صلاح جلال.. حين يقتل الوطن "أحلامه"

25 ديسمبر 2014
الشاعر الشاب مات بعد معاناة مع التهاب الكبد الوبائي
+ الخط -

صلاح جلال، شاعر مصري شاب، كانت له حياته وأسرته وأحلامه وأعماله، لكن "فيروس سي" لم يمهله ليفرح بإنجازاته ويكمل تحقيق طموحاته، فقتله قبل أن يكمل عامه الأربعين، تروي قصته ملامح معاناة ملايين المصريين مع المرض، المنسية والمسكوت عنها عمداً.

فالشاعر المصري الشاب، لم يكد يكمل عامه الثلاثين، حتى أصيب بمرض غريب، وبعد رحلة قاسية مع إهمال المؤسسات الصحية، وخطأ التشخيص حيناً وخطأ العلاج أحياناً، اكتشف أنه مصاب بفيروس سي.

وُلد صلاح في 25 يناير 1973. في قرية مصرية، من أرياف محافظة الجيزة، وتخرج من المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، وبرع في الشعر وأبدع فيه في مرحلة مبكرة من عمره القصير، فالتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ليصقل موهبته ويحترف التعبير عن مشاعر الناس وأحلامهم.

كان يدرس دراسة تكميلية، وهو في الوقت ذاته موظف لديه عمله والتزاماته، فضلاً عن كونه زوجاً وأباً لثلاثة أبناء. أصغرهم كانت في رحم الغيب حين اكتشف مرضه. لكن لا بأس بالاجتهاد والتعب من أجل تحقيق الحلام.

تربى صلاح في قريته على حب الأرض والوطن، وعاش وطنه بقدر ما عاش فيه وزيادة، تمسك بالأمل رغم قسوة ما رماه به وطنه، وعاش الحلم في أشد لحظات حياته ظلمة ووجعاً. لم يلُم وطنه على ما رماه به من مرض، ولا ما لاقاه من إهمال. بل تمسك بحبه والأمل في غد أفضل لأبنائه حتى النهاية.. حتى مات ومات حلمه للوطن معه.

أثرت إصابته بالتهاب الكبد الوبائي على حياته كلها، خصوصاً أنه حين اكتشف الأمر، كان المرض قد نهش في جسده وسبب له أضرارا كبيرة، وزادت هذه التأثيرات السلبية بسبب خطأ الأطباء في تشخيص مرضه، ومداواته بعلاجات خاطئة.

وحين زادت شدة معاناته للمرض والإهمال، وجه لوطنه عتاب المحب، في قصيدة كتبها بالعامية المصرية، قال فيها:
"ماشي يا وطن ماشي
ومتشكر .. أنا ماشي
وعيني اللي انت أبكيتها
وما اهتميت بدمعتها
كانت بتبات وتحلم بك
ولو تزعل ما تهناشي
لكن يللا باقول لك ايه
أنا ماشي"

الخوف على مستقبل أولاده من بعده، وتأثيرات المرض على حالته وشخصيته، ومعاناته في رحلة البحث عن علاج مناسب، ومافيا العلاج على نفقة الدولة، وشح الدواء وارتفاع أسعاره، وصعوبة الوصول إليه.. أصبحت ملامح مرحلة جديدة في حياة الشاعر الشاب المريض.

كان يعرف أن له ميزة من بين قرابة 18 مليون مصري، يشاركونه أوجاع هذا المرض الخبيث، ذلك أنه يستطيع أن يعبر عن معاناتهم متعددة الأوجه.

وحاول أن ينقل للناس صوت رحلتهم القاسية مع المرض ومعاناة العلاج على نفقة الدولة، في مادة تلفزيونية صوّر فيها معاناته الخاصة مع المرض والعلاج وإهمال وتلاعب المؤسسات الحكومية.



ورغم معرفته بقرب أجله وتأخر حالته، إلا أن عطاءه لم يتوقف، بل ضاعف جهده وعمله حتى آخر أيام حياته.

شارك في ثورة يناير وهو المريض الهزيل، وكان يتحين الفرصة بين شدة المرض وأوجاعه، ليحضر بنفسه في الميدان الذي تمنى أن يجمع المصريين ليتشاركوا في بناء وطن يحترمهم ويكرمهم ويحفظ لهم إنسانيتهم وصحتهم.




توفي صلاح جلال في 20 نوفمبر 2012 بعد صراعه المرض، وترك ذاكرة جميلة وابتسامة ترتسم على وجوه كل من عرفوه حين يتذكرون ابتسامته وتفاؤله، أو عندما يستمعون إلى صوت الأمل في كلماته وأغنياته.

ربما كان من حسن حظه أنه لم يدرك ما اصطلح المصريون على تسميته "جهاز الكفتة"، فهو الشاعر مرهف الحس، الذي كان يتألم لأوجاع الناس واستهانة الحكومة بآلامهم، وفرح واحتفل حين أعلنت الحكومة يوماً عن تخفيض أسعار الدواء ليكون في متناول الفقراء من المرضى.. ما كان ليحتمل ما وصلت إليه الأمور في بلاده من تلاعب المسؤولين بحلم مريض في دواء يسكن وجعه.

وقبل أن يرثيه الآخرون، رثى الشاعر نفسه، بقصيدة مؤلمة كتبها بعد تردي حالته الصحية وقبل موته بعدة سنوات، قال فيها:

"غداً يا صلاحُ .. تجف الحروف..
وتُسلُم لله هذا القلم
.....
غداً يا صلاح يقام العزاء
ويهدى الرثاء
لروح طوتها عيون السكون
غداً يا صلاح .. غداً لن تكون"

المساهمون