كنا صغاراً

23 ابريل 2015
في يمنٍ قيل إنه سعيد... (فرانس برس)
+ الخط -

في يمنٍ قيل إنه سعيد، كانوا أطفالاً أبرياء. كانوا صغاراً، ارتبكوا يوم لقّنتهم مدرّساتهم معنى كلمة سعادة. لم يجرؤوا على السؤال. وارتبكوا أكثر يوم سمعوا بـ"عاصفة حزم". الحزم كلمة لم تكن تفقهها عقولهم الفتيّة، أما العاصفة فكان يؤكدها قصفٌ أرّقهم لليال طويلة. قصفٌ، وإن لم يكن لرعود شتويّة.

سنوات مضت. يتذكّر نبيل كيف أنه وعند سماعه عبر مذياع جدّه إعلان عمليّة "بناء الأمل"، ظنّ أنهم سيعيدون إعمار منزل العائلة الذي تهدّم. فكلمة بناء سهلة عليه. هو كان تلميذاً مجتهداً في تلك الأيام، في الصف الثاني الابتدائي. أما أمل، فهو اسم ابنة خاله الرقيقة. هي أخبرته أن لاسمها معنى جميلاً، وبيته كان حلواً.

سنوات مضت. ما زال أحمد يصحو من نومه في منتصف الليل، وهو يرتعد خوفاً. الأمس البعيد ما زال يستحوذ عليه. زوجته هجرته أخيراً، وقد خافت من اضطرابه. هو لم ينجح في تخطّي تلك الليلة. سقطت القذيفة، فانهار سقف البيت عليهم. لم ينجح الجيران في انتشال أحد غيره من تحت الركام. والدته التي كانت تحتضنه كما في كل ليلة، لم تنجُ أيضاً.

سنوات مضت. لم تنسَ أميرة حماسة كانت تشعر بها كلما استعدّت لتعبئة المياه. كانت تحمل مطرتها الصفراء وتلحق بأشقائها الثلاثة الأكبر سناً. ما زالت تضحك وهي تخبر عن شعور بالفخر كانت تحسّ به وهي تقف في الطابور. كانت الأصغر سناً والأقصر قامة بين المتدافعين على المياه، ولم تكن تسمح لأحد بأن يتجاوزها ويسبقها ليملأ مطرته.

سنوات مضت. تغرق شذى في اكتئاب شديد. تستعيد تلك الأيام، لا بل الأخيرة تلاحقها. تتمنّى لو أن أهلها تركوا البلاد. كانت ستَخبر حياة مختلفة، فقط لو وافق والدها على الهجرة عندما سنحت له الفرصة. كبرت وتابعت دراستها وتخصصت في علم النفس العيادي. ظنّت أنها قد تنجح في مساعدة من يعاني مثلها من تبعات تلك الأيام. ظنّت أنها قد تنجح في انتشالهم من صدمات خبروها ومن اضطراب ما بعد تلك الصدمات. لم توفّق. ما زالت أسيرة ذاك الفزع وذاك الظلام وذاك الحرّ.

سنوات مضت. يحنّ عبدالله إلى تلك الأيام. هي لم تكن أيام يُسر وهو كان يخاف هدير الطائرات ويشدّ بيدَيه على أذنَيه ظناً منه أنه سيردع كل ذاك الضجيج. لكن لبعض ذكرياتها وقع مستأنس. ويستعيد ساعات صباحيّة، عندما كان يتبارى مع أولاد الحيّ على جمع أكبر عدد من شظايا القذائف. فيترحّم على أيام كان الاختباء من شظيّة وتأمين مطرة مياه ورغيف خبز، أعظم الهواجس.

***

أي تشابه في الأسماء هو محض صدفة. أما التشابه في الأحداث والحالات، فغير ذلك.
المساهمون