب قررت الدفع به. سألني أحد الصحافيين بعد المباراة "هل أشركته لأسباب تتعلق بالرعاة؟". لم تربطني أي صلة طوال حياتي أبداً بالرعاة أو بمسألة الواسطة.

جاء النهائي المنتظر والحقيقة أن اللاعبين تصرفوا تكتيكياً بشكل لا تشوبه شائبة. لعبنا في المرحلة الدفاعية بشكل جيد للغاية، ولكن في الهجوم كان الأداء متواضعاً بسبب الإرهاق. انتهت المباراة بوقتيها الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي وجاء موعد ركلات الترجيح. سألت الفريق من يرغب في التسديد، ولكن الصمت ساد المكان. لم يرغب أحد في تحمل هذه المسؤولية.

كان باريزي هو الأول، ولكنه أهدر أما إيفاني المتخصص فسجل وترك ماسارو تافاريل يتصدى لكرته، ولكن على الرغم من هذا فإن الكل يتذكر ركلة الجزاء الأخيرة التي سددها روبرتو بادجيو فوق العارضة.

خسرنا البطولة ولكننا كنا وصيف أبطال العالم. حدثت واقعة تسببت لي في ضرر نفسي كبير: وجدت أحد الإيطاليين يصرخ في ونحن نخرج من الملعب "فلتذهب للجحيم!" فسألته "لماذا؟ لأننا فقط احتللنا المركز الثاني؟".

نحن صارعنا وكافحنا حتى النهاية: صارعنا الحكام والمناخ والأجواء. لم نكن أقل من أي خصم من ناحية اللعب سوى البرازيل التي كانت بالفعل الأفضل في البطولة. كل ما فعلناه حاول بعضهم دفنه تحت التراب بسبب الخسارة بركلات الجزاء أمام البرازيل.

حينما وصلنا لمطار فيوميتشينو وجدنا صحافياً وقد جلب معه حقيبة من الطماطم لكي تلقيها الجماهير علينا. لم يفعل أحد منهم هذا الأمر. هذا الأمر لم يكن جديداً لأنه في مونديال 1970 وعقب العودة من المكسيك وبعد أن هزمت إيطاليا من أفضل فريق في كل الأزمنة: برازيل بيليه، استقبلت الجماهير المنتخب بالطماطم الفاسدة.

المساهمون