خان الشيح الأقرب إلى الوطن

13 اغسطس 2016
غادر كثير من سكان المخيم (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
يمثل مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين في غرب العاصمة السورية دمشق، نموذجاً لما يمكن اعتباره استهدافاً ممنهجاً للمخيمات الفلسطينية في سورية. فالاستهداف شبه يومي، انضمت إليه الطائرات الروسية أخيراً، بعدما أمطرته طائرات النظام بالبراميل المتفجرة طوال سنوات. هذا الاستهداف أدى إلى تهجير معظم سكان المخيم، وتدمير أكثر من نصف منازله.

من جهتها، أصدرت فصائل المعارضة السورية، أخيراً، بياناً عقب غارة روسية قتلت رجلاً مسناً وأصابت 4 آخرين من أبناء المخيم، أكدت فيه أنه لا وجود في المخيم لأيّ مقر عسكري أو مظاهر مسلحة. وطالبت بتحييد المدنيين عن الصراع، وتعهدت لأهالي المخيم بالحفاظ على سلامتهم من خلال عدم الظهور داخل المخيم بشكل مسلح، وعدم دخول السيارات العسكرية إليه.

وكان أهالي المخيم أكدوا بدورهم على هذه النقطة في عدة بيانات أصدروها تدعو الى تحييده عن الصراع الدائر في سورية، مشددين على أنّه خال من أي مظاهر عسكرية.

على الرغم من هذا الوضع، لا يكاد يمر يوم واحد من دون استهداف المخيم بالغارات الجوية أو القصف المدفعي، فضلاً عن عمليات القنص والاختطاف التي تستهدف أبناءه خلال محاولاتهم التنقل إلى أشغالهم أو مدارسهم وجامعاتهم. فالمخيم يخضع لحصار شبه كامل، يستثنى من معابره طريق فرعي خطر (طريق خان الشيح – زاكية)، التي تستهدف باستمرار بالقذائف والرشاشات الثقيلة.

قتل عدة أشخاص في أغسطس/ آب الجاري وأصيب آخرون بالاستهداف المتكرر. كذلك، وثقت مجموعات حقوقية مقتل خمسة لاجئين فلسطينيين من أبناء المخيم في يوليو/ تموز الماضي بغارات الطيران الروسي على وسط المخيم. يومها دمّرت الغارات مركز حماية الطفل التابع لمؤسسة "جفرا" بشكل شبه كامل، وألحقت أضراراً جسيمة بمنازل المدنيين، وهو ما شجبته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) التي أشارت الى أنّ ألف طفل كانوا يترددون على هذا المركز لممارسة نشاطات تعليمية وترفيهية.

يقع مخيم خان الشيح على بعد 27 كلم إلى الغرب من العاصمة دمشق، بالقرب من الأطلال القديمة لخان يحمل الاسم نفسه كان يستخدم كمنامة للقوافل التجارية بين دمشق وجنوبها الغربي. وقد استقبلت المنطقة الدفعات الأولى من اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة العام 1948، ومعظمهم من الأجزاء الشمالية في فلسطين، حيث تأسس المخيم عام 1949 على 69 دونماً.
حصل العديد من أبناء المخيم على درجات جيدة من التعليم. ويعمل بعضهم مدرسين وموظفين في الخدمة المدنية، أو مزارعين وعمالاً في المزارع والورشات الصناعية المجاورة.

قبل انطلاق الثورة السورية، وصل عدد أبناء المخيم إلى نحو 25 ألف شخص، جلهم من الفلسطينيين (خلافاً للمخيمات الأخرى التي قد لا تتجاوز نسبة الفلسطينيين فيها النصف). بقي منهم اليوم ما بين 10 آلاف و12 ألف شخص.

بعد الثورة، بقي المخيم بعيداً عن الأحداث، فيما شهدت مناطق قريبة منه تظاهرات مناوئة للنظام. ومع عسكرة الثورة، استقبل المخيم نازحين من المناطق المجاورة مثل داريا والمعضمية، ثم من التجمعات الفلسطينية التي شهدت قصفاً وعمليات قتالية مثل اليرموك والسبينة والحجر الأسود. وبلغ توافد النازحين ذروته في منتصف العام 2012، ليصل عددهم إلى نحو خمسين ألف شخص، جرى استيعابهم في المدارس والبيوت والمزارع. وتشكلت في المخيم آنذاك العديد من الجمعيات والمنظمات الإغاثية التي عملت على خدمة النازحين. لكن، أعقب ذلك دخول قوات النظام الى المخيم عبر نصب حاجز وتمركز دبابات وجنود وسط شارعه الرئيسي، فيما كانت بعض المناطق المجاورة تشهد بدايات لنشاط عسكري لقوى المعارضة التي هاجمت بعض نقاط النظام.

ومع مطلع عام 2013، وبعد تصاعد عمليات المعارضة المسلحة، انسحب النظام من المخيم، وأغلق طريق خان الشيح- دمشق، واستعاض عنه السكان بطريق أوتوستراد السلام الموازي، قبل أن يغلق هو الآخر، ويستعاض عنه بطريق فرعية طويلة وخطرة هي طريق زاكية.
ومنذ الأشهر الأولى لعام 2013، بات المخيم عرضة للقصف اليومي تقريباً، خصوصاً بالبراميل المتفجرة، ما تسبب في هجرة معظم سكانه والنازحين إليه.

وقد وثقت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية سقوط 177 قتيلاً من أبناء المخيم قضى معظمهم بالقصف، كما قتل 23 منهم تحت التعذيب في سجون النظام.

يثير الاستهداف المبالغ فيه للمخيم المحدود المساحة، والخالي من الوجود المسلح، والقليل الأهمية من الناحية العسكرية، تساؤلات حول الهدف الحقيقي من القصف. يقول ناشطون إنّ الهدف قد يكون تفريغ المخيم من سكانه، وتدميره نهائياً، في إطار خطط لإنهاء الوجود الفلسطيني في سورية، وإحلال مجموعات أخرى مكانه تساند النظام على أساس طائفي، فضلاً عن إرضاء إسرائيل التي من بين ما يهمها في التطورات السورية إبعاد التجمعات الفلسطينية القريبة. ولا يبعد مخيم خان الشيح أكثر من 60 كلم عن فلسطين المحتلة، وكان من بين أبنائه دائماً من انخرط في الكفاح المسلح الفلسطيني خلال العقود الماضية.

دلالات