مفرقعات عاشوراء... خطر يهدد حياة المغاربة

22 يوليو 2023
إقبال على شراء الألعاب والمفرقعات احتفاء بعاشوراء(جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -

لم تمر الاستعدادات للاحتفال بذكرى عاشوراء برداً وسلاماً على المغاربة، بعدما توفي طفل يبلغ من العمر 13 عاماً في مدينة المحمدية (شمال شرق مدينة الدار البيضاء) ليلة الاثنين 17 يوليو/ تموز الحالي، إثر إصابته بشهاب اصطناعي، في وقت تشن فيه السلطات الأمنية حرباً ضد المفرقعات النارية من خلال رصد واعتقال من يبيعها ويروجها.
وفتحت فرقة الشرطة القضائية في المدينة بحثاً قضائياً تحت إشراف النيابة العامة المختصة للكشف عن ظروف وملابسات إطلاق الشهاب الاصطناعي. وأعاد الحادث المؤلم إلى الأذهان ما يعيشه المغاربة كل عام بمناسبة ذكرى عاشوراء، من تحول أحياء كثيرة إلى ما يشبه ساحات معارك بين الأطفال، بسبب المفرقعات التي تباع في الأسواق الشعبية.
واعتاد الأطفال المغاربة على اقتناء ما يسمونه "قنبول" (المفرقعات) خلال الأيام التي تسبق الاحتفال بعاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر محرم، فيتراشقون بها، أو يرمونها على المارة أحياناً لإثارة ردود أفعالهم، علماً أنها تحدث ضوضاء وتثير قلق المرضى. 
بالإضافة إلى الضجيح الذي تحدثه المفرقعات، قد تؤدي إلى إصابات وإعاقات جسدية وموت واندلاع الحرائق في المنازل والمحال التجارية والسيارات، وبالتالي الخسائر المادية. وقبل نحو أسبوعين من حلول عاشوراء، عادت المفرقعات إلى شوارع وأزقة المدن المغربية، وعادت معها حالة من القلق والانزعاج والخوف على سلامة الأشخاص والممتلكات.
وعمد الأمن المغربي، خلال الأيام الأخيرة، إلى اعتقال شخص يبلغ من العمر 19 عاماً بحوزته 86 ألف و400 وحدة من الشهب والمفرقعات النارية.
وفي 15 يوليو/ تموز الحالي، تمكنت فرقة مكافحة العصابات في ولاية أمن الدار البيضاء، بتنسيق وثيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (وكالة المخابرات الداخلية)، من توقيف شخصين من ذوي السوابق القضائية، للاشتباه بتورطهما في قضية تتعلق بحيازة وترويج شحنة كبيرة تضم 1،485،340 وحدة من المفرقعات والشهب النارية المهربة.
وعلى الرغم من تجريم ترويج المواد المتفجرة، إلا أنها تجد طريقها إلى أيدي عدد من الأطفال والمراهقين على الرغم من المخاطر التي تشكلها، ما يثير أسئلة حول مدى تطبيق القانون رقم 22.16 المتعلق بتنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية الترفيهية والمعدات التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية، الصادر في يونيو/ حزيران عام 2018، لردع المخالفين والحد من التجاوزات.

وتنص المادة 54 من القانون على أنه يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة مالية تتراوح ما بين 50 ألف درهم (حوالي 5 آلاف دولار) و500 ألف درهم (حوالي 50 ألف دولار) أو بإحدى العقوبتين، كل من يحوز دون مبرر قانوني مواد أولية أو مواد متفجرة أو شهباً اصطناعية ترفيهية أو معدات تحتوي على مواد نارية بيروتقنية، أو يقوم بإدخالها بطريقة غير قانونية إلى التراب الوطني.
كما يحظر القانون صنع واستيراد وتخزين المتفجرات والشهب الاصطناعية الاحتفالية من دون ترخيص. وينص على غرامة تتراوح ما بين 10 آلاف (حوالي ألف دولار) و20 ألف درهم (حوالي ألفي دولار) بحق كل من يستغل مصنعاً أو مستودعاً لا يحكم إدارة سجلاته وتصاميمه بشكل منتظم، أو يمتنع عن تقديمها لأعوان الإدارة أو لا يوافي الإدارة بالمعلومات المطلوبة، بالإضافة إلى كل من استورد الشهب الاصطناعية الترفيهية من الفئة الأولى أو صنعها، أو خزنها أو تاجر بها أو وزعها، وكل من عرقل المراقبة التي تقوم بها الإدارة.
إلى ذلك، يقول رئيس "الجامعة المغربية لحقوق المستهلك" بوعزة الخراطي إن الخلل يكمن في أن القانون المتعلق بتنظيم المتفجرات ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية الترفيهية لم يجد طريقه إلى التطبيق، معتبراً أن انتشار المفرقعات بشكل مهول في الشوارع والأحياء خلال احتفالات عاشوراء يجعلها أشبه بحالة حرب، ما يستدعي معاقبة مروجيها بأشد العقوبات حتى يكونوا عبرة لكل من يستسهل أمن وسلامة الناس. ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "مخاطر المفرقعات كبيرة جداً على الأطفال الذين يلعبون بها، وعلى عموم المغاربة، ويمكن أن تؤدي إلى إجهاض المرأة الحامل وحوادث سير وغير ذلك". 

المغرب (فاضل سنا/ فرانس برس)
أطلقت دعوات إلى ضرورة التصدي للمفرقعات والألعاب النارية (فاضل سنا/ فرانس برس)

ويحمّل الخراطي السلطات المحلية المسؤولية القانونية لترخيصها بيع المفرقعات وامتلاكها الإمكانيات والسلطة للحد من استعمالاتها، من قبيل حجزها والبحث عن مصادرها وإحالة مروجيها وبائعيها إلى القضاء. ويقول إن ضبط كميات كبيرة من الألعاب النارية والشهب المهربة التي تشكل خطراً على سلامة الأشخاص والممتلكات يطرح أكثر من علامة استفهام حول طرق ومصادر وصولها إلى البلاد، لافتاً إلى أن تلك الألعاب تعرف طريقها إلى الأسواق المغربية عن طريق التهريب من شمال البلاد وجنوبها أو من خلال التحايل في الجمارك لإدخالها وتسجليها باسم سلع أخرى، وهو ما يستدعي تشديد الرقابة.
وكانت العديد من الفعاليات المدنية المغربية قد أطلقت، في الأيام الماضية، دعوات إلى ضرورة التصدي للمفرقعات والألعاب النارية ومنع استيرادها، وسط تحذيرات من المخاطر الصحية الناجمة عن استخدامها، والتي تزداد خطورتها في المغرب مع ارتفاع حرارة الطقس.
وفي السياق، دعت جمعية "أوكسجين للبيئة والصحة"، في رسالة رسمية وجهتها إلى جهات وزارية وإدارية عدة، إلى منع استيراد وتوزيع الألعاب النارية بما في ذلك الألعاب الخفيفة المستوردة من الصين، تزامناً مع قرب احتفالات ذكرى عاشوراء. وقالت الجمعية إن القوانين الحالية لم تنجح في الحد من انتشار الألعاب النارية في المغرب، مؤكدة أهمية التدخل الرسمي لمنع استيراد الألعاب النارية بدلاً من التنظيم، لتفادي التداعيات السلبية الخطيرة التي تؤثر على صحة الناس والبيئة والأمن.

من جهتها، كشفت "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة" عن تزايد معدلات الإصابات بسبب الألعاب النارية والمفرقعات التي تحمل مواد متفجرة بعضها مصنوع من مواد كيميائية شديدة الانفجار، والتي تدخل المغرب عن طريق التهريب. وأوردت الشبكة، في بيان، أنه رغم المنع، إلا أن الاتجار في المفرقعات والألعاب النارية ينتشر في كثير من الأحياء والأسواق في مختلف المدن المغربية، علماً أنها تسبب أضراراً خطيرة وأحياناً تشوهات، كالحروق في جفون العين، أو تمزق، أو دخول أجسام غريبة في العين، وصولاً إلى فقدان كلي للعين.
وقد تؤدي المفرقعات إلى مشاكل في الأذن تؤثر على السمع، أو إصابات وحروق وجروح في اليدين، وإصابات في الوجه أو أجزاء مختلفة في الجسم. وربما تكون حروقاً من الدرجة الثانية أو الثالثة في الجسم، وخصوصاً في اليدين، الأمر الذي قد يؤدي إلى بترها أو عجز مزمن.
يشار إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر مُحَرّم في التقويم الهجري، ويُسمَى عند المسلمين بيوم عاشوراء، وهو اليوم الذي نجّى الله فيه موسى من فرعون، ويصادف اليوم الذي قُتِل فيه الحسين بن علي حفيد النبي محمد في معركة كربلاء.

المساهمون