إقامة سرادق العزاء وتقبل التعازي من العادات التي ألغيت لدى كثير من العراقيين، بعد تفشي فيروس كورونا الجديد، إذ استبدلت بعزاء افتراضي يتقبل فيه ذوو المتوفى التعازي عبر مواقع وتطبيقات التواصل.
في زمن كورونا، يعلن العراقيون عن وفياتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويرفقون الإعلان باعتذار عن عدم إقامة العزاء، فيستقبلون التعزية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الاتصال، ليلجأ بعضهم مؤخراً إلى إقامة العزاء عبر إحدى المنصات، مثل تطبيق "زوم" إذ يعلنون عن موعد محدد لتقبل التعزية عبر الإنترنت.
وبينما يواصل كورونا تسجيل الإصابات والوفيات في العراق، ينصح زعماء قبائل، أتباعهم بعدم إقامة العزاء بل الاكتفاء بتقبل التعازي عبر الاتصالات الهاتفية ومواقع التواصل الاجتماعي، وفق ما يذكر الشيخ حسن عبد الله، وهو من شيوخ قبيلة المراسمة، واسعة الانتشار في البلاد. يقول عبد الله لـ"العربي الجديد" إنّ "التخلي عن إحدى العادات الموروثة ومنها إقامة العزاء أمر شديد الصعوبة، لكنّ الخطر الذي عاشه العراقيون وما زالوا يعانون منه، أجبرهم على التخلي عن هذه العادة" لافتاً إلى أنّ "شيوخ القبائل ينصحون أتباعهم بعدم إقامة العزاء، لكن ما زال هناك من يرفضون ترك هذه العادة، فيقيمون العزاء، لكنّ هذا الفعل ينحصر داخل القرى. وهؤلاء أكثر التزاماً بالعادات ويعتبرون عدم تطبيقها معيباً". يشير عبد الله إلى أنّه يتزعم أكثر من 300 عائلة من قبيلته، مؤكداً أنّهم ملتزمون بما يصدره من توجيهات تخصّ سلامتهم، ويقول: "منذ انتشر كورونا في العراق توفي من أفراد قبيلتي المنضمين إلى الفرع الذي أتزعمه 23 شخصاً، منهم تسعة متأثرين بالفيروس، ولم يقم أيّ عزاء لأيّ من الوفيات وكان ذوو المتوفين يتلقون التعازي عبر مواقع التواصل".
ومع استمرار زيادة الإصابات بالفيروس، اتخذت السلطات العراقية إجراءات صارمة غير مسبوقة، منها تحرير غرامات بحق من لا يلتزمون بالكمامات في الأماكن العامة، وفرض حظر تجول على السيارات، ومنع التجمعات والأعراس ومجالس العزاء. "نعتذر عن إقامة العزاء بسبب انتشار كورونا" عبارة باتت من الأكثر مشاهدة على يافطات وإعلانات العزاء التي تنتشر في الشوارع العامة ومواقع التواصل الاجتماعي. يقول محمد الحرباوي، وهو خطاط، إنّه اعتاد كتابة يافطات الوفيات بأشكال مختلفة، لكنّ هذه العبارة "باتت الأشهر بين ما يكتبه الخطاطون". يوضح لـ"العربي الجديد" أنّه يزاول هذه المهنة منذ ستة عشر عاماً، مشيراً إلى أنّه يخطّ يافطات الإعلانات المختلفة التي تعلّق في الشوارع ومنها يافطات العزاء التي تعلن عن وفاة أحدهم وموعد ومكان إقامة عزائه، مضيفاً: "أما الاعتذار عن إقامة العزاء، فهي إضافة غير مألوفة، لكنّها إضافة مؤلمة حين يطلب مني ذوو المتوفي كتابتها بينما يتألمون لمنع الأقارب والأصدقاء من المشاركة في مراسم عزاء شخص فقدوه بعد فترة طويلة من الصحبة والتعارف والمواقف العديدة التي عاشوها معاً".
لكنّ هذه الحال لن تدوم طويلاً، ولا بدّ من أن تنتهي، ويعود العراقيون لطقوسهم وتقاليدهم التي حرمهم منها فيروس كورونا، وفقاً لجميل عباس، الذي أقام خمسة مجالس عزاء لأقرب الناس إليه خلال عام واحد، وجميعهم خُطّ على يافطاتهم التي عُلّقت قرب داره: "نعتذر عن إقامة العزاء بسبب فيروس كورونا" وذُيّلت بعبارة: "نتقبل التعزية عبر مواقع التواصل". عباس وهو تاجر مواد كهربائية، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ بإمكانه إقامة عزاء في حديقة منزله الواسعة، بعيداً عن قاعات المناسبات أو السرادقات، لكنّه يقول إنّ "صحة الآخرين أهم من إقامة العزاء". يضيف: "توفيت والدتي وشقيقتي بفيروس كورونا، وتوفي أخي بمرض عضال، وتوفي عمي وابن خالي بحادث مروري. جميع هذه الوفيات حصلت بين شهري يونيو/ حزيران وديسمبر/ كانون الأول الماضيين". يتابع: "فقدت أحبّ وأقرب الناس إليّ، لكنّي اكتفيت بإعلانات في الشوارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، واعتذرت عن إقامة العزاء، على الرغم من أنّ أقاربي طلبوا أن أقيم عزاء في حديقة منزلي التي تتسع لأكثر من 250 شخصاً، لكنّي رفضت كون صحة الآخرين مهمة، ويجب أن أكون أميناً على سلامتهم وإن كان هذا على حساب عاداتنا وتقاليدنا". يقول عباس إنّه أعلن عن تلقي العزاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "وصلتني مئات مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية فضلاً عن الاتصالات والرسائل النصية التي تعزي. هي أزمة ولا بدّ من أن تمضي بسلام في وقت ما وعلينا أن نلتزم قدر الإمكان بالحفاظ على حياتنا وحياة الآخرين".
ولا يعني تحول العزاء إلى "أونلاين" إعفاء آخرين من إقامة العزاء، إذ يرى كثيرون أنّهم يقعون في حرج كونهم يغادرون العادات والأعراف التي ورثوها، ولذلك يعمد بعضهم إلى إقامة عزاء مختصر داخل المنزل أو في الديوانيات الواسعة، لكنّها رغم ذلك ليست تلك المجالس التي تشهد حضوراً كبيراً مثلما جرت العادة، إذ يؤكد البعض أنّهم رفضوا حضور عزاءات أقيمت في منازل، وذلك حرصاً على حياتهم. يقول عدي حساني، إنّه لم يرضخ لضغوط أعمامه بإقامة عزاء والدته داخل منزل العائلة رغم كبر مساحته. يضيف: "منزل عائلتي واسع ويقع في أطراف بغداد الشمالية وسط منطقة زراعية وكان بإمكاني أن أقيم العزاء في المنزل أو داخل المزرعة العائدة لأبناء أعمامي لكنّي لم أشأ أن أكون سبباً في انتشار فيروس كورونا. كانت رغبة أقاربي هي في إقامة العزاء، خصوصاً مع توفر مساحة يرون أنّها تسمح بالتباعد الاجتماعي، لكنّي حددت وقتاً معيناً لتلقي التعزية عبر تطبيق زوم، وهو ما حصل".