اتركوا السودانيّات سليمات

07 ديسمبر 2014
تخشى الفتيات اللواتي تعرضن للختان الزواج (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
بكى محمد، وهو يتذكر اليوم الذي فقد فيه زوجته أثناء ولادتها طفلهما الأول. منذ ذلك الوقت، حسم قراره بألا يتزوج امرأة تعرضت للختان. بالرغم من أنه يؤمن بالقضاء والقدر، إلا أنه كان على يقين أن الختان عجّل بوفاة زوجته. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أكد أفرح بالطفل حتى فاجأني الأطباء بوفاة زوجتي بسبب نزيف حاد".

بحسب آخر إحصائية لـ"اليونيسيف"، فإن ثلاثة ملايين امرأة في السودان تعرضن للختان، أي بنسبة 64.4 في المائة، علماً أن السودان سجل أعلى نسبة ختان عام 1999، بنسبة وصلت إلى 90 في المائة. في المقابل، يشكك ناشطون في مجال حقوق المرأة في هذه النسبة، التي لم تنخفض برأيهم، وقدروها بـ 70 في المائة، بخاصة بعد إسقاط المادة 13 من قانون الطفل عام 2013، التي نصت على تحريم وتجريم الختان. وسبق لمجمع الفقه السوداني أن أصدر فتوى أجاز فيها ختان الإناث. كذلك، توقعت الأمم المتحدة أن تخضع نحو 86 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم لشكل من أشكال الختان، بحلول عام 2030، إذا ما استمرت معدلاته الحالية في الارتفاع.

في السياق، تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل ندى هباش لـ"العربي الجديد" إنه "تم القضاء على الحراك الكبير الذي قادته منظمات المجتمع المدني خلال الأعوام الماضية، لمناهضة ظاهرة ختان الإناث، بعد إسقاط المادة 13 من قانون الطفل. يضاف إلى ذلك ظهور أصوات معارضة للحملة، وتبنيها لآراء دينية تجيز الختان". تضيف: "كان يمكن للقانون أن يساهم في محاربة هذه الظاهرة"، لافتة إلى أنه "في الآونة الأخيرة، أقدمت قبائل لم يكن هذا العمل ضمن ثقافتها على ختان فتياتها، بعد مصاهرتها قبائل تنتشر فيها هذه العادة. بينها قبائل ولاية جنوب دارفور". مع ذلك، بدت متفائلة بعد إقدام بعض الولايات على إصدار قوانين تجرم الختان في مناطقها.

وكان المجلس القومي لرعاية الطفولة والأمومة أطلق حملة بعنوان "سليمة" عام 2008، بالتعاون مع "اليونيسيف" لمناهضة هذه الظاهرة. أما شعارها، فكان "كل فتاة سودانية ولدت سليمة دعوها تنمو سليمة". وأوضح مسح سوداني أجري عام 2010 أن 64 في المائة من الذكور يؤيدون وقف الختان، في مقابل 53 في المائة من الإناث. تجدر الإشارة إلى أن الختان في السودان يعد ظاهرة اجتماعية ترتبط بالعادات والتقاليد والنظرة الدونية للمرأة. ويعتقد السودانيون أن الختان يحمي الفتاة من الوقوع في الخطيئة.

في السياق، تقول سارة (اسم مستعار) إن "والداها قاما بختانها بعدما بلغت الـ 12 عاماً، علماً أن العائلات عادة ما تعمد إلى ختان فتياتها منذ الصغر. توضح "كان والداي يرفضان فكرة الختان، واستطاعا الصمود في وجه العادات والتقاليد حتى بلغت الثانية عشرة. لكن إلحاح العائلة، والخوف من العنوسة، قادهما في النهاية إلى ذبحي بدعوى الطهارة والعفة". تضيف: "كدت أفقد حياتي لدى ولادة طفلتي الأولى. واليوم، أشعر بالذعر كلما فكرت في الإنجاب مرة أخرى. لكنني اتخذت قراري بألا أعرض ابنتي للختان أبداً، وتحت أي مبرر" .

أما عبير (25 عاماً)، فتؤكد أن والدها هدد والدتها بالطلاق في حال أقدمت على ختانها. تضيف: "عادة ما أتعرض للسخرية والشتائم من قبل بعض أفراد أسرتي، بالرغم من أن جميع أفراد العائلة لم يختنّ". تتابع: "أحد الرجال الذي أراد الارتباط بي اشترط أن أُختَن. لكنني رفضت". أما أم كلثوم، التي تؤيد الختان بشدة، فتقول إنها "قامت بختان جميع بناتها لحمايتهن من الوقوع في الخطيئة". وأردفت "الأمر ليس جديداً".

كثيرة هي الأضرار الجسدية والنفسية الناتجة عن الختان، وقد تتسبب أحياناً في موت الفتاة. في هذا الإطار، تشرح الطبيبة النسائية هناء عبد الرازق أن "الختان عملية جراحية تُجرَى بطريقة تقليدية لدى قابلة قانونية، وعادة ما تتم في منزلها"، مضيفة أن "الخطورة تكمن في كون القابلة قد لا تهتم بتعقيم الأدوات، علماً أن القابلات يقسمن بعدم ممارسة الختان". تلفت إلى أن نساء كثيرات يعانين من التهابات البول طيلة حياتهن بسبب تعرضهن للختان. أكثر من ذلك، عادة ما يعانين أيضاً من مشاكل أثناء الولادة، أو يضطررن للبقاء في السرير لأيام عدة بعد الإنجاب. ويكون الوضع أكثر صعوبة إذا ما أردن الإنجاب مرة ثانية". وتشير إلى أن الختان يؤدي إلى "برود جنسي لدى المرأة".

أما المتخصصة في علم النفس ناهد جبرالله، فتلفت إلى أن آثار الختان "ترافق المرأة طيلة حياتها". تصفه بأنه "جرح دائم في الروح والجسد". تضيف: "تبدأ المعاناة بفعل الصدمة التي تتعرض لها الطفلة، وهي تُقاد لتُرتكَب بحقها هذه الجريمة، بالإضافة إلى الصدمة النفسية الناتجة عن الألم، ثم العذاب نتيجة عملية الختان بحد ذاتها". توضح: "عادة ما تخشى الفتيات اللواتي تعرضن للختان الزواج وممارسة الجنس. كذلك، لا تتمتع المرأة بحياة جنسية سليمة، ما يجعلها عرضة للاكتئاب والقلق، وعادة ما تكون سريعة الغضب".

المساهمون