استمع إلى الملخص
- الأسر والموظفون يعبرون عن قلقهم بشأن سلامة الأطفال في هذه الملاهي، لكنها تظل الملاذ الوحيد للهروب من الواقع القاسي.
- تدعو الباحثة الاجتماعية وأصحاب الملاهي إلى تنظيم وترخيص هذه المشاريع لضمان الترفيه الآمن والميسور لجميع الأطفال، مؤكدةً على أهمية الترفيه في نموهم.
في مصر ما يعرف بالملاهي الشعبية التي تقصدها العائلات الفقيرة للترفيه على الرغم من إهمالها وخطورتها على الأطفال، لكن لا بديل عنها بسبب الغلاء.
أيام الصيف الحارقة، ووسط حماسة الأطفال في مختلف أحياء مصر الشعبية، يلجأ الأهالي إلى ملاهي الغلابة المعروفة باسم الملاهي الشعبية، وهي موجودة في الطرقات والحدائق العامة، وتشهد إقبالاً متزايداً في أعداد الزوار على مدار العام.
ورغم بساطة الألعاب فيها، باتت تشكل فسحة للمواطن البسيط، خصوصاً أن أسعارها في متناول غالبية الأسر الفقيرة أو المتوسطة مقارنة بأسعار الملاهي الخاصة الموجودة في المجمعات التجارية الشهيرة وغيرها من الأماكن المخصصة للألعاب خصوصاً أيام الأعياد والإجازات.
من بين المنتظرين أمام أراجيح منطقة أبي العباس في الإسكندرية شمالي مصر، تقول أم سعاد (42 عاماً) وهي ربة منزل، لـ "العربي الجديد": "أرى أطفالي يتطلعون إلى الذهاب لمدن الملاهي المميزة في المناطق الراقية، ولكنني لا أستطيع أن أذهب بهم إليها. أسعار التذاكر باهظة جداً بالمقارنة مع دخل أسرتنا المحدود. لذلك، أضطر إلى جلبهم إلى هذه الأراجيح البدائية في الشارع، على الرغم من خطورتها. هذا هو الحل الوحيد لإسعادهم خلال الإجازة".
تضيف أن غالبية الأسر ليس لديها الفرصة للذهاب بأبنائها للاستمتاع في مدن الألعاب المخصصة لأبناء الطبقات الميسورة، والذين ينعمون بأحدث ألعاب الملاهي وأكثرها إثارة. فالملاهي المتطورة باتت حكراً على من يملكون القدرة على دفع الأسعار الباهظة لتذاكرها. أما الأطفال الفقراء، فيجدون في هذه الأراجيح البسيطة ملاذاً وحيداً للهرب من حياتهم القاسية للحظات قليلة.
ويتفق الموظف حسام عادل مع أم سعاد، ويقول إنه خلال الإجازات والأعياد، نصطحب الأولاد للاستمتاع بالألعاب والأراجيح بدلاً من الذهاب للملاهي الحديثة ذات الأسعار المرتفعة في المجمعات التجارية الكبيرة، مشيراً إلى أن كل الألعاب المتوفرة هنا هي بثمن لعبة واحدة هناك غير تذكرة الدخول. يضيف: "لا أنكر مخاوفي على سلامة أطفالي عندما يركبون تلك الأراجيح المهترئة، لكن ما الخيار المتاح أمامنا؟ كلفة دخول الملاهي الحديثة تفوق إمكانياتنا بكثير. أعمل بجد لسد احتياجات أسرتي الأساسية. فكيف أستطيع تحمل مصاريف رحلة إلى ملاهي المدينة؟ لذلك، نضطر إلى الاكتفاء بهذه الأراجيح البالية حتى لو كان ذلك على حساب سلامة أطفالنا".
ويوضح أن الأراجيح والألعاب قديمة ومحطمة جزئيّاً وصدئة، وتناسب ميزانيات الأسر الفقيرة بدلاً من الأراجيح اللامعة والعجلات المتحركة ذات التأمين المثالي في ملاهي مدن الألعاب الفخمة، والتي تحتاج إلى ميزانيات كبيرة.
من جهته، يقول الموظف حسن وجدي (38 عاماً) إنه على الرغم من بساطة الألعاب، تفرح الأطفال، خصوصاً أنها قريبة من المنازل، ولا تحتاج إلى وسائل مواصلات للوصول إليها. ويستطيع غالبية الأهالي قضاء وقت أطول بالقرب من أبنائهم أو برفقة أصدقائهم من دون قلق.
يضيف وجدي: "أحياناً، أنظر إلى أطفال الأحياء الأخرى، وهم يركبون العجلات والأراجيح الجديدة في ملاهي الترفيه، فأشعر بحسرة كبيرة، وأتمنى لو كنت أستطيع إسعاد أبنائي بمثل تلك الألعاب، لكن ليس لدي الإمكانيات رغم خوفي عليهم. يبقى ذلك أفضل من حرمانهم من أية متعة خلال إجازة الصيف".
ولدى الحديث مع أصحاب الأراجيح في منطقة أبي العباس وسط محافظة الإسكندرية، يقول إبراهيم مرسي لـ "العربي الجديد"، إنه على الرغم من وجود الملاهي الحديثة، يفوق الإقبال هذا العام الأعوام السابقة، خصوصاً في الأعياد بعدما تحولت إلى فسحة بأقل ثمن، ووسيلة ترفيه أساسية لأبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة. يضيف: "هذه الألعاب مصدر رزق لي ولأسرتي. لذلك، أحرص على إجراء صيانة دورية لهذه الأراجيح باستمرار لضمان سلامة الأطفال، ونفحصها يوميّاً ونُصلح أي أجزاء متهالكة فوراً، فرغم المظهر المتواضع للأراجيح، نحرص على توفير البيئة الآمنة للأطفال، ولا نسمح بصعود أكثر من طفلين في المرة الواحدة، ونحذر الأطفال من التهور في أثناء الركوب".
وتشير أم سمير (صاحبة أرجوحة) إلى أن تلك الأراجيح توفر فرصة للترفيه والمتعة للأطفال بأسعار في متناول أيدي الجميع، إذ إن كلفة التذكرة لديها تتراوح ما بين 5 إلى 10 جنيهات فقط، وهذا يعادل ما يقرب من 10% من أسعار الملاهي الكبرى، وهو ما يتيح للأطفال من جميع الطبقات الاجتماعية الاستمتاع بالألعاب.
وتعتبر أم سمير أنهم يقدمون خدمة مهمة لأهالي الإسكندرية، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، مضيفاً أن هذه الأراجيح هي الملاذ الوحيد للأطفال للخروج من البيت والاستمتاع بأجواء الصيف. وبناء عليه، نأمل أن يُرَخَّص لنا من الجهات المختصة لنستمر في تقديم هذه الخدمة الضرورية للمجتمع من دون خوف من تعرضنا للحبس.
وتقول الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم لـ "العربي الجديد"، إن توفير بيئة ترفيهية آمنة للأطفال من الطبقات الفقيرة في المجتمع أمر بالغ الأهمية لضمان نموهم النفسي والعقلي السليم، مؤكداً أن الترفيه لا ينبغي أن يكون مقتصراً فقط على من لديهم القدرة المالية، بل يجب أن يكون متاحاً لجميع الأطفال من دون استثناء. تضيف أن هذه الأراجيح البسيطة والصدئة في الأزقة والشوارع الفقيرة، رغم مظهرها المتواضع، توفر للأطفال فرصة للخروج من البيوت الضيقة والاستمتاع باللعب والتفاعل الاجتماعي، إذ إن هذه الألعاب البسيطة والرخيصة تساعد على تطوير مهاراتهم الحركية وتوفر متنفساً لهم من ضغوط الحياة اليومية.
وتطالب الجهات المعنية بترخيص هذه المشاريع الصغيرة وتنظيمها لضمان سلامة الأطفال، مضيفة: "بدلاً من إغلاقها أو إزالتها، يجب العمل على تحسين البنية التحتية والإشراف عليها لتكون آمنة للترفيه، وهذا سيساعد على إتاحة الفرصة للجميع للاستمتاع بأوقات الفراغ وتحقيق التوازن النفسي الذي يحتاج إليه الأطفال". وترى أنه "على الحكومة ألا تساعد في تعميق الفروق الطبقية التي ما زالت تشطر المجتمع إلى شرائح متباينة، حيث يتمتع البعض بكل مظاهر الرفاهية، بينما يحرم آخرون من أبسط مقومات العيش الكريم، ولكن عليها أن تبذل الجهود الكافية لتقديم البدائل للفقراء في حدود استطاعتهم المالية".