كل شيء كان مختلفاً

20 مارس 2016
صاروا يجمعون المال لشراء السجائر (رسم: أنس عوض)
+ الخط -
على امتداد السنوات الماضية، نزح الكثير من السوريين إلى لبنان. بين هؤلاء أطفال كان للحرب تأثير كبير عليهم. لا يعرف بعضهم ماذا حلّ بآبائهم، وإذا ما كانوا قد قتلوا أو اعتقلوا أو غير ذلك. أيضاً، وجدوا أنفسهم يهربون من مكان إلى آخر، فيما اضطر البعض للعمل لتأمين لقمة العيش في أماكن نزوحهم. تغير شكل المستقبل تماماً بالنسبة إليهم.

في لبنان، كثيراً ما تلتقي بأطفال صغار يبيعون العلكة أو البسكويت وغيرها على الطرقات بعدما نزحوا وعائلاتهم من سورية إلى لبنان، بحثًا عن الأمان. إلا أنهم فقدوا طفولتهم خلال بحثهم عن عمل.

هم ثلاثة أطفال يبيعون العلكة على الكورنيش البحري جنوب مدينة صور (جنوب لبنان). يسيرون جنباً إلى جنب، ويبيعون العلكة للمارة. لا تتجاوز أعمارهم الـ 12 عاماً. مع ذلك، لا يتردّدون في سحب السجائر من علبة اشتراها أحدهم جراء بيعه العلكة. بعدما كان هؤلاء الأطفال يبيعون العلكة لمساعدة أهلهم في تأمين المصاريف الأساسية، صاروا يجمعون المال لشراء السجائر.

أحد هؤلاء الصبية كان يضع السيجارة في فمه، ويبدو وكأنه رجل ناضج. ليس الأمر تسلية بالنسبة إليه في الوقت الحالي. على ما يبدو، لا ينوي الاقلاع عنها. هم خليل ومحمد وحسن، وكانوا قد قدموا من حلب هرباً من الحرب التي جعلتهم يخسرون كل شيء. فقدوا بيوتهم وآباءهم وطفولتهم. وصارت السجائر بالنسبة إليها بمثابة متنفس، هم الذين لا يجدون وقتاً حتى للعب.

يقول خليل: "هربنا من حلب بعدما قُصف منزلنا وتوفي والدي. لم نعد نملك شيئاً في حلب. اضطررت وعائلتي المؤلفة من والدتي وأخوتي للمجيء إلى لبنان. وكوني الأكبر سناً، وليس لنا معيل بعد وفاة والدي، اضطررت للعمل. لكن الأمر ليس بهذه السهولة. بحثت طويلاً من دون أن أجد أي عمل، فاخترت بيع العلكة على الكورنيش البحري. هناك تعرفت على محمد وحسن، وصرنا نبيع العلكة مع بعضنا بعضاً. مع الوقت، فكرت بالتدخين تشبّهاً بالكبار". يضيف: "أدخن علبة خلال النهار، ولا أفكر بالإقلاع عن التدخين. عندما أدخن، أشعر وكأنني في عالم آخر. أتحول إلى رجل حقيقي. وأنا كذلك بمجرد أنني صرت معيلاً لأهلي".

محمد وحسن نزحا إلى لبنان أيضاً هرباً من القصف في مدينتهما حلب. لا يعرفان شيئاً عن والديهما حتى الآن. لا يعرفان إن ماتا أم ما زالا على قيد الحياة. الأكيد أنهما في عداد المفقودين.

يروي محمد (12 عاماً) قصة هروبه من حلب. بعدما فقد والده واقتاده أحدهم إلى جهة مجهولة لا يعرفها وعائلته، وفقدوا الأمان، اضطروا للنزوح من حلب إلى لبنان، واستقروا في مدينة صور. من هذا المكان، بدأ حياة جديدة، وصار يبيع العلكة على الكورنيش البحري. هو أيضاً بدأ التدخين بهدف تقليد الأكبر سناً، وصار هذا الأمر بمثابة هروب من قساوة الدنيا غير آبه بصحته. يقول: "أنا كبير جداً، والتدخين لا يؤذي الكبار".

لا يعرف حسن (11 عاماً) شيئاً عن والده. كلّ ما يذكره أنه خرج إلى عمله ولم يعد حتى اليوم، وقد مر على غيابه ثلاث سنوات. بعد فقدانه بوقت قصير، خافت والدته من البقاء في حلب، وقررت النزوح إلى لبنان. قصدوا مدينة صور واضطر إلى العمل لمساعدة والدته في تأمين احتياجات العائلة، لافتاً إلى أن الجمعيات لا تساعدهم بما فيه الكفاية لناحية تأمين الطعام أو الملابس أو حتى المسكن الملائم. يضيف: "لم أستطع الالتحاق بالمدرسة بسبب الحاجة المادية. لذلك، قررت العمل في بيع العلكة". وعلى الكورنيش البحري نفسه، تعرّف إلى محمد وخليل، وبدأ التدخين علماً أنه يدرك جيداً أن عائلته تحتاج إلى المال. يقول : "أتعب كثيراً طوال النهار خلال العمل. أسعى إلى بيع العلكة لتأمين مصاريف عائلتي الأساسية. أشعر بأنني تجاوزت عمري بسنوات. لكنني أتمنى العودة إلى سورية وألتقي بوالدي وأعود إلى مدرستي. أشتاق إلى الحياة هناك، فقد كان كل شيء مختلفاً".

اقرأ أيضاً: النرجيلة.. ظاهرة للتسلية تُعاند قرارات منع التدخين
المساهمون