استمع إلى الملخص
- تتجلى معاناة الأفراد في قصص مثل نبيل رجب وأنس، الذين يواجهون صعوبات يومية في التنقل وتوفير احتياجات أسرهم، وسط نقص الرعاية الصحية المناسبة.
- تعكس قصة الطفلة شذا حمدان وصلاح عوض التحديات التي يواجهها مبتورو الأطراف، مع تدمير مستشفى حمد للتأهيل، مما يزيد من معاناتهم.
يكابد مبتورو الأطراف في قطاع غزة تفاصيل الحياة القاسية التي فرضتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة في ظل عدم توفر الرعاية الصحية، ومنع الاحتلال إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، وتدمير المنظومة الصحية.
وتفيد دائرة نظم المعلومات بوزارة الصحة في غزة، بأن حالات البتر خلال الحرب تجاوزت 4500 حالة، لكن ما تم تسجيله هو 1302 حالة بتر، من بينهم 1041 حالة لذكور و261 لإناث، ويمثل الأطفال نسبة 15% منهم، ونسبة حالات البتر في الأطراف السفلية 83% من الإجمالي.
على كرسي متحرك، يضطر نبيل رجب (46 سنة) صباح كل يوم إلى الذهاب لأحد مخابز حي النصر غربي مدينة غزة، لجلب ربطة خبز لأسرته المكونة من سبعة أفراد، كونه المُعيل الوحيد للأسرة. يقطع نبيل مسافة تزيد عن 7 كيلومترات من خيمة النزوح في منطقة الرمال بوسط مدينة غزة، ليصطف في طابور طويل بانتظار وصول دوره للحصول على "ربطة خبز".
أُصيب رجب في 3 إبريل/ نيسان 2024، في قصف من طائرة حربية إسرائيلية خلال توجهه رفقة اثنين من أقاربه إلى شمالي القطاع، ما أدى إلى بتر قدمه اليُسرى، وما زالت عدة شظايا في جسده. بعدها، انقلبت حياته رأساً على عقب. يقول لـ "العربي الجديد": "أصبحت بصعوبة أستطيع جلب الاحتياجات اللازمة لعائلتي، وتفاقمت معاناتي بعدما انتقلت إلى العيش في أحد مخيمات النزوح في ظل عدم توفر الرعاية الصحية أو الأدوية. إلى جانب طابور الخبز، أضطر يومياً إلى الوقوف في طابور تعبئة مياه الشرب من شاحنة نقل المياه، وفي بعض الأوقات، أصطحب واحدة من بناتي للوقوف في طابور المياه أو (تكيّة الطعام)، ومساعدتي على حمل غالونات المياه ووعاء الطعام".
تجاوز عدد حالات البتر خلال العدوان الإسرائيلي 4500 حالة
يضيف: "تتفاقم المعاناة حين هطل الأمطار ليلاً، إذ أجد صعوبة في مغادرة الخيمة التي تغرق بالمياه، وتتحول الأرض المحيطة بها إلى أوحال طينية يصعُب السير عليها. أصبحت مجبراً على التوجه إلى المستشفى لجلب العلاج بعد أن رفض الأطباء إعطاءه لأصدقائي الذين أرسلهم مع التقرير الطبي. قبل إصابتي كنت أتولى كل متطلبات عائلتي بسهولة، ومن دون حاجة لمساعدة أحد، وأساعد الكثير من المواطنين، لكني أصبحت اليوم عاجزاً عن ذلك. أتجول بشكل شبه يومي في الشوارع المحيطة بالمخيم لجمع الأخشاب من أجل استخدامها لإشعال النار للتدفئة، واستخدامها في الطبخ".
يحاول الشاب أنس (21 سنة) جر عربة صغيرة وضع عليها غالونين من مياه الشرب بعد انتظار طويل في طابور المياه بسبب التزاحم. يستعين بعكازين حديديين لمساعدته على السير بعد بتر قدمه اليُمنى، ورغم ذلك يتعالى على ألمه، ويُمسك بيده اليُسرى حبلاً ربطه بعربة على هيئة صندوق مربع ينقل عبرها غالونات المياه، وما تحتاج إليه أسرته من مستلزمات.
استهدف أنس في 3 ديسمبر/ كانون الأول الماضي أثناء جمع الحطب رفقة خمسة من أصدقائه، ما أدى إلى استشهاد أربعة منهم، وإصابته في قدمه اليُمنى، ما أدى إلى بترها من أعلى الرُّكبة. يقول لـ"العربي الجديد": "أعيش مع أسرتي المكونة من 6 أفراد داخل خيمة في منطقة السرايا بوسط مدينة غزة، واختلفت تفاصيل حياتي تماماً عن ما كانت عليه قبل الإصابة، إذ أصبحت أعتمد على عكازين استعرتهما من أحد أصدقائي لقضاء احتياجات عائلتي. لا أتلقى الرعاية الصحية المناسبة لقدمي المبتورة، ومع ذلك أحاول التغلب على الواقع الجديد المؤلم".
يضطر أنس إلى الذهاب لتكية الطعام يومياً لإحضار الطعام لعائلته. ويؤكد أنه يواجه صعوبة في التنقل بين الخيام بسبب وعورة الأرض الرملية، وكثرة الأحبال الممتدة بينها، فضلاً عن تردي الأوضاع المعيشية للعائلة منذ نزوحها من بيت لاهيا. ويحكي أنه يخرج مع والده وإخوانه لجمع الأخشاب من الشوارع المُحيطة لإشعال النار.
بدورها، تغيّرت حياة الطفلة شذا حمدان (12 سنة) بعد بتر قدمها اليسرى في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2023، في مخيم جباليا. نزحت العائلة إلى مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على شمالي القطاع، وأصبحت تعيش داخل حاصل صغير أسفل أحد المنازل.
تعتمد شذا على عكازين صغيرين لمساعدتها على المشي، وهي تساعد والدها في توفير احتياجات الأسرة رغم بتر قدمها. تقول لـ "العربي الجديد": "أذهب لشراء مستلزمات العائلة من البسطات الصغيرة المجاورة لمكان نزوحنا، كوني الأصغر بين أفراد العائلة. يزيد ألمي حينما أنظر إلى أقراني من الأطفال الذين يساعدن عائلاتهن في جلب غالونات المياه، أو الوجبات من تكيّات الطعام".
تعرض صلاح عوض (57 سنة) لإصابة خطيرة من جراء قصف طائرة حربية إسرائيلية في شهر إبريل/ نيسان الماضي، ما أدى إلى بتر قدمه ويده اليُمنى، وأصبح يتنقل بواسطة كرسي متحرك. يقول لـ "العربي الجديد": "صرت أبكي على الحال الذي وصلت إليه، ومعاناة عائلتي المكونة من 9 أفراد تفاقمت بعدما خسرنا منزلنا، ونزحنا عدة مرات، وحالياً نعيش داخل خيمة تتسع لنا بصعوبة، ونواجه صعوبات في توفير جميع الاحتياجات".
يتابع عوض: "أرافق زوجتي خلال تعبئة مياه الشرب من الشاحنة يومياً، وأضطر إلى وضع الغالون على قدمي الممدودتين على الكرسي المتحرك، كما أن أوجاع البتر تشتد في ظل الأجواء الباردة. أحد أبنائي أُصيب بشلل نصفي بعد تعرضه لقصف إسرائيلي، ما يزيد من مصاعب الحياة، خصوصاً في ظل عدم توفر الأدوية اللازمة لتخفيف الأوجاع".
ووفق وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل في وزارة الصحة، فإن عدد حالات البتر قبل الحرب كانت تقدر بنحو 2000 حالة، بينما تجاوزت خلال الحرب 4000 حالة، في حين لا توجد خدمات تقدم لمبتوري الأطراف، سواء القدامى أو الجدد.
واستهدف جيش الاحتلال خلال العملية البرية الأولى على قطاع غزة مستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية شمال غربي مدينة غزة، وحين تمكن المواطنون من الوصول إلى المنطقة عقب انسحاب جيش الاحتلال، وجدوه شبه مدمر.