هيام من مخيّم إلى آخر

13 فبراير 2017
يؤمّن لها بعض المدخول (العربي الجديد)
+ الخط -
منذ أبصرت النور، وجدت هيام بكر نفسها لاجئة تعيش في مخيّم حندرات للاجئين الفلسطينيين، شماليّ حلب. وقبل أربع سنوات، رأت نفسها تلجأ إلى لبنان، وقد تدهورت الأوضاع الأمنيّة في سورية. اليوم، تعيش المرأة الثلاثينيّة مع زوجها وأولادها الثلاثة في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، غربيّ بيروت.

"كُتِب على الفلسطينيين أن يظلوا في رحلة لجوء مستمرة، يتنقلون من مكان إلى آخر". هذا ما تقوله هيام، مضيفة أنّها لم تتوقّع أن تصل بها الحال إلى ما هي عليه اليوم. وتخبر أنّ أهلها تركوا فلسطين بعدما هجّرهم الاحتلال الصهيوني من حيفا، فاستقرّوا في حلب. من جهتها، هجّرتها حرب سورية التي تقضي على الحجر والبشر. فرأت نفسها وقد تركت بيتها الذي تهدّم وحياتها التي اعتادتها، وانتقلت إلى مكان آخر تبحث فيه عن سقف ورزق وعمل وأمان.

في حلب، لم تعد هيام تملك شيئاً، ولم تعد تفكّر بالعودة إلى سورية إلا إذا استتب الأمن نهائياً. فأهلها تركوها كذلك، بينما خسرت أخاها في السجون السورية. تقول: "على مدى سنتَين، كنّا ممنوعين من السؤال عن أخي المعتقل. فجأة، اتصل أحدهم بنا وأبلغنا بإمكانيّة ذلك. توجّهنا إلى حيث يُفترض أن نذهب، فأعطونا بطاقة هويته ومفاتيح سيارته وأوراقها، ثم أخبرونا بأنّه مات إذ كان ضعيف البنية".

بعد اندلاع الحرب، ضاقت السبل بزوج هيام الذي يعمل في مجال صيانة المصاعد. فتوقّف عن العمل، وقرّر اللجوء إلى لبنان للبحث عن آخر. رفضت أن تدعه لوحده، فرافقته. بداية، وصلا إلى مخيّم البداوي (شمال). فيه، سكنا مع أولادهما (وهم فتاتان وصبيّ) لمدّة سنة كاملة. لكنّهما قرّرا الانتقال منه على خلفيّة المشاكل الأمنية التي يتعرّض لها المخيّم، وغيرها من مشاكل. وراحا يبحثان عن مكان آخر يوفّر لهما الأمن والاستقرار، فتوجّها إلى بيروت. استقرّ بهما الحال في منزل متواضع استأجراه في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين.

وجد الزوج عملاً في مجاله، لكنّ راتبه لا يكفي لسدّ احتياجات المنزل. المصاريف كثيرة، من إيجار المنزل الذي يبلغ 250 دولاراً، وبدلات المياه ومولد الكهرباء وغيرها من خدمات. كذلك، ثمّة مصاريف تتعلّق بتعليم البنت والابن الأكبرَين، إذ إنّ الصغرى لم تبلغ سنّ الدراسة بعد. فرأت هيام ضرورة البحث عن عمل تستطيع من خلاله مساعدة زوجها في تلبية مصاريف العائلة. تقول إن "التطريز هواية، لكنّني أستطيع تأمين بعض المدخول منه. أطرّز على القماش وأعمل في شكّ الخرز بالإبرة، وما أحتاجه تؤمّنه لي لجان المرأة الفلسطينية. أقوم بمعظم عملي هذا في البيت، من دون أن أتقاضى راتباً ثابتاً. وأحصل على أتعابي إن بيعت لوحات عملت عليها". تضيف أنّ في آخر دورات معرض بيروت الدولي للكتاب، قبل شهرين تقريباً، "بيعت لي لوحتان. كنت سعيدة جداً بذلك. والآن نجهّز لمعرض بمناسبة يوم المرأة العالمي وعيد الأم".

وتشير هيام إلى أنّ "هذا لا يكفي. فانتسبت قبل خمسة أشهر إلى مركز للتدريب على التزيين النسائي، وصرت أتعلّم هذه المهنة. بعد الانتهاء من الدورة التي تستمرّ عاماً دراسياً كاملاً، سوف أباشر العمل في المهنة. هي مطلوبة من قبل النساء، وهكذا أستطيع مساعدة زوجي بطريقة أفضل".

إلى ذلك، تشكو هيام من تشتّت أهلها، "كلّ منا صار في مكان مختلف، في بلد مختلف. وخسرنا شهداء في الحرب وخسرنا منزلنا. نعيش اليوم في انتظار أن تنتهي هذه الحرب. لكنّها، لن تنتهي ربّما". تضيف: "في حلب، كانت مخيمات للاجئين الفلسطينيين، لكنّ تلك المخيمات خسرت أهلها ومنازلها. بيوتها دمّرت، ورحل عنها أهلها، كلّ في طريقه". وتسأل: "كيف السبيل إلى العودة في حال استقرّ الوضع الأمني؟". تتابع: "أرغب في العودة إلى سورية وإلى حلب بالتحديد. أرغب في العودة إلى مكان ولادتي. لكنّ شيئاً لم يتبقّ لنا. إلى أين أعود؟". وتشدّد: "أعود في حالة واحدة فقط، إذا استتبّ الأمن نهائياً وأعيد بناء بيتي".

المساهمون