معتقل مصري يطلب عدم إخلاء سبيله خوفاً من شبح التدوير والإخفاء القسري

05 يونيو 2021
تدوير المتهمين على ذمة قضايا جديدة مخالفة صريحة للمادة 54 من الدستور(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

سرد المحامي الحقوقي المصري، أسامة بيومي، موقفاً مؤلماً ومحزناً، حدث معه أثناء جلسة تجديد حبس أحد المتهمين، حيث تمنى المعتقل ألا يصدر قرار بإخلاء سبيله، وتمنى تجديد حبسه، خشية تدويره في قضية جديدة أو إخفائه قسرياً

ونشر بيومي، عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، منشوراً بما دار بينه وبين المعتقل (لم يذكر اسمه)، الذي قال له: "لو سمحت يا أستاذ متطلبش إخلاء سبيلي.. أنا باخد إخلاء سبيل و بدفع الكفالة وبيخفوني وبيدوروني في قضايا جديدة".

وعلّق المحامي الحقوقي قائلاً: "بهذه الكلمات قابلني موكلي فعجزت الكلمات أن تخرج من فمي للحظات، ثم حضرت معه وكان القرار 15 يوم فكان سعيداً جداً، وقال التجديد أرحم من أني أدفع كفالة ربنا يعلم أهلي هيجيبوها منين، وبعدين أروح الأمن الوطني أبقى مش عارف أنا عايش ولا ميت وبعدين ألافي نفسي نازل في قضية جديدة الله أعلم بحالها هيكون إيه .. شكرا على التجديد يا أستاذ".

هذا السيناريو تكرّر بالفعل مع عشرات وربما المئات من القضايا خلال السنوات الماضية، وكان آخرهم على سبيل المثال لا الحصر، تدوير الحقوقي المصري، عزت غنيم، للمرة الرابعة بعد ثلاث سنوات من الحبس الاحتياطي، حيث فوجئ في نيابة أمن الدولة العليا، يوم 29 مايو/أيار 2021، بالتحقيق معه في القضية 1552 لسنة 2018 أمن دولة، ووجهت له النيابة عدة اتهامات، أهمها: "الانضمام لجماعة إرهابية"، و"إذاعة أخبار كاذبة عمداً بالداخل والخارج"، و"تكدير الأمن العام حول الأوضاع الداخلية للبلاد بهدف إضعاف الثقة فى الدولة وهيبتها" و"تكدير الأمن العام"، وهي نفس الاتهامات التي أنكرها جميعاً في القضايا الثلاث السابقة والتي تمّ تدويره فيها بعد فترات مختلفة من الاختفاء القسري. 

كما رصدت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية) تدوير قرابة 2500 معتقل سياسي من محافظة الشرقية بدلتا مصر، وحدها منذ بداية عام 2021، وذلك بعدد من المدن والمراكز الرئيسية بالمحافظة.

الأمثلة في هذه الانتهاكات تكثر لدرجة لا تسعها مساحة نشر، لكن "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، كانت قد قد وثقت، في تقرير لها، في مارس/آذار الماضي، مخالفة وزارة الداخلية المصرية، والنيابة العامة المصرية، للمادة رقم 54 من الدستور المصري، المتعلقة بضمان حماية الحرية الشخصية للأشخاص وعدم جواز القبض عليهم وتقييد حريتهم إلا بأمر قضائي، وأنّ ظاهرتي الإخفاء القسري وتدوير المتهمين في عدة قضايا، هما مخالفة صريحة للدستور.

وتنصّ المادة 54 من الدستور المصري على أنّ "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمسّ، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلاّ بأمر قضائي مسبّب يستلزمه التحقيق".

وعرّفت "الشبكة العربية" الاختفاء القسري، بأنه "ما يعرف باحتجاز شخص ما من قبل أجهزة الدولة أو أجهزة مقرّبة أو على صلة بها، وإنكار وجوده أو احتجازه لفترة أو اخفائه تماماً، وهو ما يحدث ليظلّ الشخص أياماً تصل في أحيان كثيرة إلى شهور متعددة حتى يظهر في إحدى النيابات متهماً في قضية ما".

وأضاف التقرير: "على الرغم من حرص أغلب أسر ومحامي الشخص المحتجز على إرسال تلغرافات للنائب العام ووزير الداخلية، بالقبض على شخص ما، وإنكار الداخلية وعدم إجراء تحقيق من قبل النيابة في ما تضمنه التلغراف، فعادة يظهر الشخص المختفي بعد فترة، قد تكون أياما أو أشهرا، وتتجاهل النيابة نص المادة 54 من الدستور، ولا تسأل الضحية أو المتهم الأسئلة الواجب عليها سؤالها وهي: هل أبلغت بالاتهامات المنسوبة إليك؟ وأين توقيعك على الاتهامات المنسوبة إليك من يوم احتجازك؟"، وبالتالي: "فالنيابة العامة، بإهمالها تطبيق نص هذه المادة الدستورية، تشارك في مخالفة العقد وتفتح الباب لجريمة الإختفاء القسري".

وتساءلت الشبكة: "كيف نصدق من يهدر مادة العقد مادة 54 من الدستور حين ينفي وجود اختفاء قسري، في حين يظهر الكثير من المختفين، وقد تمّ حرمانهم من تطبيق المادة، التي إذا تم تطبيقها لتمّ القضاء على هذه الظاهرة البغيضة".

واعتبرت الشبكة العربية أيضاً أنّ تدوير المتهمين على ذمة قضايا جديدة، مخالفة صريحة للمادة 54 من الدستور، وقالت "التدوير وهو ما يعرف بأن شخصاً ما أمضى مدة الحبس الاحتياطي التي كثيرا ما تصل إلى عامين، وبعد الإفراج عنه يجد نفسه متهماً في محبسه بقضية جديدة منها إشاعة أخبار كاذبة وهو أمر لا يتنافى مع القانون فقط بل مع المنطق، وإذا كانت المادة 54 من الدستور قد عنيت بضرورة إخطار المقبوض عليه بأسباب القبض فهي تكون قد استبعدت تماماً المحبوس احتياطياً من الفكرة المقبوض عليها لانه بالفعل مقبوض عليه ولم يحدث قبض جديد لأن المحبوس إحتياطياً في حالة قبض طوال مدة الحبس الاحتياطي، وحين تحدثت المادة 54 من الدستور عن إبلاغه بأسباب القبض فهي تفترض أسباباً حقيقية لا أسباباً مصطنعة".

المساهمون