وفيات الحج... حصيلة ثقيلة بسبب الحرّ وسماسرة ومحدودية التصاريح

21 يونيو 2024
خلال أداء مناسك الحج (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خلال موسم الحج الأخير، تجاوزت أعداد الوفيات بين الحجاج ألف شخص بسبب الطقس الحار وتأثيرات تغير المناخ، مع تسجيل أكثر من 700 حالة وفاة بين الحجاج المصريين وأكثر من 600 مفقود، بالإضافة إلى آلاف الإصابات بالإجهاد الحراري في السعودية.
- في الأردن، أثارت وفيات الحجاج قضايا إنسانية وقانونية، مع تقارير عن حجاج سافروا بتأشيرات سياحية وواجهوا ظروفًا صعبة، مما دفع إلى المطالبة بتحقيقات ومراجعة الإجراءات المتعلقة بتنظيم الحج.
- في تونس، تزايد القلق بشأن مصير الحجاج المفقودين والمتوفين، مع تجاوز عدد الوفيات الرسمية 35 حاجًا، وتقارير عن سفر حجاج بتأشيرات سياحية، مما يعقد عملية التحقيق في ظروف وفاتهم ويدفع نحو مطالبة بتحقيقات شاملة ومراجعة تنظيم الحج.

ليست المرة الأولى التي يشهد فيها موسم الحج سقوط ضحايا من جرّاء الحرّ وغيره، لكن الحديث عن أعداد الوفيات  هذا العام والتي تجاوزت الألف، في إشارة إلى أثر تغير المناخ واحتمال حدوث أخطاء.

تجاوزت الحصيلة الإجمالية للوفيات خلال موسم الحج المنقضي العام الحالي أكثر من ألف شخص، معظمهم مصريون، ولأسباب مرتبطة بالطقس الحار وسط تأثير لتغير المناخ، فيما لا يزال كثرٌ يبحثون عن أقربائهم وأصدقائهم الذين فُقدوا خلال أداء الفريضة. وكشف مصدر مصري مسؤول أن أعداد الوفيات بين الحجّاج المصريين تجاوزت الـ 700 حالة وفاة، فيما تجاوزت أعداد المفقودين والذين لم يعرف مصيرهم بعد الـ 600 حاج. وكان دبلوماسي عربي اشترط عدم الكشف عن اسمه قد أفاد بأن عدد الوفيّات في صفوف الحجّاج المصريين ارتفع إلى "600 على الأقل"، بعدما أفاد دبلوماسيان عربيان بوفاة 323 مصرياً على الأقلّ في حصيلة سابقة، بحسب وكالة فرانس برس.
بالإضافة إلى المصريين، يشمل عدد الوفيات 132 إندونيسياً، و68 هندياً، و60 أردنياً، و35 تونسياً، و13 من كردستان العراق، و11 إيرانياً، وثلاثة سنغاليين. وقال دبلوماسي آسيوي في السعودية: "لدينا حوالي 68 حالة وفاة مؤكّدة في صفوف الحجاج الهنود، بعضهم لأسباب طبيعية إذ كان هناك عديد من الحجاج المسنين. وقضى آخرون بسبب الأحوال الجوية. هذا ما نفترضه". وأضاف "يحصل هذا كل عام. ليس بإمكاننا القول إن هذا العدد مرتفع بشكل غير طبيعي هذا العام"، مضيفاً إنه "مشابه إلى حد ما للعام الماضي، لكننا سنعرف المزيد في الأيام المقبلة. وقد قضى العام الماضي أكثر من 200 حاج، معظمهم من إندونيسيا.
ويوم الأحد الماضي، أعلنت وزارة الصحة السعودية تسجيل 2764 حالة إصابة بالإجهاد الحراري، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المشاعر المقدّسة والتعرّض للشمس، وعدم الالتزام بالإرشادات. لكنّها لم تعطِ أي معلومات عن الوفيات. ويبحث أصدقاء وعائلات حجّاج مفقودين في المستشفيات في السعودية، وينشرون مناشدات في مواقع التواصل الاجتماعي سعياً للحصول على أي معلوماتٍ عن أحبائهم، فيما يسيطر عليهم خوف شديد من الأسوأ مع تزايد أعداد القتلى. 
وبدأت جهاتٌ رسميةٌ مصرية تحقيقاتٍ موسّعة، بشأن ارتفاع حالات الوفيات بين الحجاج المصريين، وأوضح مصدر مصري مسؤول أن التحقيقات التي يقف عليها أحد الأجهزة السيادية تنظر في أعداد البلاغات المقدّمة من الحجاج المصريين بمختلف الفئات (السياحي والقرعة والاقتصادي)، المتعلقة بالمخالفات وأوجه القصور في أماكن الإقامة والانتقالات، وعدم توافر بعض الإمكانات اللازمة. وأفاد المصدر بأن التحقيقات تتضمّن مدى تأثير الحجّاج غير الرسميين من مصر على ارتفاع أعداد الوفيات، والوقوف على أعداد الوفيات من الحجّاج غير الرسميين الذين أدّوا مناسك الحج من دون الحصول على تصاريح، عبر وجودهم في المملكة بتأشيرات زيارة.

في المقابل، أشاد رئيس بعثة الحج الرسمية المصرية ومساعد وزير الداخلية المصري لقطاع الشؤون الإدارية، اللواء شاكر الكيال، بما سمّاه "التنظيم الدقيق من قبل السلطات السعودية"، واستعانتها بالذكاء الاصطناعي.

الأردن

وفي الأردن، حملت وفاة الحجاج الأردنيين أبعاداً إنسانية وقانونية. بدأت القضية بعدما رغبت أعداد غير معروفة حتى اللحظة بالتوجّه إلى السعودية قبل موسم الحج بأسابيع، مستفيدةً من منح السلطات السعودية تأشيرات سياحية ثلاثة أشهر، على الرغم من أن المملكة كانت قد أكّدت عدم السماح بالحج لغير حاملي التصاريح، وفرضت عليهم غرامات مالية.
وقال النائب ونقيب المحامين الأردنيين الأسبق، صالح العرموطي، لـ "العربي الجديد": "يجب فتح تحقيق في هذه القضية. هؤلاء أبناء وطن وهناك تقصير. كان من المفترض أن تتابع وزارة الأوقاف هذا الموضوع مبكّراً، والعناية بالمواطن الأردني في كل الظروف، والسعي مع السعودية لزيادة حصّة الأردن من الحجّاج حتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه".

يحاول التخفيف من حدة الشمس (عبد الغني بشير/ فرانس برس)
حاج يحاول التخفيف من حدة الشمس (عبد الغني بشير/ فرانس برس)

وشدّد العرموطي على وجوب اهتمام السفارة الأردنية في الرياض بشكل أكبر بالتحدّيات والمشكلات التي تواجه الأردنيين، وأن على الحكومة التحقيق في ما إذا كان هناك أي تقصير بحقّ هؤلاء المواطنين خلال وجودهم في السعودية. وأوضح أن المعلومات التي وصلت إليه تفيد بسير بعض الحجاج (خارج البعثة الرسمية) أكثر من 15 كليومتراً على الأقدام مع عدم توفر المياه، ما أدى إلى إصابتهم بضربات الشمس وبالتالي الوفاة، وعدم وصول الإسعاف والخدمات الطبية في الوقت المناسب.
وطالب العرموطي بفتح تحقيق في إعلانات الشركات تأمين رحلات الحج خارج البعثات الرسمية، واستقبال الشكاوى بهذا الخصوص، خصوصاً في ظل ترحيل أردنيين عديدين من مكّة. وقال إنه يجب تحميل الأطراف المعنية المسؤولية الإدارية إذا كان التقصير من الحكومة وفتح تحقيق لدى المدّعي العام مع الشركات التي أخلّت بالاتفاقيات مع المواطنين أو غرّرت بهم. وقال "يكفل الدستور الأردني توفير الطمأنينة للمواطنين، وهؤلاء مواطنون أردنيون يجب توفير الحماية والرعاية لهم".
وعن دور الشركات في هذا الملفّ، قال الخبير في قطاع الحج والعمرة، بلال روبين، إن المسؤولية مشتركة، والمسؤولية الكبرى على وزارة الأوقاف، كونها صاحبة السلطة في هذا الأمر، وقد أصدَرت تعميماً عن هذه الرحلات، لكنها اكتفت به، من دون اتخاذ أية إجراءات كان يفترض اتخاذها قبل حصول هذه القضية. وأضاف "المخطئ يجب أن يحاسَب، شركة كان أو سمساراً أو وزارة، ولو تداركنا الوضع لما وصلنا إلى هذه المرحلة". موضحاً أن "الحاج غير النظامي يعلم أنه مسافر برحلة حج غير رسمية، وأنه مؤمّن بالنقل والسكن فقط. وفي ما يتعلق بمشاعر عرفة ومنى، لا يوجد موقع خاص له". وأفاد روبين بأن اللجوء لهذه الطريقة هو محاولة للتخفيف من الكلفة العالية، فالحج النظامي يكلف أكثر من 3100 دينار (4500 دولار) مقارنة بحوالي 1200 دينار (1650 دولارا) للحج غير النظامي. والشركات لا تتحمّل المسؤولية في ما يخص الوفيات والمفقودين من الحجّاج غير النظاميين، فالمسؤولية مشتركة، والاطّلاع على الظروف الدقيقة لما تعرّض له الحجّاج هو الفيصل.

مكة (عصام ريماوي/ الأناضول)
طوفان الحجاج حول الكعبة (عصام الريماوي/ الأناضول)

وقال الناطق الإعلامي باسم جمعية وكلاء السياحة والسفر الأردنية رافع الطاهات لـ "العربي الجديد": "لا نريد استباق الأحداث. لم يعد الحجاج بعد ولم تصل أية شكاوى إلى المكاتب. وعند حدوث ذلك، يمكن البحث والحديث في هذا الموضوع لتتضح الصورة جليةً من الحجّاج وذويهم عما حدث وما تم الاتفاق عليه مع المكاتب السياحية وما حصل على أرض الواقع، وبماذا أبلغت المكاتب الحجاج ليتحمّل كل طرف مسؤوليته". وأضاف "من ذهب مع البعثة الرسمية لم تحدُث معهم أية تجاوزات ولا أخطاء، وحصلوا على خدمات متميّزة كما هو منصوص عليه في العقود، كالسكن والنقل والإقامة والخدمات الطبية المتكاملة". وأفاد بأن قضية الحجاج غير النظاميين بدأت العام الماضي، عندما أخذ بعضهم تأشيرات سياحية من السعودية، وأدّوا الحج من خلال هذه التأشيرات وكانت الأعداد بالمئات، لكن الأعداد هذا العام تجاوزت الآلاف، عدا عن الجنسيات الأخرى. أما المشاعر والخدمات المقدّمة فلا تتحمّل هذا الحجم من الحجاج خارج البعثة الرسمية". وأفاد بأن الحجّاج غير الرسميين مؤمّنون فقط بالسكن والنقل في العادة، وهناك من اختار هذا النوع من الحج بسبب الكلفة  الأقل من الحج ضمن البعثة الرسمية. لافتاً إلى تدخّل سماسرة ومطوفين لتحقيق المكاسب، ولو أوقفت السعودية تأشيرات الزيارة قبل ثلاثة أشهر من الحج، لما حدثت هذه القضية. ويشار إلى أن وفيات هذا العام بين الحجاج الأردنيين كانت غير مسبوقة، فيما وفيات الأعوام السابقة تعدّ على أصابع اليد.

تونس

ولا تزال عائلات تونسية عديدة تحصي أعداد الحجاج المفقودين والمتوفين، في وقت أعلنت السلطات الرسمية بدء عملية بحث موسّعة عن الحجاج التائهين في مستشفيات منطقة مكّة، وأطلقت خطوطاً مباشرة للتواصل مع أسرهم في تونس. ويوم الثلاثاء الماضي، أعلنت الخارجية التونسية عن حصيلة رسمية للحجاج المتوفين، وعددهم 35 وسط ترجيحات بأن يتجاوز العدد 40، بعد العثور على عدة مفقودين في المستشفيات، وتعذّر التواصل مع آخرين انقطعت أخبارهم منذ يوم الجمعة الماضي.
ويطالب ناشطون وبرلمانيون بفتح تحقيق في ما حصل في الحج، وبتشديد العقوبة على الوسطاء الذين يعملون في إطار ما يسمّى الحج ضمن التأشيرات السياحية أو من يساعدون المعتمرين. وقال عضو الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة، ظافر لطيّف، ل "العربي الجديد" إن "جزءاً من السياحة الدينية سقط في أيدي الوسطاء والسماسرة غير القانونيين الذين يتوسّطون لتنظيم رحلات عُمرة، ثم يساعدون الحجّاج على التسلّل إلى مكّة خلال موسم الحج من دون توفير الحد الأدنى من الضمانات القانونية للإقامة والتنقل والتكفل الصحي على امتداد فترة أداء الشعائر".

مكة (عصام ريماوي/ الأناضول)
حجاج يعانون جراء ارتفاع درجات الحرارة (عصام ريماوي/ الأناضول)

وأوضح أن "وسطاء السياحة الدينية يعملون في إطار شبكة تنشط بين تونس والسعودية، ويستفيدون من إقبال التونسيين على الرغبة في أداء فريضة الحج بأقل كلفة ممكنة مقارنة بالسعر الرسمي للحج الذي تحدده السلطات".
ويُذكر أن شركة الإقامة والخدمات الحكومية التي أنشئت عام 1995 تحتكر نشاط تنظيم الحج وتحديد القوائم الرسمية للحجاج الذين يجري اختيارهم وفق قرعة سنوياً، كما تتولى السلطات ضبط كلفة الحج التي تشمل مصاريف التنقّل والإقامة والإعاشة. وبشأن ظروف إقامة الحجاج الذين يسافرون خارج الإطار الرسمي، قال لطيّف إن" الوسطاء يؤجّرونهم بيوتا أو يحجزون لهم غرفاً في نُزل غير مصنّفة وبعيدة عن أماكن العبادة، ما يضطرّهم للتنقّل بكلفة عالية أو مشياً على الأقدام في ظروف مناخية صعبة تنتهي بهم إلى متاعب صحية". وأفاد بأن "الحجّاج الذين يقدّمون على تأشيرات سفر سياحية لا يتمتّعون بأي حقوق في حال تعرضهم لمصاعب صحية أو في حال الوفاة لغياب التأمينات الضرورية التي يدفعها المعتمرون والحجّاج في إطار السياحة الدينية المنظمة". ويطالب بـ "إجراء مراجعاتٍ شاملة في عملية تنظيم الحج وإحالة جزء من النشاط إلى وكالات الأسفار القانونية لقطع الطريق عن السماسرة وتوفير عروض للحجيج بأسعار مقبولة".
وقد وصلت كلفة الحج الرسمية في الموسم المنقضي أخيراً إلى 6.3 آلاف دولار، بينما قال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير،  ل"العربي الجديد" إن الحجّاج خارج البعثة الرسمية دفعوا للوسطاء ما بين 10 و15 ألف دينار (ما بين 3200 وخمسة آلاف دولار). وليست للذين سقطوا ضحايا الحج الذي وصفه بالعشوائي أية حقوق، وغالبيتهم لم يوقّعوا عقوداً مع الوسطاء تكفل لهم حقوقهم. ويرجّح أن تزيد حصيلة الضحايا عن 40 مع تواصل الإعلان عن العثور على جثث حجاج تونسيين متوفين في المستشفيات السعودية. واضاف عبد الكبير "لم يسبق أن سجّلت تونس مثل هذه الأعداد لمتوفين في أي من مواسم الحج".

وتتيح المملكة أداء الحج حصراً للسكان ممن لديهم تصاريح والأجانب الحاصلين على تأشيرات مخصّصة. لكنّ توسّعها في إصدار تأشيرات عامة منذ العام 2019 فتح مجالاً أوسع لأداء الحج بشكل أقلّ كلفة، لكنه "غير قانوني"، لآلاف الأجانب. ويقول الخبير في الشؤون السعودية في جامعة برمنغهام، عمر كريم: "بالنسبة للذين يحملون تأشيرات سياحية، يبدو الأمر كأنهم على طريق الهجرة من دون أي فكرة عما يمكن توقعه".
ويشهد موسم الحج سنوياً حالات وفيات وإصابة حجّاج عديدين بأمراض مختلفة. ورغم غياب الإحصاءات الرسمية، إلا أن هناك أرقاماً تقديرية لعدد الوفيات خلال السنوات الماضية، بحسب مجلة "ساينس دايركت". عام 2012 على سبيل المثال، توفي نحو 1315 حاجاً، فيما انخفض العدد عام 2013 إلى نحو 637 حاجاً. وعام 2014، وصل عدد الوفيات إلى 657 حاجاً. أما عام 2015، وبسبب التدافع في مشاعر منى، فتوفي المئات. وبحسب البيانات السعودية، توفي 769 حاجاً على الأقل وأصيب ما لا يقلّ عن 694، فيما قدّرت وكالة أسوشييتد برس عدد الوفيات بأكثر من 2121، وهو الأعلى منذ التدافع عام 1990 الذي أدّى إلى مقتل 1426 شخصاً. وعام 2016، وصل عدد الوفيات إلى 714، وعام 2017 إلى ما يقرب من 657.  
إلى ذلك، يؤكّد العلماء مدى تأثير تغيّر المناخ على ما ينتظر عشرات الملايين من المسلمين المتوقع أن يؤدّوا فريضة الحج في العقود المقبلة. وقال المستشار العلمي في المعهد الألماني لتحليلات المناخ، كارل فريدريش شلويسنر، لـ "رويترز" إن مناسك "الحج تجري بطريقة معيّنة منذ أكثر من ألف عام، وكان المناخ حارّاً دائماً. لكن أزمة المناخ تفاقم قسوة الظروف المناخية. مناسك الحج الأساسية مثل الوقوف بجبل عرفة أصبحت خطيرة بشكلٍ لا يصدّق على صحة الإنسان. الوضع سيتفاقم. صحيح أن موعد مناسك الحج يتجه الآن نحو فصل الشتاء، لكن بحلول أربعينيات القرن الحالي سيتزامن موسم الحج مع ذروة الصيف في السعودية".