والمعلّمون في الأردن الذين يصل عددهم إلى 120 ألف معلم، يصنَّفون من أبناء الطبقة الفقيرة، لا سيّما أنّ متوسط حجم الأسرة في الأردن يقدر بخمسة أفراد، ما يعني أنها تقف عند خط الفقر إذا كان دخلها الشهري 700 دولار، وهو معدّل رواتب المعلّمين في المدارس الحكومية. وقد تسبّب تراجع دخل المعلّم بالمقارنة مع مهن أخرى في تراجع مكانته الاجتماعية.
وكانت المحكمة الإدارية قد قررت، صباح أمس الأحد، وقف تنفيذ إضراب المعلمين إلى حين البت في دعوى قضائية مرفوعة من قبل اثنين من أولياء أمور الطلبة ضد مجلس نقابة المعلمين، ووزير التربية والتعليم.
الاستجابة لمطالب المعلمين هو الحل
وحذّر الباحث في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من انفجار اجتماعي في الأردن، إذا لم تعمل الحكومة على تحسين الوضع المعيشي للمواطنين. وأشار إلى أن القضايا التي تأتي في إطار النزاعات الاجتماعية يجب أن تستجيب لها الحكومات، وتتعامل مع مطالب المحتجين بكثير من الحساسية، لأن القرارات الإدارية لا تحل مثل هذه الإشكاليات.
وتساءل الباحث أحمد عوض: حتى لو اتُخذ قرار بحل النقابة، أو حبس جميع أعضاء مجلس النقابة، هل هذا يغير من واقع التفاوت الاجتماعي، ويحقق مطالب المعلمين ويرفع مظالمهم؟
وأوضح "أن مثل هذه الحلول لا تنهي الأزمات، بل تُبقيها قائمة، والحل يكمن في الاستجابة لمطالب المعلمين الذين يشكلون تقريبا ربع موظفي القطاع العام"، مشيرا إلى أن الحياة التعليمية معطلة في الأردن، والمطلوب من الحكومة الاستجابة للمطالب، والابتعاد عن الضغوط التي يمكن أن تُمارس بأدوات قانونية أو إدارية.
وتابع "ما حدث ورافق هذا الإضراب درس للجميع، خاصة العاملين الفقراء، والفئات التي تعاني من التفاوت الاجتماعي الكبير، في ظل الإنفاق الحكومي الكبير على أبواب كثيرة لا تستحق مثل هذا الإنفاق، في حين أن الحكومة شحيحة على العاملين"، منبهاً الحكومة إلى مخاطر عدم تحسين الظروف، وداعياً إلى قراءة ما حدث خلال الشهر الماضي.
من جهته، قال الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، لـ"العربي الجديد"، "إنّ أي جهة تتخذ قراراً، سواء الحكومة أو النقابة، يجب أن تفكر في نتائج هذا القرار. فمن السهل اتخاذ قرار، لكن يجب أن تدرس نتائجه قبل اتخاذه، إن كان لصالح العملية التربوية والمجتمع فسيكون صائباً، أما إذا لم يحل المشكلة ويخلق العديد من المشاكل فما الفائدة منه؟".
وتابع "كان هناك حوار بين الطرفين، ولكن عندما ينفرد طرف باتخاذ قرار مثل فرض العلاوات من قبل الحكومة، فهو لا يكون حلاً، بل سببا في مشاكل جديدة"، معتبرا أن أي قرار من طرف واحد هو تعميق للأزمة وليس حلا لها.
وأشار إلى أن قرار المحكمة الإدارية خلق انقساماً في المجتمع، وبين النقابات، وداخل النقابة الواحدة. وبعد القرار يتساءل المواطنون، وجميعهم مع سيادة القانون، هل نحن دولة قانون لتذهب الحكومة باستعجال إلى المحكمة؟ مع العلم أن الحكومة قبل يوم من القرار كانت منشغلة بالوساطات. وقال عبيدات: "حكم القانون ليس مهماً، بل تنفيذ الحكم". وتساءل: إذا لم يلتزم المعلمون بالقرار، وتم حبسهم، هل الوضع سيصبح أفضل؟
وعن إعلان الحكومة أنها ستعوّض المعلمين المضربين بخريجين جدد، وفق ما يُعرف بـ"التعليم الإضافي"، ردّ عبيدات: إذا كانت الانتقادات توجه للمعلمين الحاليين، فكيف سيكون الحال عندما تأتي بمعلمين بدون خبرة، وغير مدربين؟
الحكومة افتعلت الأزمة
بدورها، قالت المحامية والناشطة الحقوقية هالة عاهد، لـ"العربي الجديد": "إن "قرار المحكمة الإدارية هو قرار مستعجل، وليس قرارا نهائيا بفك الإضراب، وهذا القرار لا يقول إنه لا حق للمعلمين الإضراب أو أن الإضراب غير قانوني، أو مخالف للمعاير الدولية".
وأضافت "القرار لا ينفي حقيقة أن مطالب المعلمين مشروعة، وأن عدم استجابة الحكومة لهم خلال السنوات السابقة ومنذ بدء الأزمة هي مشكلة افتعلتها الحكومة وساهمت في التأزيم والتصعيد، وجعلت المعلمين في مواجهة الطلبة، أي جعلت حقوق المعلمين بالعيش الكريم في الميزان مقابل حق الطلبة في التعليم، وهذا خلل في المعالجة، وله آثاره السلبية على المجتمع".
وتابعت "الحكومة عن وعي أو غير وعي لم تأخذ الآثار المستقبلية للقرار في الحسبان على العملية التربوية. ومن المعروف أن حق الطلاب في التعليم مكفول ومحفوظ، لكن وفقا للمعاير الدولية لا يعتبر القطاع التعليمي من القطاعات الحيوية التي يحظر فيه الإضراب أو يقيد".
واعتبرت أنه رغم استياء البعض من تمسّك المعلمين بحقهم في الإضراب، الذي يمس حق أبنائهم في التعليم، لكن المواطنين يرون أن الحكومة غير قادرة على إدارة ملفاتها، وفي هذا الملف خصوصا هناك حالة تخبّط مع استخدام أسلوب شيطنة المعلمين، وهذا ساهم في تخفيض شعبية الحكومة، والتي هي في أدنى مستوياتها.
ورأت أن الزجّ بالقضاء في مثل هذه الأزمة يؤثر سلباً على ثقة المواطنين، الذين ينظرون إلى القضاء على أنه عنوان للعدالة.