مهاجرون سوريون... البحر الأبيض المتوسط طريق الهروب إلى قبرص

29 مايو 2021
في مركز استقبال بالقرب من العاصمة نيقوسيا (إياكوفوس هاتزيستافرو/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تتزايد هجرة السوريين بحراً، انطلاقاً من الشواطئ السورية. فيجتاز هؤلاء البحر الأبيض المتوسط، بحثاً عن فرصة جديدة بعيداً عن الوطن المأزوم. قد يكون ذلك في جزيرة قبرص أو انطلاقاً منها صوب أوروبا.

يفتح الإعلان القبرصي عن حالة طوارئ نتيجة زيادة تدفّق المهاجرين السوريين إلى الجزيرة المتوسطية في خلال الأسبوع المنصرم، انطلاقاً من الساحل السوري، الباب لاستفهامات عدّة بشأن التوقيت والدوافع التي حملت عشرات من السوريين على ركوب البحر في هذه الفترة بالتحديد، لا سيّما بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية التي يجريها النظام بهدف إعادة تثبيت رئيسه بشار الأسد لولاية جديدة مدّتها سبعة أعوام. والهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط انطلاقاً من الشواطئ السورية نحو قبرص بالتحديد، لم تتوقف منذ تعاظم حدّة الحرب في البلاد، غير أنّ وتيرتها خفّت بشكل كبير في الأعوام الأربعة الماضية، قبل أن يأتي الإعلان القبرصي ليشير إلى تدفّق كبير للمهاجرين السوريين في غضون الأيام القليلة الماضية، لا يمكن للدولة الصغيرة أن تتحمّله.

وقبل أيام، ناشدت قبرص الاتحاد الأوروبي لمساعدتها في استيعاب المهاجرين السوريين الذين أغرقوا مراكز الاستقبال لديها، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن وزير الداخلية القبرصي نيكوس نوريس قوله إنّ "قبرص شهدت، الأسبوع الجاري، موجة يومية من المهاجرين الواصلين إليها بحراً من ميناء طرطوس السوري". أضاف نوريس أنّه "نظراً إلى هذا الوضع والاكتظاظ في مراكز الاستقبال، أُجبرت الحكومة على إعداد بيان خطي وجّهته إلى المفوضية الأوروبية". في سياق متصل، أفاد نوريس بأنّ "نحو أربعة آلاف طلب لجوء رُفضت منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، وقد طالبنا الاتحاد الأوروبي بالمساعدة في إعادة الأشخاص الذين تُرفض طلبات لجوئهم في القضايا المرتبطة بدول لا تقيم نيقوسيا علاقات ثنائية معها، على غرار تركيا التي لا تعترف بجمهورية قبرص". يُذكر أنّ البيان الموجّه إلى المفوضية أفاد بأنّ "قبرص تدخل حالة طوارئ في ما يتعلق بالهجرة، ولم تعد تملك الإمكانات لاستقبال مزيد من المهاجرين".

وفي قارب واحد من القوارب المنطلقة من الشواطئ السورية، وتحديداً من شواطئ محافظة طرطوس في غرب البلاد، اعترض خفر السواحل القبرصي طريق 97 مهاجراً سورياً في نهاية الأسبوع الماضي، كانوا يستقلون القارب في اتجاه السواحل الشرقية للجزيرة، غير أنّ قوارب كثيرة مع أعداد مشابهة وصلت إلى الأراضي القبرصية بما تحمله من مهاجرين. وفي الجزيرة التي تواجه عجزاً اقتصادياً، طلب أكثر من 12 ألف سوري اللجوء منذ عام 2011، وقد مُنح 8500 منهم وضع الحماية الدولية، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

الصورة
مهاجرون سوريون في قبرص 4 (إياكوفوس هاتزيستافرو/ فرانس برس)
(إياكوفوس هاتزيستافرو/ فرانس برس)

حاول "العربي الجديد" التقصّي عن خلفيات عودة المهاجرين إلى ركوب البحر انطلاقاً من الأراضي السورية نحو دول الاتحاد الأوروبي مروراً بقبرص أو اليونان، علماً أنّ هذه العملية كانت تتمّ بشكل كبير انطلاقاً من الشواطئ التركية بعد وصول المهاجرين وطالبي اللجوء السوريين إلى الأراضي التركية برّاً، في حين لم تشهد الشواطئ السورية حركة هجرة كبيرة عبر البحر باستثناء أعداد قليلة لا تُقارَن مع تلك التي شقّت طريقها إلى أوروبا عبر تركيا. ويقول مصدر من مدينة جبلة الساحلية السورية، تحفّظ عن ذكر هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ سبب زيادة عدد المهاجرين السوريين الذين ركبوا البحر في الأيام القليلة الماضية، هو "فتح خط بحري جديد من قبل المهرّبين إلى قبرص"، مضيفاً أنّ "الطريق يُعَدّ مضموناً والمسافة قريبة ما بين نقطة الانطلاق من سورية ونقطة الوصول إلى قبرص". ويشير المصدر إلى أنّ "كلفة تهريب المهاجر الواحد التي تبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي فقط دفعت كذلك كثيرين من شبّان الساحل إلى سلوك هذا الخطّ بعد التنسيق مع المهرّبين"، شارحاً أنّ "الانطلاق يكون في العادة عبر نقطتَين، الأولى عند شواطئ مدينة طرطوس والثانية عند شواطئ مدينة بانياس في ريف طرطوس".

ولم يستطع المصدر نفسه تحديد أعداد المهاجرين السوريين الذين سلكوا هذا الخط في خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أنّه يؤكد أنّ "عددهم كبير. وعلى مدار اليوم ينطلق عشرات المهاجرين بإشراف مهرّبين في لانشات (قوارب مطاطية)، وفلوكات (قوارب خشبية)، في حين أنّ نسبة قليلة منهم تُهرَّب بواسطة بواخر شحن تتّجه غرباً في البحر الأبيض المتوسط". ويلفت المصدر إلى أنّ "الذين ركبوا البحر عبر هذا الخط ينتمون بمعظمهم للطائفة السنيّة من أبناء الساحل، وهم يُهرَّبون من قبل مهرّبين يرتبطون مع الأفرع الأمنية، ومنهم من كانت له تبعية للنظام أو مساندة له في الحرب". يضيف أنّ "المهرّبين بمعظمهم من أبناء مدينة صافيتا في ريف طرطوس، وقد فتحوا خطّ التهريب الجديد بالتنسيق مع فرع الأمن العسكري في المحافظة والمفارز التابعة للأمن العسكري المشرفة على البحر عبر تنسيق كامل"، موضحاً أنّه "لا يمكن لأيّ قارب ولا حتى قارب صيد أن ينطلق إلا بعلم وموافقة مفارز الأمن العسكري المختصة بالإشراف على الشواطئ. فالصيادون يحتاجون إلى موافقة تلك المفارز مع كلّ رحلة صيد في البحر، فما بالك بقوارب التهريب؟". ويتحدّث المصدر عن "مخاوف تجاه عملية تغيير ديموغرافي في الساحل الذي يشكّل أبناء الطائفة السنيّة غالبية سكانه، فهذه الحالة لا ترضي النظام الراغب في صفاء مذهبي أو في خلق موازنة ديموغرافية بين الأقلية والأكثرية في الساحل والبلاد عموماً".

الصورة
مهاجرون سوريون في قبرص 2 (إياكوفوس هاتزيستافرو/ فرانس برس)
(إياكوفوس هاتزيستافرو/ فرانس برس)

في المقابل، يقول مصدر آخر، تحفّظ كذلك عن ذكر هويّته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "شباناً كثيرين من الذين قصدوا جزيرة قبرص في خلال الأيام الماضية عبر البحر، من أبناء الطائفة العلوية"، مشيراً إلى أنّ "هؤلاء الشبان عمدوا إلى تصنيع قوارب بأنفسهم من الخشب والفلين، وراحوا ينطلقون من نقطة محددة"، فضّل عدم تحديدها حفاظاً على سلامتهم وأمنهم. أضاف المصدر أنّ "هؤلاء الشبان يعمدون إلى إتلاف القارب قبل وصولهم إلى الشواطئ القبرصية بنحو كيلومتر واحد ثمّ يتابعون مسارهم سباحة نحو الشاطئ. أمّا السبب فعدم إتاحة الفرصة أمام خفر السواحل لإعادتهم إلى سورية على القارب نفسه".

وينفي هذا المصدر، وهو من الطائفة العلوية، "فرضية النيّة لإحداث عملية تغيير ديموغرافي في الساحل"، لافتاً إلى أنّ "الساحل يضمّ خليطاً مذهبياً كبيراً من السنّة والعلويين والمسيحيين والمرشديين والإسماعيليين، علماً أنّ أبناء الطائفة السنيّة يشكّلون الأغلبية المطلقة اليوم ومن والصعب خفض نسبتهم بهذه الطريقة". ويؤكد أنّ "الأوضاع المعيشية الصعبة والخانقة تدفع كلّ السوريين إلى التفكير بكلّ الحلول الممكنة لإنهاء أزمتهم، وكثيرون لا يرون بديلاً عن الهجرة من البلاد التي تفتقر إلى الأمل بالتحسّن في المستقبل القريب".

في سياق متصل، تشير إحصاءات غير رسمية إلى أنّ نحو عشرة ملايين سوري باتوا في خارج البلاد، وهم اضطروا إلى الهجرة واللجوء إلى بلدان مختلفة حول العالم بعدما استُهدفت مدنهم وقراهم بالقصف العشوائي الذي حصد أرواح الآلاف. وهؤلاء تركوا بلادهم طلباً للنجاة ولحياة أفضل في خارجها.

أمّا في الإحصاءات الرسمية حتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020، فقد بيّنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ ثمّة خمسة ملايين و570 ألفاً و382 لاجئاً سورياً. وفي التفاصيل، فإنّ ثلاثة ملايين و626 ألفاً و734 لاجئاً منهم في تركيا، و879 ألفاً و529 في لبنان، و659 ألفاً و673 في الأردن، و242 ألفاً و704 في العراق، و130 ألفاً و85 في مصر، و31 ألفاً و657 في دول شمال أفريقيا (تونس والجزائر والمغرب وليبيا والسودان)، وذلك استناداً إلى الإحصاءات الرسمية والأعداد المسجلة لدى المفوضية فقط، فالدول المضيفة تشير إلى أنّ الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك، وأنّ جزءاً كبيراً من هؤلاء غير مسجّلين. ولا تشمل هذه الإحصائية الرسمية اللاجئين في أوروبا الذين يفوق عددهم مليوناً ونصف مليون لاجئ سوري، إذ تستضيف ألمانيا وحدها 600 ألف، تُضاف إليهم أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في كلّ من كندا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وغيرها من الدول التي استقبلتهم من ضمن برامج إعادة التوطين. هذا عدا النازحين داخلياً الذين يُقدَّر عددهم بنحو ستّة ملايين.