يحتاج كبار السن ممن خرجوا إلى التقاعد وسواهم إلى أماكن خاصة يمضون فيها أوقات فراغهم، ويلتقون فيها بأشخاص من عمرهم، يتسامرون معهم، ويجدون الفرصة للترويح عن أنفسهم، وفكرة "لقاء الأحبة" في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمالي لبنان كانت مبادرة لجمع كبار السن الذين يعيشون في المخيم.
يقول صاحب المبادرة المهندس إبراهيم صالح، من مخيم البداوي شمالي لبنان، وهو متحدر من بلدة شفا عمرو الفلسطينية: "درست الهندسة المدنية في العاصمة البريطانية لندن، وأعمل في مجال التعليم، وعندي أكاديمية تعليمية في المخيم أسميتها 'المدرس' وخلال عملي وانخراطي مع الناس وجدت أن فئة كبار السن من عمر 65 سنة وما فوق، هي فئة مهملة، وفكرة جمعهم في مكان مخصص لهم ليتسامروا أيضاً مهملة".
ويضيف صالح: "غالبية كبار السن الذين خرجوا من فلسطين بعد النكبة باتوا في عداد الأموات، وموتهم يجعلنا نخسر قدرة الشباب من الجيل الثاني والثالث على اللقاء معهم ليتعرفوا منهم على فلسطين، ويسمعوا عن النكبة، لذلك قررت جمعهم عندي في الأكاديمية، فالمكان تراثي حميم، وفيه جو من الحنين إلى الماضي، وكانت الفكرة أن نجمع عشرة أشخاص على الأقل من أعمار 60 إلى 95 سنة مرة كل خمسة عشر يوماً، ونقيم لهم برنامجاً ترفيهيّاً، يسمعون فيه الأغاني التراثية، وبدأنا اللقاءات، ولاقت الفكرة استحساناً من قبل العديد من الشبان الفلسطينيين الذين يقيمون في الخارج، خاصة أن آباءهم من الأشخاص الذين شملتهم دعوتنا، فشعروا بأن أهلهم ارتبطوا بالمكان، وصاروا مهتمين بعقد اللقاء نصف الشهري، فبدأ أصحاب الخير بدعم المبادرة، كأن يقدم أحدهم مبلغاً ماليّاً يهبه لروح أمه أو أبيه، ونحن نقدم بحسب المبالغ المتبرع بها وجبات للكبار، أو حلويات وفاكهة". وتابع: "لاقت الفكرة استحساناً واسعاً، وصار العشرات من كبار السن يرغبون في حضور لقاء الأحبة، وبسبب ضيق المكان، وعدم قدرتنا على استقبال كل كبار السن الموجودين في المخيم، ارتأينا أن نوجه الدعوة لخمسة عشر شخصاً من كبار السن في المخيم كل 15 يوماً، والدعوة تكون عامة لمن يرغب من أهالي المخيم في حضور اللقاء، فالمكان يتسع إلى نحو 40 أو 50 شخصاً".
ويوضح صالح: "خلال اللقاء، نقيم برنامجاً ترفيهيّاً ثقافيّاً للكبار، ونفتح منبراً حرّاً للرأي، فبعض الكبار يرغبون بالتحدث عن فلسطين، وعن عاداتها وتقاليدها، ويرغب آخرون بالتحدث عن الإرهاصات التي لاقتها القضية الفلسطينية، أو النكبة واللجوء، وهناك من يحب أن يلقي الشعر، أو يغني، كما تشاركنا في الجلسات فرقة موسيقية يرأسها أبو القاسم الذي يعيش في المخيم، ويغني مع فرقته الأغاني التراثية والوطنية".
تمتد الجلسة لساعة ونصف الساعة، ويتمتع الكبار خلالها بالغناء أو الرقص، ولقاء الأتراب، وأحياناً يلتقون في الجلسات مع أشخاص لم يلتقوا بهم لأشهر عديدة، فيشعرون بالسعادة، ويعودون إلى ذكريات الشباب.
يقول إبراهيم صالح: "الجلسات تحضرها أجيال متعددة، والهدف هو جمع الأجيال. أنا قاربت على الخمسين، ولا أعرف الكثير عن فلسطين، لأني لم أولد فيها، وهؤلاء الكبار نتعرف من خلال حكاياتهم على فلسطين عن قرب، وهم يتكلمون بحب وصدق، فنشعر أنها الأم التي تنتظر عودتنا، كما أنهم يتحدثون عن تراثها وعاداتها، والأجيال الشابة تنسجم مع كلامهم، ويعلق بذهنهم ذلك التراث الذي يجب علينا ممارسته، والمحافظة عليه".
يقيم محسن زيد في مخيم البداوي، وهو عضو بالرابطة الاجتماعية التي تعنى بالتراث، ويقول: "أعمل في مجال التراث والحفاظ عليه، وشاركت في مبادرة الأستاذ إبراهيم صالح، لأنّ ما يقوم به من خلال المبادرة يصب في صميم عملي، وأدعم الفكرة بكلّ ما أستطيع، وتحديداً عملية التواصل مع كبار السن، والفكرة مهمة جداً لأنّها تربط جيل الشباب بكبار السن، وفكرة الغناء أيضاً مهمة، فالكبار عندما يسمعون الأغاني التراثية يعودون بذاكرتهم إلى فلسطين وأهلها، والشباب يحفظونها لتعلق بذهنهم، فتظل فلسطين حية في وجدانهم، ويعلمونها للأجيال اللاحقة، ونحن نرى كيفية تعلق الجيل الجديد بالتراث الفلسطيني".
ويتابع: "فكرة جمع الكبار مهمة، وجميع كبار السن ينتظرون هذا اليوم ليأتوا إلى المركز، ويلتقوا بأقرانهم، لأنها فرصة للتلاقي والترفيه عن النفس، فضلا عن تجديد روح الحياة عندهم، فمن الكبار من لا يستطيع المشي، لكنّه يأتي على كرسي متحرك، ومنهم المرضى، لكنهم رغم كل ظروفهم الصحية يحرصون على حضور الجلسات لأنها تشعرهم بالسعادة، فهي فرصة للخروج من البيت، ولقاء الأصدقاء في جو من الفرح".