مساكن بيئية

27 نوفمبر 2020
الحفاظ على البيئة أساسي في حياة الأفراد (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

من أخبر أسلافنا أن استخدام الطين اللبن في بناء المساكن يمنحها خاصية نادرة تتمثل في الدفء شتاء، والبرودة صيفاً، مع قدرة هائلة على تحمل كثافة هطول الأمطار؟ ومن قال لهم إن الهواء الساخن يصعد إلى أعلى فتُنشأ منافذ صغيرة تحت الأسقف الخشبية مباشرة؟ ومن أخبرهم أن "الروث المتخمِّر" مع بعض العشب، والذي يستخدم لطلاء الجدران من الخارج يكفل متانة للجدران، مع الحفاظ على خاصية المسكن البيئي.
هي التجربة والإبداع في توظيف الموارد البيئية وتشكيل المعرفة المحلية. هذا ما يحدث في وسط شمال النيل لدينا، فلكل بيئة مواصفات خاصة ومساكن قديمة ملائمة لتلك البيئات؛ فمن خشب الأشجار المحلية صنع أجدادي سقوف البيوت الطينية، و"الراكوبة" و"الكشاشة" و"القطية" و"الكرنك"، وهذه أنواع من الغرف وملحقاتها تتكون بكاملها من فروع الأشجار الكبيرة، بما في ذلك النخيل والدوم، حيث تصنع الأعمدة الأفقية والرأسية (الشعاب والمروق والشقائق). ومن نسيج الشجيرات والأعشاب والحشائش صنعوا السواتر والسقوف التي لا تؤثر فيها الشمس الحارقة، ولا الأمطار الغزيرة، ولا الرياح الشديدة، لكنها عرضة لاشتعال الحرائق.
نعم.. علّمتهم التجارب أنه كلّما كان الجدار سميكاً كان قادراً على امتصاص أشعة الشمس، والحفاظ على رطوبة الداخل، حتى في أكثر أيام العام سخونة. كما أن سماكة الجدار تساعد في الاحتفاظ بدفء الداخل، مهما بلغت درجة الصقيع في الخارج. أكثر ما كان يسعدنا ونحن أطفال، هو أن نقضي الساعات على أرض الغرف الرملية النظيفة الباردة ذات الملمس المريح، وقد استبدلت مؤخراً بأرضيات من السيراميك لا يقوى الأطفال على تحمل البقاء عليها ساعة واحدة. 

موقف
التحديثات الحية

في مدارسنا، كنا نقضي ساعات طويلة داخل غرف الدراسة من دون الحاجة إلى تبريد صناعي. فهي لا تحتاج إلى مراوح ولا مكيفات هواء. أصلاً لا تيار كهربائياً بل نوافذ ضخمة مزدوجة مصنوعة من الخشب وفيها زجاج، وقد وضعت بحسب اتجاه الرياح. واكتشفنا لاحقاً أن المعايير البيئية كانت تحكم إنشاء مباني المدارس وكافة المؤسسات، مع الاهتمام بالمساحات الخضراء في الفناءات الواسعة، وزراعة أشجار الظل الكبيرة. وقبل هذا وذاك، فإن الالتزام بالمساحات المحددة للمباني و"الفرندات" (الشرفات) أساسي. 
ما أدهشني أن القرويين باتوا يقلدون سكان المدن الذين استبدلوا مساكنهم البيئية بمنشآت تتوافق مع بيئات أخرى لا علاقة لها بشمسنا الحارقة، وشتائنا الجاف. فأقاموا الجدران الرفيعة من الأسمنت، وباتت السقوف واطئة، ما يمكنهم من وضع الغرف العلوية في تصاميم العمارة المدينية. وازدادت الأمراض وبتنا نضيق ذرعاً بالبقاء في تلك البيوت، خصوصاً في حال انقطاع التيار الكهربائي، ولا نخفي ضيقنا بالملابس بخاماتها البترولية التي حلت بديلاً لتلك القطنية التي تشبه بيئتنا. 
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون