نكبة اليرموك عاصمة الشتات

13 اغسطس 2016
لم يبقَ لها الكثير من مخيمها (الأناضول)
+ الخط -
مخيم اليرموك، في جنوب العاصمة السورية دمشق، أكبر تجمع للفلسطينيين خارج فلسطين المحتلة. لطالما وصف بأنّه عاصمة الشتات الفلسطيني، خصوصاً أنّه خلال العقود الماضية كان حاضنة للحركة الوطنية الفلسطينية، وعنواناً للنضال. منه برزت معظم القيادات الوطنية الفلسطينية، وهو ما حمّله رمزية كبيرة بالنسبة للفلسطينيين.

المخيم، الذي أنشئ عام 1957، كان فيه قبل الثورة السورية عام 2011 نحو مليون شخص، من بينهم نحو 220 ألف فلسطيني. كما ضمّ أربع مستشفيات، وأكبر عدد من المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وباستثناء بعض الحارات القديمة، لم يكن اليرموك يحمل شيئاً من صفات "المخيم"، فقد تحول إلى مدينة مزدهرة استقطبت كبار التجار في دمشق الذين افتتحوا فيه فروعاً لمحلاتهم، بالنظر إلى القوة الشرائية الكبيرة لسكانه، ورخص أسعار البضائع فيه نسبة إلى مناطق دمشق الأخرى.

مع اندلاع الثورة السورية، حاولت قوى شتى تجنيب المخيم التداعيات، خصوصاً مع تحوّل الثورة إلى العمل العسكري. لكنّ ذلك فشل بسبب موقع المخيم الذي يتبع إدارياً إلى مدينة دمشق، ولا يبعد عن مركزها أكثر من 8 كيلومترات. من هنا جاء حرص قوات المعارضة على دخوله، واستماتة قوات النظام في منعها من تجاوزه.

بدأت معالم مأساة اليرموك ترتسم عندما سقطت في الثالث من أغسطس/ آب 2012 عدة قذائف هاون في حي الجاعونة وسط المخيم القديم، وذلك قبيل أذان المغرب في شهر رمضان. مات في القصف أكثر من عشرين شخصاً من بينهم أطفال. ثم جاءت الضربة الأكبر في السادس عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2012 حين استهدف الطيران الحربي السوري مركز إيواء مسجد عبد القادر الحسيني، ما تسبب بسقوط نحو 200 شخص بين قتيل وجريح.

هذه الغارات دفعت السكان إلى البدء بالمغادرة. نزح عشرات الآلاف منهم إلى شوارع وضواحي دمشق ولم يسمح لهم بعد ذلك بالعودة إليه أبداً. كما توالت بعدها مغادرة السكان بالرغم من الحصار الجزئي الذي فرضته قوات النظام والفصائل الفلسطينية الموالية لها، بدءاً من 18 ديسمبر/كانون الأول 2013، حتى الحصار التام اعتباراً من 18 يوليو/ تموز 2014، بعدما غادر نحو 90 في المائة من السكان. ولم يبق فيه يومها أكثر من 20 ألفاً ممن لم تسعفهم ظروفهم على الرحيل، إمّا لأنّهم مطلوبون أمنياً، أو لأنّهم من السكان الأشد فقراً ممن لا يقوون على استئجار منازل خارج المخيم.

ومن بقوا في المخيم ذاقوا أقسى أنواع العذاب نتيجة عدم توفّر أبسط مقومات الحياة، مما اضطرهم إلى تناول النباتات السامة وذبح القطط والكلاب من أجل البقاء على قيد الحياة. حصد هذا الحصار حياة نحو 186 شخصاً خصوصاً مع النقص الشديد في الرعاية الطبية، بعد تدمير معظم المرافق الصحية ومغادرة الطواقم الطبية المخيم.



لم يقتصر الحصار على منع دخول الدواء والطعام، بل عمد النظام السوري إلى قطع المياه عن سكانه بشكل كامل اعتباراً من يوم الثامن من سبتمبر/ أيلول 2014، وكذلك الكهرباء والاتصالات. هذا الحصار لم يقتصر على المخيم، بل شمل مجمل مناطق جنوب دمشق المتاخمة لليرموك، مثل الحجر الأسود ويلدا وببيلا وبيت سحم. وكانت هذه المناطق تضم مئات الآلاف من السكان قبل عام 2011.

لم تنجح كلّ الجهود والمبادرات، التي طرحت في تحييد المخيم وإعادة سكانه إليه، أسوة ببعض المناطق الأخرى، لأسباب غير معلومة حتى الآن، مع اعتقاد راسخ لدى معظم سكان المخيم بأنه لو أراد النظام جدياً اجتياح المخيم وإخضاعه إلى سيطرته، لفعل ذلك خلال ساعات، خصوصاً بعد سنوات من الحصار المفروض عليه.

ولعلّ ما يفسّر سياسة النظام هذه ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بقوة وبشكل مفاجئ في هذه المنطقة المحاصرة، وسيطرته خلال فترة قصيرة على مناطق واسعة من جنوب دمشق بما فيها المخيم، بالتعاون مع جبهة النصرة في البداية، قبل أن يختلف الطرفان في وقت لاحق، ويدخلا في صراع دموي ما زال مستمراً للسيطرة على المخيم.

وقد تسبّب دخول التنظيم إلى المخيم وسيطرته عليه في أبريل/ نيسان 2015 إلى مضاعفة معاناة سكانه، ما دفع نحو 14 ألفاً منهم من أصل 20 ألفاً إلى مغادرته إلى المناطق المتاخمة له. ولم يبق فيه اليوم أكثر من 6 آلاف شخص يفتقرون إلى كلّ مقوّمات الحياة.

تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 1300 من أبناء المخيم قتلوا نتيجة القصف والاشتباكات أو تحت التعذيب، فيما دمّر نحو 40 في المائة من مبانيه، خصوصاً في محاور الاشتباك في الجزء الشمالي المتاخم لحيي الميدان والزاهرة الدمشقيين.