"المنفخجية" يتحكمون بسكان مناطق سيطرة النظام السوري

19 يوليو 2024
المياه من الأساسيات المستغلة من قبل المنفخجية (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

تعيش أحياء في مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري ترهيباً مستمراً يتجلى في فرض "المنفخجية" إتاوات على التجار والمواطنين والتحكم بالمياه والسلع الأساسية، ليعيش الأهالي معاناة يومية.

تشهدُ أحياء في العاصمة السورية دمشق تضييقاً ممنهجاً بحق السكان، وحصاراً يحرمهم العديد من الخدمات الأساسية، على رأسها مياه الشرب. كذلك تشهد أحياء في محافظة اللاذقية ودير الزور ومدن أخرى في البلاد ظروفاً مشابهة، جراء ممارسات ضباط في جيش النظام السوري يطلق عليهم سكان هذه المناطق اسم "المنفخجية". والمفارقة بحسب سامر المحمد (اسم مستعار لأحد سكان منطقة المزة 86 في دمشق ويتحدر من مدينة اللاذقية)، أن مجموعة من الضباط يبتزون سكان الحي من خلال قطع المياه عن الشبكة لإجبارهم على شرائها بأسعار باهظة، فضلاً عن ابتزاز أصحاب محال السمانة ومنع بعض السلع الأساسية  أو مصادرتها، أو إجبارهم على دفع إتاوات لإدخالها إلى الحي، ومنها حليب الأطفال. يقول علي جعفر، وهو مواطن آخر من سكان الحي ومتحدر من ريف حماة، في حديثه لـ "العربي الجديد": "هربنا من بطش الشبيحة في مناطقنا، إلا أننا صدمنا بوجودهم في كل مكان في سورية، ولا مجال للفرار من سيطرتهم". يضيف: "ينتقل هؤلاء العناصر من الخدمة في الساحل إلى دمشق لتصيّد الفرص الأكبر في العاصمة، فالمجال هنا مفتوح أكثر للابتزاز في ظل السيطرة الأمنية وإحكام القبضة على المحافظة. ويستطيعون أيضاً التخلص من سيطرة رؤوس المجموعات النافذة المقربة من السلطة، والذين يحاصرون الجميع في المدن الساحلية، حتى عناصر الجيش".
ولا تختلف الظروف في منطقتي عش الورور وجبل ركن الدين عن المزة 86، حيث يواجه السكان المعاناة نفسها، وكأنّ "قاطني تلك المناطق من المغضوب عليهم"، كما تصف وفاء ز. التي فضلت عدم البوح بكنيتها لدواعٍ أمنية. وتؤكد في حديثها لـ "العربي الجديد" أنهم "من بيئة فقيرة من الريف الغربي لمدينة طرطوس، وقد هاجر والدها إلى دمشق بعدما التحق بصفة رقيب ضمن صفوف الجيش السوري عام 1998، فيما فرض عليهم السكن في جبل ركن الدين بسبب وظيفة والدتها".
وتتحدث وفاء عن معاناة أسرتها وسكان منطقتها. وتقول: "نعاني منذ أشهر من تضييق شديد في خدمة المياه، ويتولى العاملون في الشبكة بأمر من العناصر الأمنية القاطنين في منطقتنا التحكم بضخ المياه إلى المنازل، ما يضطرنا إلى شراء المياه بأسعار قد تصل إلى خمسين ألفاً لمائة ليتر من المياه". كذلك تشهد أسعار المواد الغذائية الأساسية في المحال والبسطات ارتفاعاً يعزوه أصحاب المحال إلى تسلط هؤلاء العناصر عليهم وفرض إتاوات للسماح لهم ببيعها، كما تقول. خلال فترة الاحتلال العثماني، كان في كل حي من أحياء دمشق من يطلق عليه لقب "المنفاخ" أو "المنفخجي"، وهو شخص يعيش على فرض الإتاوات على التجار والمقتدرين من سكان الحي، وسُمي المنفاخ لأنه كان يتقدم نحو هدفه نافخاً صدره ومتحدثاً باستعلاء ومتباهياً بسطوته التي يستمدها من دعم الكراكون (قسم الشرطة) والجندرما له. ولأن القادمين الجدد يستمدون سطوتهم من كونهم عناصر في الأمن والجيش، فقد عادت هذه التسمية مجدداً لتطلق عليهم من قبل بعض سكان هذه الأحياء.

ولا يختلف حال بعض الأحياء ومناطق محافظة اللاذقية الساحلية عنه في دمشق، باستثناء أن التسلط يطاول حتى العسكريين، ومعظم المتحكمين هم من مجموعات تابعة للمقربين من السلطة في دمشق. وتُعاني مناطق بسنادا وتشرين وسقوبين وسنجوان والدعتور والرمل الشمالي والفاروس والمشروع والصليبية والعوينة أزمة مياه حادة، ولا تتوافر مياه الشرب لأكثر من ربع ساعة في حد أقصى كل عشرة أو خمسة عشر يوماً، كما تقول مصادر "العربي الجديد" في اللاذقية.
في هذا السياق، يقول علي الحمود، وهو مدرس متقاعد من منطقة العوينة لـ "العربي الجديد"، إنه "عندما نحاول الاعتراض على وضع مياه الشبكة، نُحاصَر بالتهديدات، وقد نعاقب لأيام بتعمد قطع حتى مياه الصهاريج التي نشتريها بمالنا". يضيف: "كي تبقى على قيد الحياة، يجب أن تظل صامتاً وراضياً بما يرغب فيه هؤلاء المتحكمون. وقدّم مساعد في الجيش شكوى ضدهم فأبرح ضرباً وهو عائد إلى الحي". ويوضح: "باتوا يحاربوننا حتى بالسكر والمتة والمواد الأساسية. بأيديهم وحدهم زمام الأمور. هم من يمسك التجارة ويتحكم بالأسعار. ولو قدر لهم التحكم بالهواء الذي نتنفس لما توانوا عن ذلك".
وفي دير الزور حكاية أخرى، إذ تفرض حواجز النظام والمليشيات الرديفة إتاوات على سيارات نقل قوالب الثلج في مقابل السماح بنقلها إلى الأهالي في تلك البقعة الحارة من سورية، بالإضافة إلى سرقة القوالب من السيارات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر القالب ليصل إلى 25 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى الأهالي الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويقول خليل المحمد من منطقة الميادين لـ "العربي الجديد"، إن الأمر لا يقتصر على قوالب الثلج، بل تعدى ذلك إلى تسلط حواجز الفرقة الرابعة على معامل الحليب والأجبان والألبان وفرض إتاوات تصل إلى 200 مليون ليرة على كل شاحنة من شاحنات المعامل التي تنقل المنتجات إلى دمشق والمحافظات الأخرى، ما دفع بعض أصحاب المعامل إلى إغلاقها. 
يضيف: "بالنسبة إلى شاحنات الدجاج والأغنام، تفرض الحواجز إتاوات مالية وعينية عليهم، ولا يجرؤ سائق الشاحنة على الاعتراض خشية الاعتقال والتنكيل". وعلى الرغم من كل ذلك، تستمر الإهانات والذل اليومي، وتسللت كلمة المنفخجي إلى كامل بقاع الأرض التي يتحكم فيها هؤلاء، ولكن يبقى هذا المصطلح ضمن حدود السرية.

المساهمون