لاجئون سوريون لا يريدون العودة

11 مارس 2021
عبد الرحيم الخطاب، لاجئ سوري في العاصمة الألمانية برلين (جون ماك دوغال/فرانس برس)
+ الخط -

يعتبر معظم السوريين في الخارج أنّ عودتهم إلى بلادهم في الوقت الراهن شبه مستحيلة، في ظلّ استمرار الأوضاع السيئة هناك، كما أنّ خططهم المستقبلية مرهونة بتحسن تلك الأوضاع.
محمد العمر، من مواليد عام 2000، وصل إلى ألمانيا عام 2017، ويعمل اليوم في شركة للاستيراد والتصدير، يقول لـ"العربي الجديد": "تمكنت من إتقان اللغة الألمانية بامتياز، خلال عامين من وصولي إلى البلاد، وعلى الفور بدأت أقطف ثمار تعلم اللغة. كنت أترجم للاجئين الذي جاؤوا إلى ألمانيا بعدي، ومع إتقان اللغة، حصلت على عمل في الشركة. حالياً، أعمل وأدرس الاختصاص نفسه". تابع العمر: "أستبعد بشدة أن أعود إلى سورية حتى في حال استقرار الوضع هناك. بالنسبة لي، لن أحصل على عمل مناسب كهذا ورعاية صحية، لن أكون قادراً على التخطيط للمستقبل بالشكل الذي أريد. لديّ طموحات، منها إنهاء الدراسة والتقدم في مجال العمل بشكل أكاديمي واكتساب خبرة أكبر أيضاً بهذا الخصوص، لا سيما أنّ مؤسس الشركة التي أعمل فيها، وهو ألماني، يشجعني دائماً على ذلك، وهناك تفاهم كبير مع الألمان، إذ كوّنت علاقات جيدة معهم".
أما ملهم (36 عاماً)، من ريف حماة الشمالي، فيقيم مع أسرته في هولندا، وقد حصل على جنسيتها قبل نحو خمسة أشهر. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه عند وصوله قبل خمس سنوات واجه صعوبة، ولم يكن خيار الاعتماد على مخصصات اللجوء جيداً بالنسبة له، فعمل على إتقان اللغة التي تتيح له الانخراط في سوق العمل، وتمكّن من العمل، بداية، في ورشة لتلحيم السفن، كونه يملك شهادات خبرة مهنية في لِحام أنابيب النفط، وتمكن من إثبات نفسه. وقبل عامين، أسس شركته الخاصة أيضاً. يوضح أنّه حالياً مستقر ولا يفكر في العودة إلى سورية، ويمكن الذهاب فقط لزيارة الأهل من دون الاستقرار.

SWEDEN-MIGRANTS-FIVE YEARS-PACKAGE Syrian Majda Ibrahim, 38, walks with her children in Skogas, south of Stockholm, Sweden on August 5, 2020. - They arrived in unprecedented numbers, pushing a strained Sweden to shut its borders as anti-immigration sentiment flared. Five years later, Syrians are still trying to integrate, some more successfully than others. (Photo by Jonathan NACKSTRAND / AFP) (Photo by JONATHAN NACKSTRAND/AFP via Getty Images)
الأصغر سناً من بين اللاجئين يميلون لتحقيق الإندماج (جوناثان ناكستراند/فرانس برس)

في المقابل، يعاني كثير من اللاجئين من صعوبات، ومنهم عمرو أبو أسامة (32 عاماً)، الذي يقيم حالياً في ألمانيا، إذ عاش تجربة صعبة حتى استقر فيها قبل نحو عامين. يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّه أمضى سنوات منذ وصوله إلى أوروبا يحاول الاستقرار، فقد أمضى مدة في بلغاريا، ومنها انتقل إلى ألمانيا ثم النرويج التي رفضت لجوءه، ليعود يائساً إلى ألمانيا، حيث وافقت المحكمة على لجوئه فيها. يقول أبو أسامة لـ"العربي الجديد": "من المؤكد أنّ الغربة صعبة جداً، فأنا بعيد عن عائلتي منذ عام 2014، حتى أنّ زواجي معلق منذ أعوام بسبب الإجراءات. حالياً، أسعى للاستقرار. أعمل بدوام جزئي إلى جانب دروس اللغة، وفي حال استقرار سورية ورحيل النظام، قد أعود".
وكانت دراسة استقصائية لأوضاع اللاجئين السوريين في أربعة بلدان أوروبية، هي ألمانيا وفرنسا وهولندا والسويد، صدرت عن مؤسسة "اليوم التالي" في يناير/ كانون الثاني الماضي، قد خلصت إلى أنّ غالبية اللاجئين السوريين في هذه البلدان لا ترغب في العودة إلى سورية والاستقرار فيها. وشملت عينة البحث 1600 سوري، واستمرت خمسة أسابيع. وكشفت النتائج  أنّ الأصغر سناً من بين اللاجئين أكثر تعلماً وأكثر دخلاً ويميلون لتحقيق الاندماج، وإتقان اللغة، إذ إنّ 37 في المائة من العينة عموماً يتقنون لغة البلد المضيف، أما الفئة العمرية ما بين 18 و25 عاماً فترتفع فيها نسبة متقني اللغة إلى 61 في المائة. وأكدت الدراسة أنّ اللاجئين الهاربين من أوضاع صادمة مثل المعارك، يواجهون عوائق أكبر في الاندماج ضمن المجتمعات الجديدة، وهو ما يحتاج إلى تعزيز للأطر المساعدة على إدماجهم، إذ إنّ 28 في المائة من اللاجئين الهاربين من المعارك يتقنون لغة البلد المضيف بينما ارتفعت النسبة لما يقرب من 70 في المائة لدى اللاجئين الذين تركوا سورية تهرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية.

 

ووفقاً للدراسة، أظهرت عينتا ألمانيا وهولندا درجات أكبر من الرضا عن الحياة بنسبة 70 في المائة، و73 في المائة على التوالي، مقارنةً برضا عينة اللاجئين في السويد الذي بلغت نسبته 33 في المائة. فيما جاءت عينة فرنسا في منزلة متوسطة بين الطرفين برضا 40 في المائة من العينة عن حياتهم هناك.
في المقابل، أشارت الدراسة إلى أنّ غالبية السوريين لديها ارتباط قوي بالوطن، فثلثا أفراد العينة يرغبون بزيارة سورية في حال تسنت لهم الفرصة، ونحو ثلاثة أرباع العينة يهتمون بأخبار مناطقهم، بينما ثلث الأفراد بات ارتباطهم ضعيفاً أو معدوماً. وعبّر ثلث أفراد العينة عن تفكيرهم جدياً بالعودة إلى سورية، شريطة الحلّ السياسي. أما النسبة الأكبر من الأفراد فقد أكدوا أنّهم لا يفكرون في العودة، لعدة عوامل، منها الواقع الخدمي في البلاد.
يقول أحمد مراد، منسق برنامج الدراسات في مؤسسة "اليوم التالي"، عن أسباب تفاوت نسبة الرضا، إنّه "لا بدّ من الحديث عن عامل اختيار اللاجئ بلد لجوئه، فبسبب قوانين اللجوء الأوروبية ألزمت الدولة الأوروبية الأولى التي وصل إليها اللاجئ باستقباله ضمنها، بينما وصل لاجئون آخرون إلى بلدان قرروا هم الاستقرار فيها نتيجة وجود أفراد العائلة ضمنها أو أصدقاء يعيشون فيها منذ فترات أطول، ما وفر لهؤلاء شبكة حماية اجتماعية من قبل مجتمع اللاجئين الأقدم، ساعدتهم على معرفة الظروف الجديدة ضمن بلد اللجوء. فقرابة ثلثي من وصلوا إلى ألمانيا كان لهم دور في اختيار وجهة لجوئهم، بينما ثلثا اللاجئين في فرنسا لم يكن لديهم الخيار في ذلك. وقد ساهم هذا العامل في التأثير على عدد من مؤشرات الاندماج، إذ أظهرت نتائج البحث مستويات إتقان أعلى للغة بلد اللجوء لدى من اختاروا بأنفسهم، إذ قال 42.9 في المائة منهم إنّهم حققوا مستوى جيداً أو جيداً جداً من إتقان لغة البلد المضيف. وتنخفض هذه النسبة بوضوح لدى من قالوا إنّهم لم يتمكنوا من اختيار بلد اللجوء إلى 28.5 في المائة من إتقان لغته". يضيف: "كذلك، تتسع الفروق بين الدول أكثر حين يتعلق الأمر بالجوانب التفصيلية في إدارة حياة اللاجئين واندماجهم، كالأطر المؤسساتية والإجرائية لتعليم اللغة وتوفير السكن والعمل وغيرها. وينطبق ذلك أيضاً على مستوى الوصول إلى السلع والخدمات، والعلاقات الاجتماعية، وتقبّل المجتمع المضيف، وسياسات وبرامج الإدماج المعتمدة من قبل الحكومات".
واستقبلت ألمانيا 562 ألف لاجئ سوري، بينما استقبلت السويد 114 ألفاً، وهولندا 33 ألفاً، أما فرنسا فقد استقبلت 19 ألفاً، وفق مؤسسة "اليوم التالي".

المساهمون