الإيطاليّون أكثر التصاقاً بـ "فندق ماما"

08 ديسمبر 2014
البقاء في منزل الأهل يحقق بعض الامتيازات (Getty)
+ الخط -

عادة، لا يتمنى الأهل أن تحين اللحظة التي يضطرون فيها إلى توديع أبنائهم. في المقابل، ينتظر الأبناء هذه اللحظة، التي يكونون فيها قادرين على العيش بمفردهم، وبدء حياة جديدة وممارسة قناعاتهم من دون أية تدخلات. يخشى الأهل الوحدة. أما الشباب، فيبحثون عن الاستقلالية والحرية. صحيح أن الأهل في المجتمعات الأوروبية هم أكثر استعداداً لتقبل الفكرة، خصوصاً أنها أكثر من عادية، ويجدون ما يملؤون فيه أوقات فراغهم، إلا أن الأمر يبقى صعباً لأن تفاصيل حياتهم اليومية ستتغير. على الأقل، لا حاجة لإعداد كمية كبيرة من الطعام بعد مغادرة الأولاد المنزل.

عدم قدرة البعض على الاستقلال في حياتهم الجديدة، واضطرارهم إلى الرجوع إلى بيت العائلة، قد يساهم في عودة الحيوية والسعادة إلى هذا البيت. فكثير من الشباب، الذين يغادرون البلدات الصغيرة ليستقروا بشكل نهائي في المدن الكبرى، لا يزورون أهلهم إلا نادراً بسبب بعد المسافة. في السياق، قال المكتب الإحصائي في الاتحاد الأوروبي إن مغادرة منزل الأهل أمر متفق عليه في جميع دول الاتحاد الأوروبي، بالنسبة للشباب ما بين 18 و24 عاماً. لكنها تختلف من بلد إلى آخر. في فنلندا مثلاً، يغادر الشباب منزل العائلة عادة بمجرد بلوغهم الثامنة عشرة، حالهم حال الألمان. وتشير الإحصائيات إلى أن الفتيات الألمانيات يغادرن منزل الأهل أسرع من الشباب.

في المقابل، يتأخر الشباب في دول أوروبية أخرى كإيطاليا وإسبانيا واليونان قبل اتخاذ هذه الخطوة. الإيطاليون على سبيل المثال يغادرون منزل العائلة في الثلاثين من عمرهم. يرى هؤلاء أن ترك منزل العائلة له تبعات مادية ومعنوية، ويمكن العيش مع الأهل فترة أطول مع قليل من التنسيق.

الراتب لا يكفي

في السياق، تقول سوزي مولر، التي تعمل في إحدى الإذاعات المحلية، وتتقاضى راتباً متواضعاً، لـ "العربي الجديد": "راتبي الحالي لا يكفي لاستئجار شقة والعيش فيها لوحدي"، لافتة إلى أن "بقائي في منزل أهلي يحقق لي بعض الامتيازات. على سبيل المثال، أمي تعد الطعام، وتغسل الثياب، بالإضافة إلى أمور كثيرة أخرى". في الوقت نفسه، تشير إلى أنها عقدت اتفاقاً مع أهلها على أن يراعي كل منهما خصوصية الآخر. مثلاً، هي ليست مجبرة على استقبال أصدقائهم في عيد الميلاد، أو الاحتفال معهم في المناسبات العائلية. تقول "رحبوا بالفكرة، خصوصاً أمي".

ترحيب أمهات كثيرات ببقاء أبنائهن معهن، دفع ببعض الشباب إلى وصف منزل العائلة بـ "فندق ماما". يصير هذا المنزل الذي تربوا فيه بمثابة فندق، يقدم لهم الكثير، من دون أية التزامات. وساهمت الأزمة المالية في أوروبا في عزوف كثير من الشباب عن ترك منزل العائلة. في المقابل، اضطر البعض إلى العودة والعيش مع الأهل، بعدما فقدوا وظائفهم، أو تم تخفيض رواتبهم. هكذا وجدوا أنفسهم مضطرين لتأمين استقلاليتهم في منزل العائلة.

حريّة

من جهة أخرى، يرى كثير من الشباب أن البقاء في بيت العائلة قد يؤثر على أحلام الشباب، ويحد من رغبتهم في التحرر، وقضاء أوقاتهم الخاصة كما يشاؤون، علماً بأن بعض الأهل يلجؤون إلى إغراء أبنائهم بالبقاء معهم. في هذا السياق، يقول بن يمين: "أتذكر بوضوح الليلة الأخيرة التي قضيتها في منزل أهلي، وفي غرفتي الصغيرة، وكيف قررت أن تكون هذه هي الليلة الأخيرة التي سأقضيها في هذا المنزل، الذي تربيت فيه. لم يكن قراري مرتبطاً بأية مشاعر سلبية حيال أهلي. على العكس. كنت أرغب فقط في تحقيق حيز خاص لي".

تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الشباب الألمان الذين يعيشون في الخارج لا يرغبون في العودة إلى بلادهم. هذا ما أشارت إليه بعض المجلات والصحف الألمانية، التي قالت إن الأمر صعب، خصوصاً لدى أولئك، الذين يعملون في كوبا أو كولومبيا أو إسبانيا. الأسباب كثيرة، منها عدم إيجادهم فرص عمل جيدة في بلادهم، في مقابل حصولهم على وظائف جيدة في الخارج، بالإضافة إلى الطقس البارد في أغلب الأحيان. هؤلاء يفضلون العيش في البلاد الدافئة. برأيهم، يساعد الطقس المعتدل على زيادة التواصل والألفة بين الناس. هذا سبب كاف بالنسبة إليهم لتفضيل الاستقرار في الخارج.
المساهمون