كل شيء كان جميلاً قبل سنتين عند التحاق ميسي بالنادي الباريسي قادماً من برشلونة، صار بعدها حلم التتويج بدوري الأبطال كبيراً بوجود النجم الأرجنتيني برفقة نيمار ومبابي، وارتفعت أسهم النادي ومداخيله، لكن مردود ميسي ونتائج الفريق لم ترقَ إلى مستوى التطلعات، وبلغ الأمر درجة التصفير على بطل العالم والمطالبة بعدم تجديد عقده من جماهير تظاهرت للتعبير عن غضبها منه، وهو لم يكن مرتاحا في فريق منحه كل شيء إلا السعادة في اللعب، لذلك رفض التجديد وراح يبحث عن البديل حتى ولو في السعودية، وهو الذي لا يزال يريد الثأر من الظروف التي أبعدته عن البارسا والعودة إلى فريق العمر لإنهاء مشواره حتى ولو براتب أقل من الذي يتقاضاه في باريس أو الهلال السعودي، أو حتى إنتر ميامي الأميركي الذي يغري زوجته وأولاده بحياة جديدة.
النادي الباريسي كان يريد تجديد عقد ميسي منذ مدة، خاصة بعد موافقة نجمه مبابي الذي صار أكثر انسجاماً معه، لكن يبدو أن ميسي لم يكن يرغب في ذلك منذ مدة، لأنه عاش كنجم أول في مشواره مع البارسا والأرجنتين، ولا يليق به أن يكون الثاني أو حتى الثالث وسط نجوم آخرين في ظروف وأجواء مغايرة لتلك التي عاشها، الى أن حانت سفرية الرياض على مدى يومين، استغل فيها عطلة كانت مقررة، قبل أن يخسر الفريق ضد لوريان بالثلاثة، ويقرر المدرب إلغاءها في آخر لحظة، لكن ميسي سافر إلى السعودية وفاءً بالتزاماته مع الهيئة السعودية للسياحة التي تعاقد معها سفيراً بعلم ادارة باريس سان جيرمان مقابل 30 مليون دولار، يقوم مقابلها بزيارة الرياض مرة في السنة للترويج للسياحة في المملكة العربية السعودية.
التعاطي الإعلامي مع الواقعة وردود فعل الجماهير الفرنسية زادت من حجم الضغوطات على النادي الباريسي، الذي اضطر للإعلان عن معاقبة اللاعب مدة أسبوعين، وبالتالي إيقاف كل مفاوضات التجديد والتركيز منذ الآن على البحث عن بديل لميسي الموسم المقبل، وربما التفكير في تغيير استراتيجية الانتدابات وكيفية التعامل مع اللاعبين، والبحث عن بدائل أخرى يجرى تداولها في وسائل الإعلام على غرار نجم دورتموند جود بيلينغهام، بول بوغبا، ميلان سكرينيار، إضافة إلى استعادة وسط الميدان الدولي أدريان رابيو من اليوفي، في انتظار إيجاد مدرب بديل عن كريستوف غالتيييه، الذي يجد صعوبة في المحافظة على لقب الدوري المحلي وتسيير غرفة ملابس صعبة ومعقدة والتعامل مع الضغوطات الإدارية والإعلامية والجماهيرية الكبيرة.
مع اقتراب النهاية الأكيدة لقصة ميسي مع باريس بشكل لا يليق بالطرفين، تشير أغلب التوقعات الى أن الـ"بي إس جي" مقبل على تغييرات عميقة الموسم المقبل، بعد فشله المتكرر في التتويج بدوري الأبطال، وفشل بعض الصفقات التي أبرمها المدير الرياضي لويس كامبوس، والتغييرات المتتالية على مستوى الإدارة الفنية التي تعاقب عليها سبعة مدربين في ظرف عشر سنوات، وتذبذب مردود نيمار الذي يرفض الرحيل، ويرفض العديد من الأندية انتدابه، من دون الحديث عن تغول مبابي الذي يريد أن يكون النجم الأول في الفريق من دون منازع، ومن دون أن يبدي استعداداً لتجديد عقده صائفة 2024، ما يشكل وجع رأس آخر للإدارة التي تسعى لبناء مشروع جديد حوله، لكن إذا قرر الرحيل فسيتغير كل شيء في فريق جعل من التتويج بدوري الأبطال هاجساً لم يقدر عليه السيتي لحد اللآن بكل "الأرمادا" التي يملكها.
أما ميسي فقد أقر بخطئه البارحة بعد أن اعتذر عن غيابه عبر فيديو مسجل، يحسب عليه ويخرجه من الباب الضيق للمرة الثانية على التوالي على وقع مشاكل أخرى، كتلك التي حدثت له مع البارسا الذي يريد بدوره تصحيح خطئه والعودة الى الواجهة الأوروبية، حتى ولو اقتضى الأمر الاستدانة والاستغناء عن عدد من الموظفين، وبيع بعض اللاعبين وتخفيض رواتب البعض الآخر بنسبة قد تصل إلى عشرين بالمائة، لأجل تحمل راتب ميسي على مدى موسمين أو ثلاثة، لكن يبقى الهلال السعودي رقماً مهماً في معادلة مستقبل ميسي الكروي من خلال عرضه المقدر بـ400 مليون دولار.
رحيل ميسي عن عن الـ"بي إس جي" صار حتمياً، لكن هل يلبس قميصه مجدداً خلال الجولات الخمس المقبلة من عمر الدوري الفرنسي؟ وهل تقبل الجماهير الفرنسية اعتذاره؟ أم أن الإدارة ستمنعه من ذلك وتفضل تجنب الغضب الجماهيري والحفاظ على ما تبقى من الاستقرار والهدوء لضمان التتويج باللقب المحلي على الأقل.