موجات الحرّ تجتاح دولا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

03 يوليو 2024
تعد موجات الحرّ من بين أكثر الأخطار الطبيعية فتكا، في 2024 (فرانس برس، Getty)
+ الخط -

تجتاح موجات الحرّ مناطق من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا الصيف

تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية في بعض دول المنطقة

أصبحت موجات الحر أكثر سخونة وتواترا وأطول أمدا بسبب تغيّر المناخ

تجتاح موجات الحرّ مناطق من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا الصيف، حيث تجاوزت خلالها درجات الحرارة 40 درجة مئوية في بعض دول المنطقة، وسط تحذيرات متواصلة من "ظروف مناخية صعبة". ومن بين تلك الدول تونس، مصر، ليبيا، العراق وسط مخاوف من حرائق الغابات جراء ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق.

موجات الحرّ أكثر الأخطار الطبيعية فتكا

وتعد موجات الحرّ من بين أكثر الأخطار الطبيعية فتكا حيث يموت آلاف الأشخاص لأسباب مرتبطة بالحرارة كل عام، وفقاً لتقارير أممية. وقد صرح خبراء المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بأن التأثير الكامل لموجات الحرّ غالبا ما يكون غير معروف إلا بعد أسابيع أو شهور.

من جهته، قال الخبير التونسي في مجالي البيئة والمناخ حمدي حشاد: "نحن في انتظار أن تكون سنة 2024 السنة الأكثر حرارة على الإطلاق، بعد أن سجلت السنة الماضية 2023 الأعلى على مستوى درجات الحرارة وكذلك يوم السادس من شهر يوليو/تموز حيث بلغ معدل درجة حرارة الأرض حدود 17.23 درجة (أعلى من المستويات الطبيعية)، والآن نحن تقريبا بصدد متابعة الوضع ويمكن خلال هذه الفترة الصيفية تسجيل درجات قياسية لم نسجلها من قبل".

وذكر حشاد أن المنطقة العربية بأكملها تقريبا تعاني من ندرة المياه، وحذر من أن درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن تشكل ضغطا إضافيا على الموارد المائية وتبخر مياه السدود مثل ما حصل في المغرب وتونس خلال الأسبوع الماضي". وذكر أن تونس سجلت في 17 يونيو/ حزيران معدل تبخر من السدود بلغ 0.6 مليون متر مكعب في يوم واحد، كما سجل المغرب معدلا قريبا جدا من ذلك.

وأضاف "درجات حرارة مرتفعة تمتد على حيز زمني طويل من شأنها أن تشكل إجهاداً مائياً كبيراً يعني أن تساهم في ارتفاع الطلب على المياه وكذلك ارتفاع الطلب على الكهرباء وهو ما سيشكل تحدياً للحكومات لتلبية الاحتياجات الأساسية للمستهلك، وبالتالي بعض الدول ستكون في مأزق وستضطر إلى قطع الكهرباء خلال الفترات التي تكون فيها درجات الحرارة مرتفعة".

حرّ قائظ في تونس وليبيا

وسجلت تونس في بداية الشهر الحالي أرقاما قياسية تجاوزت 49 درجة في مناطق وسط تونس وجنوبها. وفق ما نشره المعهد الوطني للرصد الجوي، الذي أكد "تسجيل أرقام قياسية جديدة للحرارة في القيروان (وسط)، حيث بلغت الدرجة القصوى اليوم 49.2 درجة، وكذلك بمدينة قبلي (جنوب غرب) 49.3 درجة".

ويسعى الناس في ظل الحرّ القائظ إلى تخفيف شدة الحرارة من خلال شرب المشروبات الباردة والتوجه إلى النوافير العامة وحمامات السباحة والشواطئ. غير أن آخرين ليس لديهم القدرة على التمتع بهذه الامتيازات، ولا يمكنهم تخفيف شدة الحر إلا من خلال رش الماء على أنفسهم. لكن علماء يقولون إن رش الماء يكون فعالا فقط عندما تكون درجات الحرارة أقل من 35 درجة مئوية.

وعبَر المواطن الليبي وليد أبو صلاح عن قلقه من ارتفاع درجات الحرارة. وقال أبو صلاح وهو على البحر إلى حيث يفر من الحر في مصراتة: "ارتفعت درجة الحرارة أكثر مقارنة بالسنوات الماضية، فأن تصل مدينة ساحلية على البحر إلى 47 درجة فالموضوع أضحى مخيفاً وواضحة جداً تداعيات التغير المناخي".

الحرّ وانقطاع الكهرباء في مصر والعراق

وفي دول أخرى، مثل مصر والعراق، يعاني السكان من انقطاع الكهرباء الذي زاد بسبب الأحوال الجوية القاسية.

مرة واحدة يومياً على الأقل، تتوقف محرّكات المراوح وأجهزة التكييف والثلاجات عن العمل في مصر مع انقطاع التيار الكهربائي، فيعمّ الغضب بين المصريين وسط درجات حرارة تزيد عن الـ40 مئوية منذ أكثر من شهر. تتوقف المصاعد وتُلغى الاجتماعات أو يعاد تحديد مواعيد لها مع عودة الكهرباء للعمل بعد ساعة أو اثنتين. 

وتقوم الحكومة المصرية بقطع الكهرباء بانتظام منذ عام بسبب أزمة طاقة مصحوبة بشحّ في العملات الأجنبية أدّى الى عدم توافر الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء. كانت فترات الانقطاع في البداية تصل إلى ساعة واحدة وأحيانا أقلّ، ولكن مع زيادة الفترة في ظل موجات متتالية من الحرّ الشديد، ارتفعت وتيرة الانتقادات الموجهة للحكومة المصرية.

وليست الإجراءات الهادفة إلى خفض استهلاك الوقود على المستوى نفسه في كل أنحاء البلاد. ففي مدينة أسوان الواقعة في جنوب البلاد وحيث وصلت درجات الحرارة الى أكثر من 50 مئوية في الظل الشهر الماضي، "تُقطع الكهرباء لمدة أربع ساعات يوميا ما يؤدي إلى انقطاع المياه أيضا" بسبب توقّف محركات الدفع، بحسب ما يقول طارق المقيم غرب أسوان، لوكالة فرانس برس.

ويضيف الرجل الذي طلب استخدام اسم مستعار خشية تعرضه لمضايقات، "في القرى على وجه الخصوص، ليست هناك مواعيد محددة أو منتظمة لقطع التيار. الطعام يفسد في الثلاجات والناس يصابون بإجهاد حراري... ومع ذلك لا أحد يبدو مهتما".

وكانت النائبة البرلمانية عن مدينة أسوان ريهام عبد النبي، قالت إن العشرات توفوا بسبب الإجهاد الحراري. وطالبت باستثناء مدينتها من خطة قطع التيار التي "تهدّد المواطنين بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة".

في القاهرة حيث راوحت درجات الحرارة عموما ما بين 40 و45 مئوية في الظل خلال الأسابيع الأخيرة من الشهر الماضي، تنقطع الكهرباء كذلك في مواعيد غير منتظمة وغير معلنة سلفا. وقال المصري طارق حمادة: "هذه السنة الجو نار وكأننا دخلنا جهنم، ربنا يعينّا على قطع الكهرباء، خاصة في ظل وجود أطفال، وليست لدينا القدرة على شراء مكيفات، نسأل الله أن يخفف عنا الحر".

أما العراق، فيدخل موسم موجات الحر الصيفي القاسي، حيث تصل درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية، في وقت لا تزال مشكلة الكهرباء التحدي الأكبر للحكومة العراقية التي تواجه ضغط الشارع كل صيف.

موجات الحرّ تحمل بصمة واضحة لتغير المناخ

وأصبحت موجات الحر أكثر سخونة وتواترا وأطول أمدا بسبب تغيّر المناخ. وكشفت نتائج سابقة توصل إليها علماء من شبكة World Weather Attribution إلى أن موجة الحر زادت 1.2 درجة مئوية في المتوسط ​​على مستوى العالم عما كانت عليه في أوقات ما قبل الثورة الصناعية.

وأفاد علماء المناخ بأن موجات الحرّ تحمل بصمة واضحة لتغير المناخ. ووفقا لدراسة للشبكة تم نشرها العام الماضي: "لولا تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، لكانت هذه الأحداث الحرارية نادرة للغاية. ولو لم يقم البشر بتسخين الكوكب عن طريق حرق الوقود الأحفوري، لكان من المستحيل تقريبا تسجيل درجات حرارة قصوى".

ويتجه العالم الآن لمسار سيجعل درجات الحرارة ترتفع 1.5 درجة مئوية في ثلاثينيات القرن الحالي.

وكان الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، البروفيسور بيتيري تالاس قد أكد مرارًاً أن الطقس المتطرف - الذي يتكرر حدوثه بشكل متزايد في مناخنا الآخذ في الاحترار - له تأثير كبير على صحة الإنسان، والنظم البيئية، والاقتصادات، والزراعة، وإمدادات الطاقة والمياه. مشدداً على الحاجة الملحة المتزايدة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بأسرع ما يمكن.

(رويترز، فرانس برس، الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون