أكّدت مؤسسات تُعنى بشؤون الأسرى الفلسطينيين، اليوم الخميس، أنّ هذا العام يُعدّ الأكثر دموية بحقّ النساء الفلسطينيات على مدار تاريخ سنوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في ضوء العدوان الشامل والإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى جانب جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة التي تعرضنّ لها، وأبرزها عمليات الإعدام الميداني، والاعتقالات الممنهجة، وما رافقها من انتهاكات مروعة، منها اعتداءات جنسية.
وبمناسبة يوم المرأة العالمي الذي يوافق الثامن من مارس/ آذار من كل عام، قالت مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان)، في تقرير لها، إنّ "تاريخ استهداف النّساء الفلسطينيات شكّل إحدى أبرز السّياسات الثّابتة والمُمنهجة منذ سنوات الاحتلال الأولى، وما نشهده اليوم من جرائم، شهدته النساء الفلسطينيات على مدار عقود الاحتلال، ولم تكن مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر استثنائية على صعيد مستوى الجرائم المروعة، إلا أنّ الفارق هو كثافة ومستوى هذه الجرائم وتصاعدها بشكل غير مسبوق إذا قارناها بالفترات التي شهدت فيها السّاحة الفلسطينية انتفاضات وهبات شعبية".
وشكّلت عمليات اعتقال النساء ومنهنّ القاصرات أبرز السّياسات التي انتهجها الاحتلال وبشكل غير مسبوق بعد السّابع من أكتوبر، حيث بلغ عدد الأسيرات المعتقلات نحو 240، ويتضمن هذا المعطى النّساء الفلسطينيات اللواتي تعرضن للاعتقال في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، والنساء من الأراضي المحتلة عام 1948، فيما لا يوجد تقدير واضح لأعداد اللواتي اعتقلن من غزة، حيث أفرج عن عدد منهنّ لاحقًا، إلا أنّه من المؤكد أنّ هناك معتقلات في معسكرات الاحتلال، وهنّ رهن الإخفاء القسري، وفق التقرير.
وبيّنت المؤسسات أنّه وحتّى إصدار هذا التّقرير، فإنّ عدد الأسيرات القابعات في سجون الاحتلال، وغالبيتهنّ محتجزات في سجن الدامون، بلغ 60 أسيرة، بينهنّ أسيرتان من غزة، مجددة التأكيد أن لا معلومات حول أعداد أسيرات غزة في معسكرات الاحتلال الإسرائيليّ.
ويبلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات 60 أسيرة، بينهنّ أسيرتان من غزة، وقاصرتان، و24 أمّاً، و12 معتقلة إدارياً، ومن بينهن محامية وصحافية، و12 طالبة، و11 يواجهن أمراضاً ومشاكل صحية، من بينهن أسيرتان جريحتان، إضافة إلى أسيرات هنّ زوجات وأمهات لأسرى، وشقيقات لشهداء، إضافة لوجود أم شهيد بين الأسيرات.
يذكر أنه تبقى ثلاث أسيرات معتقلات منذ ما قبل السابع من أكتوبر يرفض الاحتلال أن تشملهن صفقات التبادل التي أبرمت بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
اعتقالات واعتداءات جنسية.. الاحتلال يصعّد ضد الفلسطينيات
ووفق المؤسسات، فقد صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيليّ عمليات الاعتقال الممنهجة بحقّ النّساء الفلسطينيات في كافة الجغرافيا الفلسطينية، ولم تستثنّ القاصرات، كما شمل ذلك اعتقال النساء كرهائن، بهدف الضغط على أحد أفراد العائلة المستهدفين من قبل الاحتلال لتسليم نفسه.
وشكّلت هذه السّياسة إحدى أبرز الجرائم التي تصاعدت بشكل كبير جداً بعد السّابع من أكتوبر، وشملت زوجات أسرى، وشهداء، وأمهات منهنّ مسنّات تجاوزن السبعين عاماً، مع الإشارة إلى أنّ هذه السّياسة طاولت فئات أخرى أيضاً، وليس فقط النّساء، وقد رافقت عمليات احتجازهن كرهائنّ عمليات تنكيل وتهديدات وصلت إلى حد التّهديد بقتل نجلها المستهدف أو زوجها، هذا عدا عن الاعتداءات التي تعرضن لها خلال عملية الاعتقال، إضافة إلى عمليات التّخريب التي طاولت منازلهنّ، وترويع أطفالهنّ، وأبنائهنّ، ومصادرة أموالهنّ ومصاغ ذهب.
وأكّدت مؤسسات الأسرى أنّ إحدى أبرز الجرائم التي نفّذتها قوات الاحتلال الإسرائيليّ بحقّ النّساء الفلسطينيات، ومنهنّ الأسيرات، الاعتداءات الجنسية، والتي تضمنت التّحرش، والتّفتيش العاري، إضافة إلى التّهديد بالاغتصاب، هذا إضافة لإعلان الأمم المتحدة في بيان رسمي لها عن وجود تقارير موثوقة بتعرض معتقلات من غزة للاغتصاب.
وتمكّنت المؤسسات من جمع شهادات لأسيرات أفرج عنهنّ تحديدًا خلال دفعات الإفراج التي تمت في شهر نوفمبر الماضي، وشهادات لأسيرات داخل السّجون، ولنساء واجه أقارب لهنّ عمليات اعتقال وملاحقة، أكّدن فيها على تعرضهنّ لجملة من الاعتداءات الجنسية.
وشكّل سجن هشارون، كمحطة مؤقتة لاحتجاز الأسيرات قبل نقلهنّ إلى سجن الدامون، شاهدًا على عمليات التفتيش العاري التي تعرضت لها غالبية الأسيرات، بحسب عشرات الشّهادات التي وثقتها المؤسسات، ناهيك عن ظروف الاحتجاز المذلّة والمهينة التي تعرضن لها، والاعتداءات، ومنها اعتداءات بالضرب المبرّح، بحسب التقرير.
ونقلت المؤسسات شهادة وثقتها لإحدى الأسيرات اللواتي اعتقلن بعد السابع من أكتوبر، أكّدت أنّها تعرضت في أثناء عملية الاعتقال والتّحقيق لاعتداءات وتحرش جنسي ولفظي، حيث قام أحد الجنود بلمسها على رأسها وقدميها بطريقة غير لائقة، وشتمها بمصطلحات بذيئة وهددها أكثر من مرة، وكان الجنود يرمون عليها أعقاب السجائر، وبقايا الطعام لإهانتها، كما تعرضت الأسيرة للضرب أكثر من مرة من قبل جنود الاحتلال، وهو ما سبب لها أوجاعًا في أنحاء جسدها، ولم يقدم لها أي علاج.
ومن ضمن جملة الشّهادات التي وثقت، شهادة لإحدى الأسيرات قالت فيها: "وصلنا أنا وأسيرات إلى سجن هشارون، أدخلونا إلى زنزانة أرضيتها مليئة بالماء، وتوجد فيها دورة مياه غير صالحة للاستخدام، ثم تم نقلنا إلى زنزانة أخرى فيها تعرضن للتفتيش العاري على يد سجانات، وقامت إحدى السّجانات بضربي على وجهي، بعدما تعرضت للضرب المبرّح خلال عملية اعتقالي".
وفي شهادة أخرى: "حضرت ثلاث سجانات تعاملن معي بوحشية وبشكل مهين جدًا، وشتمنني بأسوأ الألفاظ طوال الوقت دون توقف، وأجبرنني على المشي وأنا مقيدة الأطراف، والعصبة على عيني، وطوال الوقت خلال نقلي كانت السجانة تقول هذه ليست بلادكم ارحلوا منها".
ومع تنفيذ الاحتلال الاجتياح البري لغزة، في 27 أكتوبر الماضي، نفّذ عمليات اعتقال واسعة لنساء من غزة منهنّ قاصرات ومسنّات، واحتجزهن في معسكراته، بالإضافة إلى سجن الدامون، وفي ضوء استمرار الاحتلال بتنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحقّ معتقلي غزة، فإنه لا تتوفر للمؤسسات معطيات واضحة عن أعدادهنّ، أو من تبقى منهنّ رهن الاعتقال في المعسكرات الخاضعة لإدارة جيش الاحتلال، أما في سجن الدامون، فإن أسيرتين من غزة ما زالتا محتجزتين فيه بشكل منفصل عن الأسيرات من المناطق الفلسطينية الأخرى.
وذكر التقرير أنّه نتيجة للظروف الميدانية الصعبة والمعقدة التي تعمل بها المؤسسات الحقوقية في غزة، فإن أغلب هذه الشّهادات وثقّها صحافيون ووسائل إعلام حتى الآن، ولم تتمكن المؤسسات تحديدًا الفلسطينية من توثيق شهادات كاملة لأسيرات غزة.
وتواجه الأسيرات في سجن الدامون ظروف احتجاز قاسية وصعبة، جرّاء سياسة العزل الجماعية التي انتهجتها بحقّ الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، عدا عن تعرض الأسيرات تحديدًا لاعتداءات واسعة، كان من بينها تعرض أسيرات للعزل الانفرادي، ولاعتداءات على يد قوات القمع، ومصادرة كافة مقتنياتهن، وحرمانهنّ من كافة حقوقهنّ، كالتواصل مع عائلاتهنّ.
وتعاني الأسيرات أيضاً من سياسة التّجويع التي مارستها إدارة السّجون بعد السابع من أكتوبر، بحرمان الأسرى والأسيرات من الحصول على مواد غذائية إضافية من (الكانتينا)، إضافة إلى حرمانهنّ من العلاج، والذي يندرج في إطار الجرائم الطبيّة، كما ألقت حالة الاكتظاظ التي فرضتها إدارة السجون بثقلها على الأسيرات، الأمر الذي أدى إلى إفراز العديد من ظروف الاعتقال المأساوية داخل سجن الدامون، واضطرت العديد من الأسيرات للنوم على الأرض، هذا عدا عن النقص الحاد في الملابس والأغطية والتي تعاظمت حدتها في ظل موجة البرد القاسية، فبعض الأسيرات بقين في ملابسهن التي اعتقلن فيها، ولم تتمكنّ من استبدالها.
كما عانت الأسيرات من تعمد إدارة السّجون تزويدهنّ بمياه غير صالحة للشرب ومتسخة.
واستهدفت النساء الفلسطينيات كما جميع فئات المجتمع الفلسطينيّ، بعمليات الاعتقال الإداري (بدون تهم)، التي تصاعدت بشكل غير مسبوق تاريخيًا، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين حتى نهاية شهر فبراير/ شباط 3558، من بينهم 12 أسيرة معتقلة إداريًا حتى إعداد هذا التقرير، منهنّ صحافية ومحامية، وطالبات جامعيات، إضافة إلى أنّ بقية الأسيرات والغالبية منهنّ وجهت لهن تهم تتعلق بالتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي شكّلت بعد السابع من أكتوبر أبرز الذرائع التي استخدمها الاحتلال لاعتقال الفلسطينيين في الضّفة بما فيها القدس، والأراضي المحتلة عام 1948.
يذكر أن من أبرز المحطات التي شكّلت فارقًا في تاريخ قضية الأسيرات هي صفقة التبادل التي تمت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث تم الإفراج في حينه عن 71 أسيرة، عدد منهنّ كنّ يقضين أحكامًا لسنوات وصلت لـ16 عامًا، وهن من بين 240 أسيرا جرى تحريرهم خلال 7 مراحل تضمنتها صفقة التبادل التي تمت في حينه، بينما أعاد الاحتلال اعتقال أسيرتين أفرج عنهما ضمن الصفقة، فيما استدعى أسيرتين مقدسيتين لمحاكم (مدنية) بادعاء وجود ملفات ضدهما وهما داخل الأسر.
وأكدت مؤسسات الأسرى أن الاحتلال الإسرائيليّ مستمر في انتهاك حقوق الأسيرات الفلسطينيات في مراكز التّوقيف والتّحقيق والسّجون، وفي المستشفيات والعيادات الطبية والحواجز ونقاط التفتيش، وتطاول تلك الانتهاكات كافة فئات الإناث الفلسطينيات من معلمات وطالبات وأمهات وطفلات وغيرها.
وأوصت مؤسسات الأسرى الأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء بالضغط على دولة الاحتلال لاحترام والالتزام بالقانون الدوليّ والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان، وتطبيق اتفاقية مناهضة التّعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
الشهيدات الفلسطينيات في غزة.. 9 آلاف
من جهته، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الخميس، استشهاد 9 آلاف امرأة فلسطينية، من إجمالي عدد الشهداء البالغ 30.800 شهيد، وذلك منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
واستعرض الجهاز أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يوم المرأة العالمي، في بيان بعنوان: "الاستثمار في المرأة لتسريع وتيرة التقدم".
وقال إنّ الإناث يشكلن ما نسبته 49% من إجمالي عدد السكان في فلسطين، إذ بلغ عددهن 2.76 مليون أنثى في منتصف عام 2024 (بواقع 1.63 مليون أنثى في الضفة الغربية، و1.13 مليون أنثى في قطاع غزة).
وأضاف أنّ 75% من إجمالي عدد الجرحى البالغ 72.298 جريحاً هم من الإناث، وشكلت النساء والأطفال ما نسبته 70% من المفقودين البالغ عددهم 7000 شخص.
كما استُشهدت 4 مواطنات من إجمالي 423 شهيداً في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ورصد الجهاز خلال عام 2023 اعتقال 300 امرأة من الضفة الغربية، منهن 200 منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقالت رئيسة الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء علا عوض: "اعتقل الاحتلال على مستوى محافظة القدس 165 امرأة، منهن 84 خلال العدوان. أما على مستوى قطاع غزة فلا تتوفر معطيات دقيقة في ضوء جريمة الإخفاء القسري التي يواصل الاحتلال تنفيذها بحق معتقلات غزة".
ووفقاً لعوض، فإن المعطيات الصحية في قطاع غزة أظهرت وجود تحديات جمة تواجه النساء الحوامل، إذ تشير إلى وجود حوالي 60 ألف امرأة حامل في القطاع، بمعدل 180 حالة ولادة يومياً.
ومن المرجح أن تعاني نحو 15% من هؤلاء النساء مضاعفات الحمل والولادة التي يصعب علاجها بسبب نقص الرعاية الطبية، كما أن عدد الولادات المبكرة لدى النساء ارتفع بنسبة الثلث تقريباً بسبب عوامل مثل التوتر والصدمات، ومنهن من أجهضن نتيجة الخوف، ما أدى إلى ازدياد حالات الإجهاض بنسبة 300%.