العطلة الصيفية في الأردن... خيارات صعبة للأهالي

11 يوليو 2024
من بين مطالب الأهالي في الأردن تدريب الأطفال على مهن معينة (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

في وقت ترحّب عائلات في الأردن بالعطلة الصيفية التي تتراوح فترتها من 70 يوماً في المدارس الحكومية إلى 85 يوماً في المدارس الخاصة، يرى البعض أنها تشكل عبئاً عليها، خصوصاً تلك التي تصنَّف باعتبارها ذات دخل مادي محدود، ولا تملك فائضاً من المال والوقت يسمح لها بأن تلبي رغبات أطفالها التي لا تنحصر في رحلات أو نزهات أو مشتريات معيّنة، بل بالإفادة من العطلة لتنمية مهارات الأبناء وإشغالهم بتنفيذ أعمال وأنشطة توفرها نوادٍ صيفية بدلاً من البقاء في المنازل ومشاهدة التلفزيون واستخدام الهواتف الخليوية للتسلية والتلهي.
ويحدد المستوى الاقتصادي للعائلات خياراتها، فيحظى أولاد أصحاب الدخل المرتفع بترفيه على مستوى عالٍ في النوادي الصيفية، أما من ينتمون إلى عائلات ذات دخل محدود فلا يملكون فائضاً من المال، ويقضون عطلتهم في مشاهدة شاشات التلفزيون والأجهزة الإلكترونية المتوفّرة أو في اللعب في شوارع وأزقة. عموماً، تغيب مظاهر كانت اعتيادية عن العطلة الصيفية في الأعوام السابقة، خاصة في المدن عندما كان يعمل العديد من الفتيان خلال العطلة مع ذويهم وأقاربهم في حال امتلكوا محلات ومطاعم وورش النجارة والحدادة وتصليح السيارات.

وتتحمّل الأمهات العبء الأكبر في متابعة الأبناء خلال العطلة الصيفية، سواء كنّ عاملات أم ربّات بيوت. وتقول رشا جميل، وهي موظفة حكومية وأمّ لثلاثة أبناء يتابعون تعليمهم في مدارس رسمية حكومية، لـ"العربي الجديد": "الخيارات صعبة ومحدودة خلال الإجازة الصيفية. يحتاج الأولاد إلى رقابة دائمة خاصة أولئك في سن المراهقة، ووضعنا المادي لا يسمح لنا بإلحاقهم بنوادٍ صيفية". تضيف: "أمنياتنا أن تساهم العطلة الصيفية في تنمية المهارات، وأن تنشئ المدارس الحكومية أندية صيفية للطلاب من أجل إكسابهم مهارات رياضية، أو إخضاعهم لتدريبات على مهن معينة مثل النجارة او الخدمات الفندقية لتشجيعهم على تحمل أعباء الحياة مستقبلاً، وأن يجري الاتفاق مع محلات لتشغيلهم بمبالغ رمزية تساعدهم مادياً، وربما تجعلهم يحبون فكرة الالتحاق بمهن خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة في البلاد".
من جهتها، تقول ليندا حداد، وهي موظفة في القطاع الخاص، لـ"العربي الجديد": "لا تمثل العطلة الصيفية أي مشكلة، بل تشكل فرصة لإكساب الأطفال مزيداً من المهارات، سواء في الرياضة أو تعلّم اللغات والموسيقى، وتشكل العطلة فرصة للأبناء والعائلة لإجراء رحلات إلى مناطق سياحية، من دون أن تعكّر الواجبات المدرسية استمتاع الأبناء بها".
أما محمود العبادي، وهو موظف وأب لأربعة أبناء، فيُخبر "العربي الجديد" أنّ زوجته تتولى مسؤولية رعاية الأبناء الذين تزداد مشاجراتهم في العطلة الصيفية. ويلفت إلى أنّ أبناءه يقضون معظم وقتهم أمام شاشة التلفزيون أو في اللعب على الأجهزة الإلكترونية. وفي بعض الأحيان يلعبون كرة القدم مع أصدقائهم. ويتمنى أن تفتح الحكومة التي تتحدث طويلاً عن التعليم المهني والتقني، باب تدريب الأطفال على ممارسة بعض المهن البسيطة مثل كهرباء البيوت والسباكة والبلاط وغيرها، وأيضاً تدريبهم على الألعاب الرياضية الجماعية. وإذا تبين أن الطفل مبدع في مجال معيّن يمكن توجيهه إليه.
بدورها تقول مرام أحمد، وهي أم لطفلة وطفل، لـ"العربي الجديد": "أحاول بالدرجة الأولى إبقاء الأطفال بأمان فأحرص على عدم تعرّضهم لمكروه". تضيف: "أنهت ابنتي الصف الخامس الابتدائي وابني الصف الثالث الابتدائي، وسيلتحقان بأحد النوادي الصيفية الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم كما يحصل في كل عام". وتتمنى أن تراعي الحكومة ظروف العائلات المحدودة الدخل وتوفر نواديَ صيفية أو تنظم نشاطات للطلاب خلال هذه الفترة كي لا يجد الأهالي أنفسهم بين أمرَينِ أحلاهما مرّ مثل تسجيل الأبناء في النوادي الصيفية، أو تركهم في المنازل من دون رقابة وعناية أو للعب في الشوارع.

الصورة
لا يلتحق أطفال كثيرون بنوادٍ صيفية بسبب قلة الإمكانيات (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
لا يلتحق أطفال كثيرون بنوادٍ صيفية بسبب قلة الإمكانيات (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

من جهتها، تقول أستاذة علم النفس التربوي الدكتورة خولة القدومي لـ"العربي الجديد": "العطلة الصيفية روتينية، ويمكن  الحديث دائماً عن حلول وتوجهات ونصائح للأهل، لكن الظروف تتحكم في خياراتهم مع الطلاب. وفي المدارس الخاصة هناك نوادٍ صيفية، لكن تكاليفها مرتفعة ولا تقل عن 300 دينار (420 دولاراً) للطالب الواحد، وهذا مبلغ كبير على غالبية المواطنين خاصة من لديه أكثر من طفل".
تضيف: "لا تنظم المدارس الحكومية مراكز صيفية لذا تغيب النشاطات التي تلبي الطموحات. العطلة الصيفية في المدارس الحكومية هي عطلة للمعلمين، وإذا طلب منهم الإشراف على نوادٍ صيفية يتطلب ذلك دفع بدل هذا العمل وهذا أمر مكلف".
وتقترح خولة أن يعمل الفتيان خلال العطلة الصيفية وتقول: "لا ينبغي سواء تربوياً واجتماعياً أن يحرم الأطفال بين 12 و18 سنة من العمل في عدد من المهن مقابل أجر يومي يساعدهم في سد احتياجاتهم وأسرهم شرط الوثوق بالقدرات الذهنية والبدنية للطفل وتوافقها مع شروط العمل في بيئة آمنة تخضع لرقابة مديريات العمل ووزارة التنمية الاجتماعية، وتلحظ حصول الطفل على موافقة من والديه على العمل، وعلى تصريح عمل مؤقت ضمن عدد ساعات محددة، مع وصف طبيعة العمل الذي يجب أن ينفذه وقيمة الأجر اليومي في الساعة، وأن يشمله التأمين الصحي". تتابع: "سيوفر ذلك مصدر دخل ولو محدود للطفل وأسرتي، ويسمح له باستكشاف بيئة العمل ومتطلباتها وملاءمة ذلك مع ما لديه من اهتمامات ومواهب، كما أن عمل الطفل في بيئة مناسبة يحميه من الانخراط في نشاطات غير مناسبة بتأثير رفاق السوء، ويمنحه فرصاً للانضباط وممارسة المسؤولية بوعيٍ". وتعلّق أيضاً: "حتى نعرف قيمة عمل الأطفال يجب مقارنة الوضع بما يعيشه عدد كبير منهم في الطرقات والشوارع بعيداً عن عيون ذويهم ورقابتهم وتوجههم إلى التدخين، وشم مواد طيارة مثل التنر، وقضاء جل وقتهم على شاشات الهواتف بعيداً عن الرقابة والتوجيه واكتساب الكثير من العادات السلبية".
وتتحدث عن موقف حدث أمامها، وتمثل في اصطحاب سيدة طفلها وعمره 15 سنة، وتسأل صاحب مصلحة تجارية (جزار) أن يقبل أن يعمل لديه خلال العطلة الصيفية، لكنه اعتذر بسبب قوانين العمل، وأبلغها أن ابنه نفسه لا يستطيع أن يساعده في عمله". 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

ويمنع قانون العمل الأردني تشغيل فتى لم يكمل السادسة عشرة من عمره، وتشغيله في أعمال خطرة أو مرهقة أو مضرّة بالصحة قبل أن يبلغ سن الـ18 من عمره على ألا تزيد ساعات عمله عن 6، وعدم تشغيله ليلاً وفي الأعياد والعطل الرسمية والأسبوعية. وتقول خولة: "نأمل في أن يتغير مفهوم العطلة الصيفية على صعيد التخلص من الكتب والواجبات، والاعتياد على السهر حتى ساعات الفجر الأولى على شاشات الهاتف والتلفزيون والنوم حتى ساعات العصر، في حين تعلّم بيئة العمل الاعتماد على الذات وتبني الشخصية". وتنصح الطلاب الأصغر سناً بالتوجه إلى النشاطات الاجتماعية والرياضية وحفظ القرآن الكريم، وتدعو الحكومة إلى إنشاء مراكز صيفية في إحدى المدارس في كل المناطق ليس للتدريس والتقوية فقط بل للتركيز على المهارات الرياضية، والاهتمام بالبيئة والزراعة، وأن تكون هناك مدارس مجتمعية.

المساهمون