معوّقون متعلّمون... ولكن

30 نوفمبر 2016
تكمن كلمة السر في الاهتمام الذي يلقاه المعوَق(Getty)
+ الخط -
تعرف المجتمعات اليوم الكثير من حالات الأشخاص المعوّقين بصرياً أو سمعياً أو حركياً لكنهم لا يختلفون أبدا في القدرات العلمية والعقلية عن أسوياء الجسم. بل من الوارد كثيراً أن يتفوّقوا عليهم من حيث الإبداع الذي يقدمونه.

بيتهوفن مثلاً الذي أبدع في التأليف الموسيقي ما لم يبدعه الآخرون، كان أصمّ. وليس غريباً أيضاً أن يكون أحد الشباب المعوّقين سمعياً، هو نفسه مخترع جهاز خاص يساعد على التواصل بين الأصمّ ومحيطه، هذا الرجل الذي لا يحضرني اسمه الآن، درس وتعلّم ودخل أرقى الجامعات وتخرّج من الجامعة الأميركية ويدير حاليا مؤسسة خاصة في بيروت تعنى بتعليم الصمّ وتدريبهم على التواصل اجتماعيا ومعرفيا بهدف الوصول إلى ارفع المراتب العلمية.

وفي بعض الجامعات نشاهد حالات خاصة لمعوّقين بصرياً أو حركياً ممن لم تقف الإعاقة حاجزاً أمام تقدمهم العلمي. كما أن أساتذة المدارس والجامعات طوروا مهاراتهم بحيث يستطيعون مد يد العون والمساعدة والدعم النفسي لأي صاحب إعاقة يدرس ويتعلّم في الجامعة أو المدرسة، حتى الزملاء الطلاّب فإنهم غالبا ما يساعدون زملاءهم المعوّقين. لكن يأتي قبل ذلك الأهل، فالمعوّق (بأي نوع كان) لن يتمكّن من الدرس أو التحصيل أو المتابعة العلمية، ما لم يتوفّر له سند عائلي ودعم مادي ومحيط مرفّه. من يُحضره؟ من يتابعه؟ من يقوم بدور الوسيط بينه وبين المجتمع؟ إلخ...

ويحضرني هنا نموذج ستيفين هوكنغ، عالم الفيزياء النظرية الحديثة المعروف، فقد تعرض ستيفن للإعاقة في سنواته الجامعية الأخيرة لكن حالة أسرته والدعم الذي حظي به مكّنه من التعلّم في جامعة أكسفورد والحصول على درجة الشرف في الفيزياء، ثم في جامعة كامبريدج بحيث وصل إلى ما وصل إليه من علوم نظرية تبهر العالم كله.

في عالمنا العربي اليوم، ورغم صدور التشريعات الرسمية التي تقضي بـ"دمج المعوّق" في المؤسسات التعليمية كي يأخذ حقّه من التعلّم لكن الأمر يواجه صعوبات كثيرة. لا ننسى أن معظم الشرائح الشعبية تتعامل مع المعوّق بصفته "مصيبة"، وبحكم مسبق أنه لن يصل إلى أي هدف في الحياة، لذلك نشاهد ونعايش في مجتمعاتنا معوّقين مهمّشين وبحالات بائسة جدا، لا يتسع المقام لسردها والكلام عن ظروفها.

ما نود التأكيد عليه هو أن المعوّق في المجتمع، يتقدم عقليا وعلميا وتعليمياً بحسب الظروف المحيطة به، فالمعوّق الذي ينتمي إلى عائلة ثرية ومرفّهة ومرتاحة يلقى عناية واهتماما ومتابعات تفوق بأضعاف مضاعفة ما يلقاه المعوّق الفقير.

في أمكنة كثيرة رأيت بعينيّ الطفل الذي يعرج، لا يرسله أهله إلى المدرسة لأنه أعرج، وسيلقى صعوبة في المشي من وإلى المدرسة يوميا، فيكبر دون تعلّم القراءة أو الكتابة. فيما المعوّق المنتمي إلى أسرة ثرية، يحرص ذووه على إرسالهِ إلى مؤسسة تعليمية ثم جامعية ليتعلّم ويملك قدرات عقلية ومعرفية وتكنولوجية. هناك الكثير من العائلات التي انتقلت للعيش في أوروبا لتعليم أولادها المعوّقين فقط، ولمنحهم آفاقاً معرفية وإبداعية لا تتيحها مجتمعاتنا العربية بشكل واسع.

فالفتاة الصمّاء التي كانوا ينادونها في طفولتنا في الحي "تلك الخرساء أو تلك البلهاء"، تحوّلت إلى مصممة أزياء شهيرة في عاصمة أوروبية كبيرة وباتت تتقن أربع لغات، تعمل في التصميم وتعمل في الترجمة وتزوجت وأنجبت عائلة ولا تجد أي وقت للفراغ، لأن عائلتها اشتغلت عليها وساعدتها فوصلت اليوم إلى مرحلة هي التي تساعد الآخرين من خلالها.

وسؤالنا متى يتغير التفكير الجمعي العربي بحيث يعامل المعوّق بمثل ما يعامل به السويّ.. هل يحصل هذا الأمر ويتحقق؟

المساهمون