أطفال من آباء أجانب في ليبيا

09 مارس 2019
هل هم ضحايا؟ (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
تُعدّ قضية الليبيات المتزوجات من أجانب قضية مفتوحة لم تتوقّف الجهات الحقوقية والحكومية عن إثارتها، بسبب تزايد المطالب لإيجاد حلول لها، خصوصاً أنها متعلقة بمصير أطفال ولدوا نتيجة الزواج من أجانب، وقد أصبحت أمراً واقعاً. وتستمر المأساة في الجنوب بسبب ارتباط ليبيات بأفارقة هجروا زوجاتهن.

تقول ربيعة سالم، الناشطة من مرزق جنوب البلاد، والمتزوجة من تشادي كان يقيم في المدينة: "الظاهرة باتت واقعاً، ويتوجّب التعامل معها، وخصوصاً أن هناك أطفالاً"، مرجحة أن عدد الحالات المماثلة تجاوزت الخمسين في مرزق ومحيطها. وتقول ربيعة لـ"العربي الجديد" إنّها قدّرت وجود هذا الرقم "بسبب مجموعة مغلقة أنشأها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي تجمع المتزوجات من أفارقة، وتتحدّث كل واحدة منهن عن قصّتها وتجربتها وأوضاعها الحالية"، لافتةً إلى أن العدد تقريبي، كما أنها ليست متأكدة مما إذا كانت النساء في مجموعتها من مرزق فقط أم من مناطق أخرى أيضاً.




وترفض ربيعة الحديث عن قصص النساء الأخريات "كونها خصوصيّة لا يمكن الكشف عن تفاصيلها لدواعٍ اجتماعية". وتؤكد أن مصلحة الأحوال المدنية أعربت لهن عن أسفها بسبب عدم وجود قانون يمكن أن يحفظ حقوق أطفال هؤلاء النساء.

وتكشف ربيعة أنه "خلال السنوات القليلة الماضية، كانت هناك أعداد غير قليلة من أبناء عموم قبائل ليبيّة قدموا من النيجر وتشاد، واحتُضنوا أملاً في توطينهم في ليبيا لأهداف سياسية. تزوج غالبيتهم، لكن الاقتتال اضطرهم للرجوع إلى بلدانهم وترك زوجاتهم يواجهن مصيراً غامضاً". وتشير إلى أن المشكلة الكبرى هي الأطفال الذين وُلدوا نتيجة هذه الزيجات. وتوضح أن بعض الأطفال قد تجاوز عمرهم خمس سنوات، وما زالت أوضاعهم غير قانونية. وتسأل ربيعة: "كيف يدرسون وهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية في الدولة؟ وكيف سيعيشون مستقبلاً؟". وتوضح أنّ كل الظروف الحالية تؤكد أن مصيرهم يشبه مصير أطفال الشوارع في دول عدة.

بدورها، تقول آسيا معمر، وهي محامية ليبية، إن قضية الليبية المتزوجة من أجنبي تختلف من حالة إلى أخرى. وتوضح أن "القانون يمنح الزوجة حق التفاوض للحصول على الجنسية الليبية لأبنائها من أجنبي إذا توفر عقد زواج قانوني. لكنّ غالبيّة نساء الجنوب تزوجن من أفريقي بناء على عقد عرفي، ما يصعّب المشكلة". تضيف: "حتى لو مضى بعض الوقت، لا يمكن لهذه المرأة التقدّم بطلب للطلاق لأنه لا يوجد ما يُثبت الزواج أساساً".

وتؤكّد آسيا أن الأمر طارئ بحكم القانون، ويتوجّب على الجهة التشريعية في ليبيا النظر فيه وإصدار لوائح استثنائية، مشيرة إلى أن الأوضاع العسكرية في الجنوب الليبي قد تؤخر الأمر بشكل كبير، ما يضاعف مشكلة أطفال هؤلاء النساء. وتقول آسيا: "يعتبر المجتمع في الجنوب أزواج هؤلاء النساء غزاة ومرتزقة قادمين من وراء الحدود، والموقف منهم ما زال معقداً. بالتالي، لا يمكن الاعتراف بأوضاع أطفال النساء بشكل قانوني". وتلفت إلى أنّ أوضاع النساء مهدّدة، فـ"لولا الحماية الأسرية والقبلية لدى هؤلاء النساء، لأصبحن مطاردات، ويصير وجودهن غير مقبول أسوة بأزواجهن. وقد يسألن: لماذا تزوجتن من مرتزقة؟".




وتوضح ربيعة أن البعض يخاطب سفارات بلدان أزواج الليبيات بهدف تسوية أوضاع أطفالهن. وتؤكد أن النساء يخشين تسفير الأطفال وإلحاقهم بآبائهم. في المقابل، ترى آسيا أنه حتى في حال شرّعت الدولة قانوناً يخصّ تبني هؤلاء الأطفال، إلا أن مشاكل عدة ستواجه القانون، منها الحواجز الاجتماعية والنفسية التي سيعيشها الطفل. وتقول: "هذه الزيجات فاشلة بكل معنى الكلمة. تكررت هذه الحالات في السابق وهرب الزوج بعد مدة وترك الزوجة وأبناءها يواجهون مصيراً قانونياً غامضاً، لا سيما بعدما يكتشف أن الزوج من ديانة أخرى". وتشير إلى أن القانون الليبي يسمح بزواج الرجل من ديانة أخرى، لكنه لا يسمح للمرأة بالزواج من غير المسلم. وتسأل: "ما الذي يثبت الآن أن مَن تزوج من إحدى هؤلاء النساء مسلم، خصوصاً أن الأديان متعددة في بعض دول الجوار الأفريقي". تضيف: "أعتقد أن أطفال هؤلاء النساء انضموا إلى معاناة النساء المتزوجات من عربي أو أجنبي، وما من حلول حتى الآن على الرغم من الاختلاف المتمثل في عدم امتلاك نساء الجنوب الليبي عقد زواج، ما يصعب القضية".
المساهمون