إيطاليا غاضبة والضحايا مهاجرون ومنظمات إغاثة

15 اغسطس 2017
"أطباء بلا حدود" من المنظمات المتهمة(كارلو هيرمان/فرانس برس)
+ الخط -
ضاقت إيطاليا ذرعاً بتدفق المهاجرين عبر البحر إلى أراضيها، ما دفعها إلى إقرار مدونة سلوك على سفن منظمات الإغاثة تضيّق عليها عملها، وتجعلها ضحية تنضم إلى الضحايا من المهاجرين الغرقى أو المبعدين إلى ليبيا

مع عدم استجابة الاتحاد الأوروبي لصرخة إيطاليا بالحصول على المساعدة اللازمة وبقاء قراراته حبراً على ورق لناحية إعادة توجيه سياسة المهاجرين، انفجرت روما غضباً في وجه منظمات الإغاثة والإنقاذ البحري غير الحكومية في المتوسط، طالبة منها الانصياع إلى مدونة قواعد سلوكية، وإخضاع عملها للمراقبة بالترافق مع استمرار تجار البشر في نقل الأرواح بواسطة سفن متهالكة الى الضفة الأوروبية.

بدأ تكريس القرارات الجديدة بالعمل على تأمين حضور كبير لخفر السواحل الليبي ممن تدربوا خلال المرحلة الماضية، في المياه الإقليمية، بهدف اعتراض السفن الأجنبية التي تشارك في إنقاذ المهاجرين، على أن تعمد إيطاليا لتقديم المساعدة الفنية واللوجستية. وقد تحدثت المنظمة الدولية للهجرة أخيرا عن اعتراض أكثر من 1100 مهاجر منذ يوم الجمعة قبل الماضي وسوقهم إلى مراكز الاحتجاز الليبية في ظروف غير إنسانية، وذلك بعد اعتماد المهمة التي أقرها البرلمان الإيطالي عبر السماح للبحرية الإيطالية بالوصول إلى الحدود الليبية والتصدي للمهاجرين. وقد رفضت منظمة "برو آيزول" الألمانية المهتمة بحماية المهاجرين هذه الإجراءات مطالبة بوقفها كونها تشكل خرقاً للقانون الدولي. وأوضح مسؤول الشؤون الأوروبية في المنظمة كارل كوب أنّ هناك توزيعاً للعمل بين إيطاليا وليبيا إذ تتولى البحرية الإيطالية محاصرة الموانئ الليبية فيما يسحب خفر السواحل الليبي قوارب المهاجرين ويعيدهم إلى الحجز، وهذا لا يمكن وصفه إلاّ أنّه احتقار لكرامة الإنسان".

وتنص مدونة قواعد السلوك على طلب لوائح بأسماء المتطوعين والمنقذين لدى المنظمات والممولين، بعدما سرت الاتهامات والشائعات في حقها، وأنّ البعض من المنظمات متواطئ أو على اتصال بتجار بشر في ليبيا وأنّ سبل تمويلها مبهمة. هذه القضية هي واحدة من القضايا التي طرحت أمام المحققين في مدينة كاتانيا في صقلية. يشير الإيطاليون إلى أنّ عدداً من سفن الإنقاذ لا يشغّل أجهزة الرصد كما يلزمها القانون، ولا يمكن تحديد مكانها في البحر.

هذا الأمر استدعى معارضة من قبل عدد من تلك المنظمات بينها "سي ووتش" و"قارب الحياة" و"إس أو إس البحر المتوسط" بحجة عدم حصولها على ضمانات كافية خصوصاً مع تواجد عناصر إيطاليين بسلاحهم على ظهر السفن وهذا ما ينهي حياديتها، ما يؤدي إلى التضييق على عملها.

تجدر الإشارة إلى أنّ المنظمات ترفض في الوقت نفسه تعاون إيطاليا مع خفر السواحل الليبي لأنّ الأخير متواطئ مع مهربي البشر. وهو ما يؤكده مهاجرون جرى إنقاذهم بحسب عدد من لجان الإنقاذ. وتعتبر منظمات الإغاثة والإنقاذ والجمعيات الإنسانية المشاركة، ومن بينها "أطباء بلا حدود" أنّ من المثير للسخرية أن يصبح إنقاذ الأرواح البشرية تهمة، مشيرين إلى أنّ هذا العمل هو في صلب اهتمامات المنظمات والمؤسسات الدولية وليس القطاع الخاص.

وترتكز المنظمات في ردّها أيضاً على أنّ من يجري إنقاذهم هم أشخاص وجدوا في عرض البحر في حال حرجة، وبذلك، يجب ألاّ تكون المنظمات كبش فداء، وهي التي أنقذت حياة الآلاف، منددة بما يجري الحديث عنه في التحقيقات التي تجريها السلطات الإيطالية مع منظمات غير حكومية بينها "أطباء بلا حدود" واتهامها أنّها عمدت إلى إنقاذ مهاجرين من البحر لم يكونوا في حال الخطر.

يشار إلى أنّ هذا الموضوع مثار جدل قانوني، انطلاقاً من كون المهاجرين الذين يجري إنقاذهم في المياه الإقليمية الليبية وليس المياه الدولية لا بدّ من إعادتهم إلى ليبيا، بينما تعتبر المنظمات وموظفو الإغاثة أنّ المطلوب عدم إعادتهم، وذلك لأسباب إنسانية، مشيرين إلى الوضع الكارثي لمعسكرات المهاجرين في ليبيا.

كذلك، كشفت تقارير صحافية أوروبية أنّ بعضاً من السفن تعرض إلى إطلاق النار. ومنعت جماعة "جيل الهوية" اليمينية المتطرفة التي تضم في صفوفها مواطنين من ألمانيا وإيطاليا والنمسا وغيرها من الدول الأوروبية انطلاق سفن الإنقاذ، وعرقلوا عملها بحجة أنّها تلعب دوراً أساسياً في جذب المهاجرين. وهو ما وصفه خبراء في علم الاجتماع بأنّه وصمة عار على جبين الغرب، فالمطلوب برأي هؤلاء الالتزام بمبادئ ومعايير القانون الدولي، فوقف عمل منظمات الإنقاذ التي لم توقّع على مدونة السلوك لقواعد سفن الإنقاذ التي فرضتها إيطاليا سيتسبب بازدياد أعداد الغرقى من المهاجرين وهذا ما سيرتب الكثير من المسؤولية على أوروبا.

يعتبر مراقبون أنّ من أسباب تشدد السلطات الإيطالية وطلبها تنسيق عمليات الإنقاذ مع حكومة فايز السراج التي لا تسيطر إلاّ على جزء صغير من البلاد، شعور روما أنّ الاتحاد الأوروبي تخلى عنها في أزمة الهجرة.

بدورهم، يشير خبراء أمنيون ألمان إلى أنّ الإرادة السياسية بين الزعماء الأوروبيين مفقودة، والاتحاد الأوروبي منقسم على نفسه، والمطلوب اتخاذ قرارات جريئة لوقف الكارثة في إيطاليا، والسيطرة على الممر الرئيس للمهاجرين ومكافحة شبكات التهريب، وأنّ على أوروبا أن توحّد جهودها وتعمد إلى توسيع مهمة صوفيا والاستعانة بعدد أكبر من السفن والطائرات لإحكام السيطرة على تلك المنطقة، أي أن تكون مجهزة ببنية متكاملة عديداً وعتاداً من شرطة وجيش وفرق إغاثة، خصوصاً مع عدم امتلاك الطرف الليبي إمكانية تعاون جدي في ظل تناحر المليشيات والانقسام السياسي، مع عدم إمكانية الاعتماد أداء وفعالية خفر السواحل الليبي بالرغم من التدريبات والمعدات التي حصل عليها.

المساهمون